الحسين الراجي، عضو مجلس هيئة المحامين بمراكش ل « الاتحاد الاشتراكي»

التشاركية أقوى ما يوحد مكونات العدالة

 

أية قضايا توحد اليوم فرقاء العدالة وتلك التي تبعد بينهم؟

n في نظري يصعب الحديث عن فرقاء داخل جسم العدالة، ولا أحبذ وصف المتدخلين في عملية انتاج العدالة ب «الفرقاء» لأن لهذا الوصف دلالات تحيل على المنافسة والصراع، وهو خلاف ما يطبع علاقات مختلف مكونات أسرة العدالة من تكامل وتعاون.
ولعل هذا الإحساس بالتشاركية هو أول وأقوى ما يوحد مكونات العدالة، وهو في نفس الوقت المدخل الأساسي الذي من شأنه إلغاء كل العوامل التي قد تبدو للبعض عناصر تفرقة.
لذلك أعتقد أن ما يوحد أطراف العدالة ويجمع بينها أقوى بكثير من أية عوامل قد تعيق العمل الوحدوي لهذه الأطراف، وإن كانت هناك من خلافات بين مكونات العدالة، فهي من قبيل الخلافات التي لا تفسد للود قضية، بحكم أنها تصورات وأراء من مواقع مختلفة ولكنها مجتمعة ضرورية لتجويد منتوج العدالة ليس إلا.

هل ترى الحاجة اليوم قائمة للعقوبات البديلة؟ وهل ترى كل الأطراف مستعدة لتنزيلها؟

n العقوبات البديلة هي ثقافة ضمن مكونات السياسات الجنائية للدول، وهي تعبير عن نضج مجتمعي وصل لدرجة مكنته من إعادة النظر في مفهوم الجريمة، وبالتبعية إنتاج تصور جديد لفلسفة العقوبة، التي لم تعد انتقاما جماعيا أو مجتمعيا من «المجرم» بقدر ما أصبحت مكونا من مكونات السياسات العمومية للدولة في إطار تحقيق الأمن القضائي والاجتماعي عبر آليات تشريعية جديدة تشكل قطيعة مع المنطق التقليدي للعقوبة بمختلف تمظهراتها الكلاسيكية.
والقول بأن الحاجة قائمة اليوم في المغرب لإقرار العقوبات البديلة والعمل بها، هو قول رهين بالجواب على سؤال أساسي هو: هل وصل المجتمع المغربي فعلا لمستوى من النضج الفكري والثقافي والسياسي للعمل بالآليات التشريعية التي تتيحها العقوبات البديلة؟
أعتقد بأن الطبيعة المركبة لمجتمعاتنا «المشرقية»، والمغرب لا يزال منها، لم ينتج بعد وبالقدر الكافي الشروط الموضوعية لإقرار هذا الفكر الجديد في مفهوم العقوبة، وحينما أتحدث عن «الطبيعة المركبة لمجتمعنا» فأقصد ذلك التنوع المتناقض في البنية الفكرية لهذا المجتمع الذي يتشبث بالجمع بين الأصالة والحداثة، بين الفكر الأصولي والفكر الحداثي… هذه البنية المتناقضة، تنعكس بالنتيجة على البنية التشريعية باعتبار القانون، أو بتعبير دقيق التشريع إنما هو مكون ضمن مكونات الفكر والثقافة السائدين في المجتمع.
لذلك فإن الأمر في المحصلة يقتضي منا أساسا الحسم في نموذج المشروع المجتمعي الذي ننشد تحقيقه، وعندما نحسم في هذا الخيار، أنداك فقط يمكننا تجاوز واقع «الأطراف» المتصارعة حول تنزيل نموذجين مجتمعيين لا يمكن أن يتعايشا في جلباب واحد، وعدم الحسم في هذا الاختيار، سيعطل كل الجهود التي تبدل في بلدنا الحبيب نحو تجويد مختلف الخدمات التي تقدمها الدولة للمواطن، وتؤجل سعادة أجيال لأزمنة لاحقة.

هل ترى أن تعديل مدونة الأسرة أصبح مطلبا مجتمعيا؟ وما حدود ذلك التعديل؟

n تعديل مدونة الأسرة كان مطلبا مجتمعيا منذ سنة 2004 تاريخ دخولها حيز التنفيذ، وليس الآن فقط، على اعتبار أن النقاش الذي رافق الانتقال من قانون الأحوال الشخصية لمدونة الأسرة، أرادت له بعض الجهات أن يكون نقاشا سياسيا (أو حزبيا بتعبير أدق)، بدل أن يستمر كنقاش حقوقي، يساير التطور الموضوعي لثقافة المجتمع المغربي التي طوت صفحة الماضي بمنطق الانتقال الديمقراطي دون أن تعي بأن قضايا الأسرة والمساواة هما في عمق هذا التحول.
اليوم ينبغي أن يعلم الجميع بأن قضايا الأسرة هي سر أي نجاح لأي نموذج مجتمعي نرغب فيه، مما يجعل تحديد سقف التعديلات المنشودة بشأن مقتضيات مدونة الأسرة أمرا رهينا بدوره بذلك المشروع المجتمعي الذي نرغب فيه، والذي يجسده الخطاب الملكي بمناسبة عيد العرش الأخير، والذي خصص الجزء الأكبر والأهم منه للحديث عن المدونة وعن قضايا الأسرة، مع أن الخطاب لم يكن بمناسبة اليوم العالمي ولا الوطني للمرأة، وإنما بمناسبة عيد الجلوس، الأمر الذي يؤكد على أن قضايا الأسرة ومدونتها هما في صلب الاهتمامات والتوجهات الكبرى والمصيرية للدولة المغربية، وهي الرسالة التي ينبغي الجهات المالكة للقرار التشريعي التقاطها وتنزيلها بشكل شامل وآني.

كلمة أخيرة:

n لا شك أن المغرب قطع أشواطا كبيرة في مجال التمهيد لبناء مجتمع نموذجي يساير اختياراته الدستورية، ويتناغم واختياراته منذ بداية العهد الجديد، في إحداث مصالحات، بما فيها المصالحة مع المواثيق الدولية، التي تشكل التزاما ينبغي أن يؤطر كل التوجهات التشريعية المقبلة، ويؤطر كذلك العمل القضائي في تطبيقه للنصوص التشريعية التطبيق الجيد.


الكاتب : حاوره : مصطفى الإدريسي

  

بتاريخ : 13/05/2023