استهلال عام
خصصت مجلة le point الفرنسية، عددها المزدوج، الصادر برسم شهري شتنبر وأكتوبر 2017 لموضوعة الجسد داخل الثقافة والفكر الغربيين (الفكر الفلسفي تحديدا) انطلاقا من نصوص مؤسسة، شملت أهم المحطات التاريخية، المتميزة، الممتدة من العصر القديم الى الفترة المعاصرة، مرورا بأفلاطون وأرسطو وايبوقراط وايبيكتيت وسانت أوغسطين، ومونتان وداروين، وديكارت، وهوبز، وسبينوزا، وديدرو، وشوبنهاور ونيتشه، وهوسرل، وموريس ميرلو بونتي، وارتو، ووصولا الى بورديو، وفوكو وجوديت بوتلر.
في ما يلي ترجمة، لبعض من هذه النصوص، مصدرة بمقدمة للصحافية والباحثة الفرنسية catherine golliau.
ما هو القاسم المشترك بين امرأة حامل، يكون حملها موضوع طلبية gestation زوج ما، من جهة، والحجاب، والأفلام الإباحية، والدعارة، وجراحة التجميل، والوشم، والتحول الجنسي من جهة أخرى ؟.
الجسد سواء كان ممتلئا أو نحيفا، كبيرا أو صغيرا، شابا أو كهلا، ذكرا أو أنثى، معافى أو عليلا، هو اليوم الموضوع المفضل لأغلب النقاشات الساخنة. الجسد الرغبة، والجسد اللذة،والجسد العمل، والجسد المؤونة، والجسد الصورة، والجسد السياسة، والجسد الملجأ، والجسد المرض، والجسد التضحية …..الخ ؟. الجسد هو حاضر في كل مكان. إنها مسلمة قبلية، إذ نحن، بدونه، لا شيء.إنه لمن الطبيعي أن يكون الجسد موضوع كل اهتمامنا وعناياتنا، وهاجسنا الأول. صحيح أننا نخصص إمكانات مادية جمة من أجل تغذيته، وعلاجه، وإلباسه وتزيينه، نقول باختصار : الإنصات لرغباته وحاجياته . لكن رغم هذا النصيب، المهم، الذي نخصصه، للجسد من مداخيلنا، فإن الحصيلة لا تتجاوز، في بعض الأحيان، عتبة الصفر.
قد يقع أن نهمل الجسد ونغذيه، على نحو سيء، كما قد يقع أن ننهكه، ونعطبه، ونجعله موضوع مساومات.إنه أداتنا وتحفتنا، ومن يحدد قيمتنا faire valoir. نعشقه ونسيء معاملته، إلى درجة النسيان .
لماذا تتسم علاقتنا بالجسد،على نحو ما ذكرنا، بالاضطراب والتأرجح؟
تساؤل سنحاول الإجابة عنه، عبر رحلة تنطلق بنا من نص الإنجيل، وصولا عند كتابات الباحثة الأمريكية جوديت بوتلرjudith buttler مرورا بأفلاطون، وأرسطو، وايبيكتيت،وسانت أوغسطين…….الخ ووصولا إلى فوكو، وبورديو،….. . فهذا إيبوقراط، مثلا، يحكي لنا كيف ينتج الجسد أفكارا، وكيف دخل في صراع مع الروح ثم الفكر، على امتداد حقبة تاريخية، ليست بالهينة، كما يحكي العودة القوية للاوعي والغرائز، كنوع من رد الاعتبار للمكبوت، مع مقارنة الجسد بالآلة، ورصد مجمل علاقاته بالثقافة وبالمجتمع …. الخ .
تاريخ هو من الطول بمكان، لكنه ليس بالخطي أو المسترسل. تاريخ يقودنا من الغرب إلى الصين، مرورا بإفريقيا، ويبين لنا، بشكل مثير، ولسبب من الأسباب، أن الجسد كان دائما موضوع شبهة، إن على نحو مفضوح وظاهر، أو على نحو محتشم ومستور، وكأن الإنسان تحمل، عن رغبة ووعي واختيار، أن يكون من لحم ودم. جسد، يجعل الروح مدعوة لاحترامه وتقديره، حتى تدرك مقام، ودرجة احترام نفسها.
أعتبر حضور أستاذكم القديم، هنا، أمرا ضروريا. ضرورة لا تمليها، أبدا، الرغبة في الحيلولة بينكم واستحضار أفكار بخيسة وتصورات سوقية،تحط من قيمتكم وكرامتكم. بل وحتى لا يلتقي ويتقابل أناس شباب، كهؤلاء،أناس يخبرون علاقة القرابة التي تربطهم بالإلهات، كما يخبرون أن أجسادنا مرتبطة ومترابطة، مع ما تملك وتستحوذ عليه، ماديا، ارتباطا مبتذلا ودونيا.امتلاك يجعل من بعض الأشياء ضرورية، بهدف الاستمرار في العيش، منصاعين لإكراهاته. إنهم يريدون التخلي عنها، معتبرين إياها عبئا ثقيلا وتافها، وبالتالي العودة الى أبائهم. إنه صراع على معلمكم ومربيكم قيادته. واذا ما كان حاضرا، بين ظهرانيكم، ستخاطبونه قائلين: “ايبيكتيت، إننا لم نعد قادرين على تحمل عبء وثاق يشدنا الى هذا الجسد الصغير. لم نعد قادرين على إطعامه وإروائه وإراحته وتنظيفه والإنصات لحاجياته ومتطلباته الدائمة. وإرضاء له نتعايش، رغما عنا، مع من كان. أليست هي أمور تافهة لا تنبغي المبالاة بها وأن الموت ليس البتة شرا ؟ أفلا تربطنا علاقة قرابة بالإلهة، الم نأت من هناك؟ اتركنا نقطع أواصر الارتباط، هذه، التي تشدنا وتثقل كاهلنا “هنا”، حيث اللصوص والقضاة والطغاة، يعتقدون أن لهم سلطة علينا، نحن مطالبون بالإذعان لها”.سأجيب بدوري قائلا : ” انتظروا يا معشر الناس الإله. فعندما ستصدر عنه إشارة، تعفيكم من مهمتكم ، آنئذ بإمكانكم الهروب نحوه. لكن بالنسبة للوقت الراهن، فليس لكم إلا أن تتحملوا عناء إقامة جبرية . تسكنوا هذا الهنا، وأنتم مكرهون. إن وقت الإقامة قصير ويسير، بالنسبة لمن لهم استعداد لتقبل ذلك. ترى ما هي السلطة التي ستكون للطاغية المستبد أو اللص أو القاضي، على إنسان لا يعير اهتماما لجسده واشتهاءاته؟. ابقوا، هنا، ولا تذهبوا دونما اعتبار وعرفان”.
Epictete entretiens ,1 9 10. 17
traduction originale
PAGE \* MERGEFORMAT