الحدث الأكبر كان ولاشك احتضان المغرب لكأس 2030 لأنه طموح ملكين و تطلع شعب

نحتفل جميعا بربع قرن من تربع جلالة الملك محمد السادس العرش، ومع الاحتفال تحضرنا لحظات عميقة وعالية الدلالات في المجال الرياضي. لو طلبنا منكم في البداية ان تحدثونا عن الحدث الاكبر بالنسبة لكم في هذه السنوات الفضية، ما هو الحدث الذي ستختارونه؟

هي عدة أحداث، لكن سأكون متماهيا مع الشارع المغربي إلى حد كبير وانا أختار حدث احتضان المغرب لكأس العالم 2030، على اعتبار أن هذا الحدث يربط طموح ملكين وتطلع شعب واحد منذ سنة 1986. فالرهان لم يكن وليد التسعينيات كما يعتقد الغالبية بناء على ترشيح المغرب لمونديال 1994، بل كان نتاج صورة مشرفة للمغرب في كأس العالم بالمكسيك سنة 1986، واستتبع ذلك رسالة من الراحل الحسن الثاني إلى المناظرة الوطنية للجماعات المحلية بمكناس شهر يونيو من نفس السنة تحث على إطلاق مشاريع بناء وحدات رياضية في مختلف مدن المغرب، قبل أن يطلق وزير الشبيبة والرياضة الراحل عبد اللطيف السملالي مشاورات أفضت إلى التقدم بمقترح التقدم بترشيح المملكة لمونديال 1994 إلى الراحل الحسن الثاني، وتم حينها اختيار مناسبة تنظيم المغرب لكاس إفريقيا شهر مارس 1988 للإعلان رسميا عن حدث تقدم المغرب لاستضافة كاس العالم.
إلى جانب قوة هذا الحدث على المستوى التاريخي، هناك حدث الإعلان عن ترشح المغرب لاستضافة دورة 2030 إلى جانب البرتغال واسبانيا شهر مارس من سنة 2023 برواندا، فقد جاء محملا بعدة إشارات، أولاها أن المغرب كان له شرف الإعلان عن ذلك، ولم يكن ذلك عبر إعلان ثلاثي مشترك، ثانيها أن ذلك جاء في رسالة ملكية تليت أمام 54 ممثلا للاتحادات الإفريقية بحضور رئيس الكاف موتسيبي ورئيس الفيفا إيفانتينو، وثالثها أن المغرب عكس بواقعية إيمانه بالعمق الإفريقي عندما اختار أن تكون كيغالي مكانا للإعلان عن ترشيح المغرب لاستضافة المونديال، علما أنه كان بالإمكان أن تكون مدينة مغربية مكانا للإعلان عن ذلك.
الجانب المثير في هذا الحدث هو أنه مرتبط بتنمية شاملة سيشهدها المغرب، بما أن الأمر يتعلق بدفتر تحملات لا خيار للدولة المغربية في تنزيله، وبالتالي سنكون أمام رهان رياضي سيحقق تنمية اقتصادية واجتماعية عجزت عنها أغلب الحكومات المتعاقبة على تدبير الشأن العام.

نفس الشيء عن الصورة التي طبعت ذهنكم ومخيلتكم والتي ترون فيها صورة المرحلة برمتها في مجال العلاقة بين العهد الجديد والمجال الرياضي؟

هما صورتان، بينهما فاصل زمني يصل إلى 18 سنة، الأولى شهر فبراير من سنة 2004 عندما استقبل الملك محمد السادس المنتخب المغربي بأكادير عقب بلوغه نهائي كأس إفريقيا بتونس لأول مرة منذ 1976، وحينها كانت الصورة مفعمة بالدلالات أبرزها على الإطلاق حضور ولي العهد في حضن والده محاطا بصانعي الإنجاز، إلى جانب تثبيت المؤسسة الملكية كراعية للرياضة المغربية كما كان الأمر مع الراحلين محمد الخامس والحسن الثاني.
الصورة الثانية تعود لشهر دجنبر 2022، عندما استضاف الملك محمد السادس وفد المنتخب المغربي الذي بلغ نصف نهائي كاس العالم بالقصر الملكي بالرباط، وهذه المرة كان الحدث بأبعاد وطنية عميقة، فهي لحظة اعتراف بمجهودات شباب مغربي رفع إسم المغرب ليصبح مثار حديث مختلف وسائل الإعلام في العالم، وأيضا لحظة تثبيت لمشاهد الوحدة الوطنية دفعت الملك إلى مشاركة شعبه هذا الحدث في شوارع الرباط على نحو يؤكد أن الرياضة هي واحدة من الوسائل التي تحيي حب الوطن وتجدد الترابط بين الملك وشعبه.

أنتم من المطلعين الجيدين على حالة الرياضة الوطنية في الربع الأخير من القرن المغربي الحديث، ما هي أهم المحطات التي أحدثت تحولا في تاريخ الرياضة خلال المدة نفسها؟

تظل المحطة الأبرز هي المناظرة الوطنية للرياضة شهر أكتوبر سنة 2008، وهي الثانية في تاريخ المغرب بعد تلك التي نظمها المغرب شهر مارس 1965 وشهدت كلمة مرتجلة للراحل الحسن الثاني. خلال مناظرة 2008، كانت الرسالة الملكية الحدث الأبرز على اعتبار أنها خرجت عن المألوف في باقي المناظرات، ووجهت تقريعا للمسؤولين عن التراخي في إصلاح المنظومة الرياضية، قبل أن تقدم خمسة محاور أساسية شكلت مخطط عمل الجهاز الحكومي. صحيح أن أشغال المناظرة شهدت أوراشا كبرى تناظر خلالها مختلف المتدخلين في المجال الرياضي بالمغرب، لكن لا يجب أن ننسى أن مناظرات جهوية نظمت خلال السنة ذاتها بست مدن كانت فرصة للاستماع إلى وجهات نظر رياضيين ومسؤولين ومهتمين في مختلف ربوع المغرب لتشكيل تصور غير مركزي عن واقع الرياضة بالمغرب وأيضا تجميع الاقتراحات والتطلعات.
وبطبيعة الحال تظل محطة استضافة كأس العالم واحدة من النقاط البارزة على اعتبار أنها عنوان عريض على الإصرار المغربي، فبعد محاولتين في عهد الملك الراحل الحسن الثاني سنتي 1994 و1998، أصر الملك محمد السادس على الاستمرار في السعي وراء مشروع استضافة المونديال خلال دورات 2006 و2010 و2026، قبل أن يتحقق الحلم في دورة 2030، ففي كل مرة يخفق المغرب كان الديوان الملكي يصدر بيانا يعلن فيه ترشح المغرب للنسخة الموالية، أي أن المغرب ظل مصرا على تحقيق مشروعه طيلة 37 سنة وانتظر 10 نسخ من كاس العالم ليحقق حلم أمة.

وما هي مناطق القصور أيضا ، في متابعة الايقاع الدي اراده ملك البلاد للرقي بالرياضة الوطنية اذا ما استحضرنا الرسالة الشهيرة لملك البلاد حول الرياضة في 2008 ؟

لا يمكن التغاضي عن أن للمغرب أولويات قد تجعل الرياضة خارج سلم اهتماماته الأولى، لكن الإشارات الواردة في الرسالة الملكية الموجة لمناظرة 2008، إلى جانب دسترة الحق في الرياضة ضمن الوثيقة الدستورية لفاتح يوليوز 2011 تجعلنا نقتنع بأن المؤسسة الملكية ترغب في قطاع رياضي يلبي حاجيات الشباب التواق للممارسة من جهة، ومن جهة ثانية تصدير صورة عن مغرب معافى داخليا، فالرياضة كانت دائما عنوان الاستقرار والرقي. الإشكال الحقيقي في نظري يكمن في عملية تنزيل سياسة رياضية وفق التصور الذي حملته الرسالة الملكية، ذلك أن استراتيجية 2008-2020 التي أشرفت عليها الوزيرة نوال المتوكل ومن بعدها منصف بلخياط غلب عليها الجانب الإنشائي، زد على ذلك عدم التزام الوزراء المتعاقبين بتنزيلها وتحيينها وتقويمها، خصوصا أن تسعة وزراء مروا على تدبير القطاع في ظرف 13 سنة، ما خلق اهتزازات مستمرة في تدبير قطاع الرياضة. بل إن مراجعتنا للتصريحات الحكومية تضعنا أمام حضور باهت للرياضة، إذ يظهر كما لو أن إدراجها هو لتفادي غيابها ليس إلا. وبما أن العناصر المفرملة متعددة، أختم بنقطة الحكامة داخل المؤسسات الرياضية، إذ إلى غاية الآن مازال هناك تسيب على مستوى بعض الجامعات وغياب دور فاعل للجنة الأولمبية، إلى جانب غياب تقييم من لدن الوزارة المختصة للسياسة المعتمدة طيلة 12 سنة من خلال الإعلان عن نتائج هذه السياسة، وأيضا الإعلان مضمون السياسة المقبلة.

يعرف المغرب انطلاقة نحو آفاق دولية وقارية غير مسبوقة في تاريخه وتاريخ العرب والافارقة حتى، كيف ترون هاته المتوالية من الاحداث الدالة، وما هي عناصر القوة التي سمحت للمغرب بذلك؟

هنا يتوجب التمييز بين الإنجاز الرياضي والإنجاز الكروي، ويمتد الأمر حد القول إن المغرب لا يتوفر على سياسة رياضية بقدر ما هي سياسة كروية، بمعنى أن الإنجاز الرياضي حاليا لا يتجاوز حدود كرة القدم في السنوات الأخيرة إذا ما أخدنا الأمر من حيث أداء كل جامعة وكل نوع رياضي، باستثناء ما يوقع عليه عداء أو إثنين في ألعاب القوى، وبعض الطفرات من بعض جامعات الرياضات الحربية. بمعنى أن كرة القدم على مستوى المنتخبات على الخصوص هي بمثابة غابة تحجب عنا ضعف باقي الرياضات الأخرى، بل إن الأمر يمتد إلى حد أن نتائج المنتخبات تحجب عنا مشاكل البطولة المغربية الاحترافية لكرة القدم. ما سبق لا يمنع من القول إن كرة القدم بالمغرب قدمت نموذجا فريدا لما يمكن أن تسير عليه باقي الجامعات، فمنذ صعود علي الفاسي الفهري سنة 2009 ومن بعده فوزي لقجع سنة 2014 كانت القناعة الواضحة هي تنزيل نقطة الاحتراف والتميز التي جاءت في الرسالة الملكية لسنة 2008، وبالتالي أصبحنا أمام متوالية من الإنجازات تراوحت ما بين تدعيم البنية التحتية للأندية وتنزيل دفاتر تحملاتها ودعم مادي سنوي وتثمين دور أكاديمية محمد السادس، وبين تسجيل حضور قوي دوليا أولا من خلال منتخبات سجلت حضورها المتوالي في المنافسات القارية والعالمية على مستوى مختلف الأنواع الرياضية والفئات العمرية، وثانيا من خلال استضافة أحداث كروية بالمغرب من قبيل كأس العالم للأندية.

تعتبر الرياضة من مؤشرات ودلائل تغيير الشعوب لنظرتها الى نفسها، كيف غيرت الرياضة بكل انواعها من نظرة الشعب المغربي الى نفسه؟

في اعتقادي أن الرياضة ساهمت في تمتين روابط مغاربة الداخل مع أفراد الجالية المغربية بغض النظر عن الجيل الذي تنتمي إليه، إذ أصبح المنتخب المغربي لكرة القدم مثلا نموذجا للاندماج ولدور المواطن داخل وخارج المغرب في بناء صورة الوطن. عندما كان المغرب يسجل تألقا لافتا بمونديال قطر، كانت الجاليات في مختلف بقاع العالم تهتف بحرارة مثلها مثل مواطني الداخل حاملة الرايات المغربية وهاتفة بشعارات وطنية. كرة القدم بالنظر إلى سحرها المتفرد ساهمت في تقوية الوحدة الوطنية، ذلك أنها هي الوحيدة التي تخرج المغاربة بدون دعوة من أحد للاحتفال بشكل جماعي في تجمعات لا تحتاج لترخيص قبلي من السلطة. كرة القدم خلقت اعتزازا بالانتماء للوطن، وهي أشياء صعب تحققها بسهولة.

منصف اليازغي
خبير رياضي


بتاريخ : 29/07/2024