رغم تسجيل الاقتصاد الوطني نموا بلغ 5,5 في المائة خلال الفصل الثاني من سنة 2025، إلا أن هذا التحسن يجد ما يعاكسه في الطفرة الكبيرة للواردات التي ارتفعت بنسبة 15,7 في المائة مقابل نمو محدود للصادرات لم يتجاوز 8,5 في المائة. ووفق معطيات الحسابات الوطنية الصادرة عن المندوبية السامية للتخطيط، فقد انعكس هذا التفاوت في مساهمة سلبية للمبادلات الخارجية بلغت ناقص 4,4 نقاط، وهو ما يضع علامات استفهام حول قدرة النمو الحالي على ترجمة المكاسب الداخلية إلى توازنات مالية وخارجية صلبة، ويكشف عن هشاشة القاعدة الاقتصادية أمام تقلبات الأسواق الدولية.
المندوبية أوضحت أن القيمة المضافة للأنشطة غير الفلاحية ارتفعت بنسبة 5,5 في المائة، فيما سجل القطاع الثانوي نموا لافتا بلغ 7,4 في المائة، مدفوعا بالصناعة التحويلية (+6,9 في المائة) والبناء (+6,7 في المائة) وأنشطة الكهرباء والماء (+8,9 في المائة). أما القطاع الثالثي فقد حافظ على ديناميته بزيادة 4,8 في المائة، مدعوما بانتعاش قوي للفنادق والمطاعم بلغ 10,5 في المائة. حتى القطاع الفلاحي الذي كان يعيش على وقع تقلبات متكررة، تمكن من تسجيل تحسن نسبي بلغ 4,7 في المائة.
لكن مقابل هذه المؤشرات الإيجابية، برزت تباطؤات لافتة في قطاعات حيوية، إذ تراجع نمو أنشطة النقل والتخزين من 7,9 إلى 4,3 في المائة، كما تباطأت وتيرة أنشطة التعليم والصحة والعمل الاجتماعي من 6,4 إلى 5,7 في المائة. هذه الأرقام تؤكد أن النمو، وإن اتسع قطاعيا، لا ينعكس بشكل متوازن على الأنشطة ذات الأثر الاجتماعي المباشر.
أما على مستوى الطلب الداخلي، فقد ارتفع بنسبة 9,2 في المائة مقابل 6,6 في المائة سنة من قبل، ليساهم بما يعادل 9,9 نقاط في النمو الإجمالي. المندوبية أشارت إلى أن تكوين رأس المال الإجمالي قفز بـ18,9 في المائة ليصل إلى 32,5 في المائة من الناتج الداخلي، فيما استقر الادخار الوطني عند 29,3 في المائة. هذا التباين أدى إلى رفع الحاجة إلى تمويل الاقتصاد من 1,6 في المائة إلى 3,2 في المائة من الناتج، وهو مؤشر يعكس هشاشة القاعدة التمويلية للنمو واعتمادها على موارد خارجية متقلبة.
وتجدر الإشارة إلى أن تفاقم هذه الحاجة إلى التمويل لا يبقى مجرد رقم محاسباتي معزول، بل يترجم في الواقع عبر ارتفاع مديونية الدولة والمؤسسات العمومية. فحسب معطيات وزارة المالية، بلغ الدين العمومي الإجمالي أزيد من 1080 مليار درهم عند متم سنة 2024، أي ما يعادل نحو 87 في المائة من الناتج الداخلي الخام. ومع استمرار توسع الاستثمارات وضعف الادخار الوطني، يصبح الدين العمومي أداة أساسية لسد الفجوة، ما يضاعف من هشاشة التوازنات الماكرو اقتصادية ويجعل الاستدامة رهينة بشروط التمويل الخارجي وتقلبات الأسواق الدولية.
المثير أيضا أن صافي مداخيل المغرب من الخارج سجل تراجعا بـ0,9 في المائة، بعدما كان قد حقق زيادة بـ5,6 في المائة السنة الماضية. الوضعية تكشف أن مصادر تمويل الاقتصاد لم تعد قادرة على موازنة العجز التجاري المتنامي، مما يعمق المخاطر المرتبطة بالانكشاف الخارجي.
وعلى الرغم من أن التضخم تباطأ إلى 2,3 في المائة بعد أن بلغ 3,9 في المائة السنة الماضية، إلا أن هذا الانخفاض لا يكفي لإخفاء هشاشة المسار، خاصة وأن استمرار قوة الطلب الداخلي أمام محدودية نمو الصادرات قد يعيد الضغوط التضخمية في أي لحظة.
هذه المؤشرات، مجتمعة، توضح أن النمو الحالي يظل رهينا بالطلب الداخلي والقطاعات غير القابلة للتصدير، في حين تبقى نقاط الضعف الأساسية متمثلة في العجز التجاري المتنامي وتفاقم الدين العمومي. وهو ما يجعل الحسابات الوطنية، رغم إشارتها إلى تحسن مؤقت، تكشف عن توازنات هشة تحتاج إلى إصلاحات هيكلية أعمق لتأمين استدامة النمو على المدى المتوسط.
الحسابات الوطنية: طفرة الواردات تلتهم مكاسب النمو وتفاقم حاجة الاقتصاد للتمويل

الكاتب : عماد عادل
بتاريخ : 02/10/2025