على الرغم من التراجع المستمر لأسعار النفط في السوق الدولي، وهبوطها عن المستوى الذي كانت عليه قبل اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، فإن أسعار الوقود بالمغرب مازالت تنهك القدرة الشرائية للمواطنين، حيث تأبى شركات توزيع المحروقات التي تحتكر السوق الوطني منذ 2016، خفض أسعارها تحت عتبة 15 درهما للتر الواحد من الغازوال و13 درهما للبنزين. وقد أجج هذا الوضع غير الطبيعي موجة غضب عارمة في صفوف المواطنين الذين اكتوت جيوبهم بلهيب الأسعار.
وبينما تواصل شركات المحروقات في المغرب الإبقاء على أسعارها التي حطمت أرقاما قياسية، تشهد الأسواق الدولية منذ عدة أسابيع تراجعا حادا حيث انهارت أسعار النفط خلال تعاملات أمس الاثنين ليتراجع سعر العقود الآجلة لخام برنت القياسي -تسليم شهر نونبر- بنسبة 0.48%، مسجلًا 85.74 دولارًا للبرميل. وفي نفس الاتجاه انخفض سعر العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط -تسليم نونبر بنسبة 0.42%، إلى 78.41 دولارا للبرميل، وفق البيانات التي سجلتها جريدتنا في منتصف يومه الاثنين.
وتراجعت أسعار النفط الخام، خلال تعاملات اليوم الإثنين 26 شتنبر (2022)، لليوم الثاني بفعل مخاوف من تراجع الطلب على الوقود. يأتي ذلك وسط توقعات بركود عالمي ناجم عن ارتفاع أسعار الفائدة في أنحاء العالم وفي ظل ارتفاع الدولار الذي يحد من قدرة المستهلكين بعملات غير الدولار على شراء الخام.
في المقابل فإن منحنيات أسعار المحروقات في المغرب لا تعرف منذ عدة أشهر إلا منحنى واحدا في اتجاه تصاعدي حيث انتقل سعر الغازوال منذ نهاية العام الماضي من 10 دراهم إلى 15 درهما حاليا فيما قفز سعر البنزين من 11 درهما إلى قرابة 14 درهما في الوقت الحالي، وعلى الرغم من انخفاض سعر النفط على المستوى العالمي، في مناسبات كثيرة، إلا أن أسعار المحروقات مازالت مشتعلة في المغرب، وهو ما يجعل الرأي العام يتساءل حول الأسباب التي تجعل الأسعار في محطات الوقود بالمغرب لا تتأثر بمنحنيات الأسعار الدولية بشكل مباشر.
ويذكر أن الأسعار المعتمدة في محطات الوقود بالمغرب لا تعكس بالضرورة تقلبات الأسعار في الأسواق الدولية، نظرا لمجموعة من العوامل أولها أن هناك فرقا كبيرا بين سعر النفط الخام في السوق الدولي وسعر المواد النفطية المكررة والتي تكون في الغالب أغلى من سعر الخام، ذلك لأن أسعار التكرير ارتفعت كثيرا خلال الشهور الأخيرة حيث انتقلت من 4 دولارات للبرميل إلى ما يزيد عن 25 دولارا للبرميل، وقد استفحلت هذه الزيادة بفعل الحرب الدائرة رحاها في أوكرانيا وما خلفته من ارتفاع الطلب على تخزين المواد النفطية المكررة، والتي أصبحت تخضع للمضاربة.
وبينما أنهكت الزيادات المتوالية لأسعار المحروقات القدرة الشرائية للمغاربة، تواصل الحكومة جني مبالغ ضخمة تدخل الخزينة على شكل ضرائب ورسوم تكاد تشكل نصف ثمن الغازوال والبنزين اللذين حطمت أسعارهما كل التوقعات.
فقد أكدت آخر البيانات الرسمية الصادرة عن الخزينة العامة، أن المبالغ التي حصلتها مديرية الضرائب كرسم داخلي مفروض على استهلاك المواد الطاقية (تشكل المحروقات عمودها الفقري) بلغت إلى حدود 30 غشت 2022 نحو 10.8 ملايير درهم .من جهة أخرى ساهمت فورة الأسعار التي شهدتها المواد البترولية في رفع مداخيل الخزينة من الضريبة على القيمة المضافة المفروضة على واردات المواد الطاقية بمعدل 98.4 % أي بزيادة إضافية تناهز 4.3 مليار درهم، وهو ما جعل مداخيل TVA الواردات تقفز خلال الشهر الماضي إلى 36.5 درهم بدل 27.3 مليار درهم التي سجلتها هذه الضريبة خلال نفس الفترة من العام الفارط.