الحكومة متأخرة في تنزيل النداء الملكي لـ «تطوير أسطول بحري تجاري وطني قوي وتنافسي»

أكثر من خمسة عشر شهرا مرت منذ الخطاب السامي الذي شدد فيه جلالة الملك على ضرورة تسهيل الربط بين مختلف مكونات الساحل الأطلسي وتعزيز وسائل النقل ومحطات اللوجستيك، بما في ذلك «تطوير أسطول بحري تجاري وطني قوي وتنافسي». غير أن الحكومة لا تزال تتلكأ في تنفيذ الاستراتيجية الوطنية لإصلاح قطاع النقل البحري، في وقت يؤمن فيه هذا القطاع 97% من مبادلات المغرب التجارية، خصوصا مع الاتحاد الأوروبي الذي يعد شريكه الاقتصادي الأول.
لقد كان للمغرب في أواخر الثمانينيات أسطول بحري تجاري مزدهر يضم أكثر من 70 سفينة، مما عزز مكانته كدولة بحرية رائدة في المنطقة. إلا أن العقود التالية شهدت تراجعا كبيرا لهذا الأسطول حتى تقلص إلى 16 سفينة فقط، موزعة على ست سفن لنقل الحاويات، وأربع لنقل المواد النفطية، وعدد قليل مخصص لنقل الركاب عبر مضيق جبل طارق. هذا التراجع يعود بالأساس إلى تصفية شركات بحرية وطنية مثل «ليماديت» و»كوماناف» بسبب التحديات المالية وتراكم الديون، ما أدى إلى تقلص عدد الشركات العاملة في هذا المجال إلى عشر شركات فقط ، مع اعتماد شبه كامل على السفن الأجنبية التي تستحوذ على أكثر من 95% من المبادلات التجارية البحرية للمغرب.
في ظل هذه التحديات، أعلن المغرب عن استراتيجية وطنية طموحة لإعادة تأهيل الأسطول البحري التجاري بحلول عام 2040، بهدف تقليل الاعتماد على النقل البحري الأجنبي وتعزيز القدرة التنافسية للمملكة. وتتضمن هذه الاستراتيجية إنشاء أسطول وطني يضم نحو 100 سفينة، مملوكة لشركات مغربية من القطاعين العام والخاص، مع العمل على تطوير صناعة محلية لبناء وصيانة السفن لتعزيز الكفاءة اللوجستية والاقتصادية للمغرب.
لكن رغم الطموحات الكبيرة لهذه الاستراتيجية، فإن تنفيذها الفعلي لا يزال يواجه تأخيرات مقلقة، مما قد يعرقل تحقيق الأهداف المرجوة. فاستمرار الاعتماد على السفن الأجنبية يزيد من تكاليف الشحن ويجعل الاقتصاد المغربي أكثر عرضة للتقلبات الدولية. كما أن غياب أسطول وطني قوي يحد من فرص خلق مناصب الشغل في قطاعي النقل البحري وصناعة السفن، ويقلل من قدرة المغرب على التحكم في سلاسل التوريد الخاصة به.
التجارب الدولية تثبت أن الاستثمار في أسطول بحري وطني يمكن أن يكون مفتاحا لتعزيز النمو الاقتصادي. على سبيل المثال، حقق ميناء برشلونة في عام 2024 إيرادات بلغت 200 مليون أورو ، بزيادة 6% عن العام السابق، وذلك بفضل ارتفاع حركة البضائع والسفن الاسبانية. هذا النمو أتاح استثمارات جديدة بقيمة 332.5 مليون أورو في عام 2025، مما عزز من مكانته التنافسية في المنطقة.
من ناحية أخرى، يشير تقرير لصندوق النقد الدولي إلى أن المغرب بحاجة إلى تنفيذ إصلاحات اقتصادية عميقة تشمل تعزيز قطاع النقل البحري لتحقيق نمو اقتصادي مستدام والحد من تفاقم الدين العام، الذي بلغ 69.47% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2023. فهذه الإصلاحات ضرورية لضمان تنافسية الاقتصاد المغربي وتقليل تبعيته للعوامل الخارجية.
بالإضافة إلى ذلك، فإن التأخر في تنفيذ هذه الاستراتيجية قد يؤدي إلى تفويت فرص اقتصادية واستراتيجية مهمة، لا سيما مع الجهود التي تبذلها إسبانيا لتطوير خطوط بحرية خضراء مع المغرب، باستثمارات تصل إلى 160 مليون أورو. تشمل هذه المشاريع بناء سفن كهربائية حديثة تهدف إلى تعزيز التعاون التجاري بين البلدين وتحقيق التنمية المستدامة. كما أن تطوير أسطول بحري وطني قوي يمكن أن يعزز موقع المغرب كمركز لوجستي إقليمي، خاصة في ظل مشاريع استراتيجية مثل ميناء طنجة المتوسط، الذي بات اليوم نقطة محورية في التجارة العالمية. فقد ساهمت الاستثمارات الضخمة في هذا الميناء في تحويل مدينة طنجة إلى قطب اقتصادي حيوي، وجذب استثمارات كبرى في مجالات متعددة، بما في ذلك النسيج والطاقة المتجددة.


الكاتب : عماد عادل

  

بتاريخ : 20/02/2025