يشكل الأطفال والشباب من 0 إلى 24 سنة حوالي 44 بالمائة من ساكنة المغرب، وهي فئة عمرية مهمة تشكل قوة مستقبل البلاد، ويمكنها أن تكون الاستثمار الأفضل بالنسبة للمستقبل، من هنا وجب علينا اعتبارهم شريكا أساسيا في بلورة السياسات العمومية من طرف من يمثلهم دستوريا، فهم طرف في المعادلة لابد من مساهمته الفعلية في التنمية الاقتصادية والاجتماعية وفي التغيير المجتمعي نحو الأفضل.
لقد لامس التصريح الحكومي للأستاذ سعد الدين العثماني بعض المجالات التي تهم أطفالنا وشبابنا ، ولكن فقط على مستوى قطاع الشباب والرياضة، من قبيل تحسين الولوج للرياضة (وكأن الشباب لا يحتاج إلا للرياضة رغم أهميتها)، وتفعيل المجلس الاستشاري للشباب والعمل الجمعوي (الذي صرفت عليه الحكومة السابقة حوارات وميزانيات) ومراجعة الإطار التنظيمي الخاص بالخدمات المقدمة في مجال التخييم ودور الشباب ومراكز التكوين المهني النسوي (وهو أمر ليس وليد هذه الحكومة، بل أكدت عليه الحكومات السابقة)، وتأهيل وتطوير البنيات التحتية ل 1000 مؤسسة لدور الشباب ومراكز التكوين والتخييم ومراكز الاستقبال والطفولة، (نقطة كانت لها مكانتها في برامج حكومية سابقة)، واعتماد شراكات مع الجمعيات المختصة (وقد سبق لنا توقيع شراكات قانونية لم تفعلها القطاعات الحكومية). كما أكد على نهج مبدأ التعاقد مع المجتمع المدني الشبابي ( وهو أحد مطالب الحركة الجمعوية التربوية منذ سنوات) والسعي إلى تمكين مليون طفل من الاستفادة من البرنامج الوطني للتخييم وتحسين ظروف الاستقبال بفضاءات التخييم (وهذا ما ننتظره وسنعمل كجمعيات تربوية على متابعة تحقيقه على أرض الواقع).
مع العلم أن الشباب لهم علاقة عضوية بقطاعات حكومية متعددة اجتماعية واقتصادية وثقافية، فما موقعهم من ميزانيات التربية والتعليم والتكوين المهني والثقافة والتنشيط والترفيه … ؟
أعتقد أنه كان على البرنامج الحكومي إظهار هاتين الفئتين: الطفولة والشباب ، بشكل واضح مفكر فيه ومرقم على مستوى مختلف القطاعات الحكومية.
فبلادنا عرفت مشاريع إصلاحية كبيرة همت بالأساس النهوض بحقوق المرأة من خلال مدونة الأسرة، والنهوض بحقوق الطفل من خلال الاعتراف بحقوق هذه الفئة دوليا، وإصلاح منظومة التعليم، بتعميم التمدرس وتحسين المردودية الداخلية للنظام التعليمي من خلال ميثاق وطني للتربية والتكوين، ومحاربة الإقصاء الاجتماعي من خلال المبادرة الوطنية للتنمية البشرية.
غير أننا نلاحظ أن هناك عدم المساواة بين ما تحظى به السياسات المخصصة للأسرة والمدرسة وما تحظى به تحديات إشكاليات الاندماج الاجتماعي للأطفال والعناية بتنشئتهم للتعويض عن حالات عدم المساواة التي لا تزال موجودة في الوصول إلى الحق في الولوج إلى مؤهلات التعلم والتكوين والخدمات التربوية والثقافية والترفيهية، وتوزيع الأدوار بين مكونات المجتمع (الأسرة و المدرسة والمؤسسات الأخرى التي بينها مؤسسة الوقت الحر المنظم والعشوائي، وأهمية تنظيمه ومأسسته) مما يمكن أن نعبر عنه بغياب سياسة الوقت الحر .
ولتعزيز اختيار وسياسات حماية الأطفال وكي تصبح واقعا يوميا ينعكس على وضعهم في التمتع بالحياة الكريمة، و لتكريس حق كل طفل وشاب للوصول إلى المشاركة في جميع جوانب الحياة التربوية التي تساعدهم على تمثل المواطنة والديمقراطية، وللارتقاء بمستوى التعاطي مع أنشطة الوقت الحر باعتماد آليات قانونية تنبني على عقد تربوي محلي يجمع بين القطاعات الحكومية والمجالس المنتخبة والجمعيات التربوية، وذلك من اجل رسم الخريطة التربوية المحلية التي تحدد معالم الرؤية الموحدة للسياسة المحلية في مجال الاعتناء بالأطفال والشباب أثناء الوقت الحر، وخلق الصلة بين مختلف المؤسسات ذات العلاقة بمساعدة الأطفال والشباب.
لذلك ومع أننا نثمن مضامين التصريح الحكومي في محاورها الإيجابية ، فإننا نبقى ، كجمعيات تربوية وطنية ونزيهة، متعطشين إلى المزيد من البرامج والمقترحات ومنتظرين للاستجابة لأكبر عدد من مطالبنا ، التي ليست في الحقيقة مطالب الجمعيات، بل هي مطالب مجتمعنا لفائدة طفولته وشبابه.
الحاجة إلى خريطة تربوية تحدد معالم السياسة المحلية في مجال الاعتناء بالأطفال والشباب
الكاتب : عبد اللطيف البيدوري
بتاريخ : 08/05/2017