ولحديث الوطنية في النفس وعليها وقع خاص .الساعة الثامنة والنصف ، ليلة السادس من نونبر 2018 ، في الانتظار خطاب ملكي لتخليد الذكرى الثالثة والأربعين. الحدث ليس بالهين على الإطلاق ، هو حدث المسيرة الخضراء .
مغرب 2018 يختلف عن مغرب 1975 اختلافات الكون كلها .وحده شيء أساسي مازال ثابتا في النبض ، في العرق ، في الفؤاد : حب الوطن .
في كل مكان من هذا البلد الأمين ، يرن ” نداء الحسن ” قبل الخطاب بنفس النغمة المحببة إلى الاذان اليوم ، يتساءل البعض عن سر بقائها . يأتي الجواب بالإجماع ” لأن فيها حنينا للصراخ بحب البلاد ”
نعيش فيها وتحيانا ، نرى مشاكلها اليومية ، نقسو عليها أحيانا ، ونتبرم ونمل ونقول كاذبين ، ” لو وجدنا التأشيرات لعبرنا إلى أي مكان آخر وهربنا ” ، ثم حين الهروب حقا منها تهجم علينا كلها ، وتسكن فينا كل المسام .تدمع منا الأعين كلما ذكر اسم المغرب أمامنا ، ونتمنى فقط لحظة العبور ، لكي نعود إليها ونطلب الكثير من الاستغفار ، إننا لم نعطها حقها ، وإننا لم نعرف قيمتها، وإننا ساهمنا مع المساهمين في سبها ، في النيل منها ، في انتقادها في المليئة والفارغة .
لنا النماذج أمامنا ، ترى ، تتابع ، تتوالى ، كلها تقول لنا الشيء الواحد ذاته : مثل هذا البلد لن نجد أبدا ، ومثل هذه القدرة على الحب لهذا الوطن ، لن نلفي وإن بحثنا في كل مكان .
فقط علينا أن نجد الفوارق السبعة بين حب الوطن لوجه الوطن ، وبين حبه لأنه يعطينا أو كرهه لأنه نسي أن يعطينا بعض الفتات .
قالها الكبير يوما في العبارة التي يحفظها الجميع ” لا تسألوا أنفسكم ماذا أعطانا وطننا بل اسألوا أنفسكم ماذا أعطيتم لهذا الوطن ”
لذلك يبدو الرهان اليوم واضحا للغاية ، غير قادر على مداراة نفسه : هذا البلد محتاج للقادرين على الدفاع عنه ، المستعدين لبنائه وتنميته والصعود به ، المفتخرين بالانتساب إليه ، المصارحين بحقائقه كلها صعبها وسهلها ، حلوها ومرها ، لكن المنتمين له لا إلى أي مكان آخر .
وطني أو خائن ولا توجد مرتبة وسطى بين الخيانة والوطنية.
والمغرب في الليل من نونبر 2018 ، ينفض عنه يوما بأكمله ويستعد لعناق ليلة جديدة ، كان ” نداء الحسن ” يؤكد كلماته بعد مرور ثلاث وأربعين سنة ، ويحورها قليلا لكي يصبح نداء الملك وشعبه في سنة الناس هاته البعيدة تماما عن السبعينيات المقتربة أكثر مما يفتحه المستقبل من رهانات كبرى لهاته الأرض ، ولأهل هاته الأرض .
المسيرة الخضراء ليست مجرد ذكرى وطنية نحتفل بها والسلام . هي درس مغربي متواصل على امتداد الأزمنة والأمكنة، يجدد نفسه دوما وابدا، ويمنح إمكانية الاستفادة منه لمن كان ذا عقل سليم .
خطاب للتاريخ
كان خطابا تاريخيا بكل المقاييس، استوعب اللحظة الإقليمية والقارية التي نمر منها ، وتحمل فيه جلالة الملك مسؤوليته بشكل كبير وشجاع ، والكرة الآن في الملعب الجزائري ، عساها هذه المرة لا تخيب ، عساها هذه المرة تصيب ، وعساها هذه المرة تأتينا بخبر طيب عن علاقة غير سوية بين شقيقين يفترض ألا يسيء أحدهما للآخر مهما حدث ومهما وقع ومهما كان …
هي ليست أول مرة يمد فيها المغرب إلى الجزائر يد الصداقة من موقع القوة لا من موقع الضعف ، لكن ، هذه المرة ، كانت الدعوة أكثر صراحة وأكثر وضوحا وجرأة : تستوعب التطورات الإقليمية والعالمية ، تضع نصب عينيها عدم إمكانية استمرار هذا الوضع إلى ما لا نهاية ، وتفهم أن الوقت قد أزف ، وأن الزمن قد حان لإصلاح ما يمكن إصلاحه في هاته العلاقة التي لا تفيد أيا من البلدين ، والتي يستفيد منها فقط الداخلون بين المغرب والجزائر بكثير من الفضول …
القطع مع الريع
اختار جلالة الملك التذكير بالوضوح التام في التعامل مع تجار القضية ، مذكرا بقرار القطع مع الريع والابتزاز والمتاجرة بالقضية . جاء في الخطاب الملكي بمناسبة الذكرى التاسعة والثلاثين لانطلاق المسيرة الخضراء ” …من يريدون وضع الوطن في خدمة مصالحهم ، هؤلاء الذين جعلوا من الابتزاز مذهبا راسخا ، ومن الريع والامتيازات حقا ثابتا ، ومن المتاجرة بالقضية الوطنية ، مطية لتحقيق مصالح ذاتية . كما نعرف أن هناك من يضعون رجلا في الوطن إذا استفادوا من خيراته ، ورجلا مع أعدائه اذا لم يستفيدوا .”
في المقابل، سيواصل المغرب الاستثمار في الإنسان داخل الصحراء عبر مسار تنموي، انطلق ليتواصل عبر تمكين الساكنة من تدبير جهوي فعال ، يساهم في انبثاق نخب مؤهلة للتدبير الذاتي، لتحقيق تنمية مندمجة في فضاء من الحرية والاستقرار .
يقول صاحب الجلالة :” أما على المستوى الداخلي ، فإننا نواصل العمل من أجل وضع حد لسياسة الريع والامتيازات ، ونرفض كل أشكال الابتزاز او الاتجار بقضية الوحدة الترابية للمملكة .
كما لا ندخر أي جهد في سبيل النهوض بأقاليمنا الجنوبية ، في إطار النموذج التنموي الجديد ، حتى تستعيد الصحراء المغربية دورها التاريخي ، كصلة وصل رائدة بين المغرب وعمقه الجغرافي والتاريخي الافريقي .
وبموازاة ذلك ، فإن تنزيل الجهوية المتقدمة يساهم في انبثاق نخبة سياسية حقيقية تمثل ديمقراطيا وفعليا ، سكان الصحراء ، وتمكنهم من حقهم في التدبير الذاتي لشؤونهم المحلية ، وتحقيق التنمية المندمجة ، في مناخ من الحرية والاستقرار .”