الدكتور محسن بنيشو، اختصاصي في الطب النفسي والاضطرابات الجنسية

عشت طفولة صعبة والعلم كان رفيقي لتحقيق طموحي

 

من هو الدكتور محسن بنيشو؟

أنا من مواليد 06 ماي 1959 بفاس، وتحديدا بدرب لقواس بالمدينة القديمة، من أسرة فقيرة، توفي والدي رحمه الله بسبب حادثة سير وأنا في سن السابعة، فوجدت أمي نفسها، وهي ربّة بيت، تبلغ من العمر 26 سنة، تعيل 4 أبناء، 3 ذكور وأنثى هي أكبرنا، وفضلت رحمة الله عليها، أن تخصص وقتها الكامل لفلذات كبدها ونذرت عمرها لنا عوض اختيار أمر آخر، هكذا انتقلنا للعيش مع جدتي، وكان لخالي دور مهم في تربيتنا، وهو الذي كان معلما، أخذا بعين الاعتبار أن أسرة والدتي ولقبها بنزاكور، كانت معروفة بالعلم.
درست مرحلة الابتدائي إلى غاية الثانوي بفاس حيث حصلت على شهادة الباكلوريا في علوم الحياة والأرض، هذه السنة التي اشتغلت فيها بجدّ كبير خلافا للسنوات التي سبقتها حيث كنت مولعا بمجموعة من الهوايات التي كانت ترعب والدتي مخافة أن تؤثر على مساري الدراسي، لكني أذكر أنني في الباكلوريا حصلت على معدلات متميزة، ومنها الرياضيات 15 على 20، ونفس الأمر بالنسبة للفيزياء، ومعدل 16 بالنسبة لعلوم الحياة والأرض.
متزوج وأب لثلاث بنات «هاجر، هالة ولينا»

كيف جاء اختياركم لتخصصكم الطبي؟

في الحقيقة أنا كنت أريد دراسة الصيدلة، لكن الفضل في اختيار الطب يرجع بالأساس لأخي الذي سبقني في هذا المشوار الدراسي، وقد مكنتني المعدلات التي حصلت عليها آنذاك من ولوج كلية الطب والصيدلة بالرباط بكل سهولة، هذه المهنة التي كانت مطمحا نتيجة لعوامل متعددة، على رأسها التقدير الذي يكنه الجميع للأطباء، والمدخول المادي الذي كان مشجعا.
أما عن التخصص فقد كان عندنا أساتذة للطب النفسي، وكانت لديهم أفكار كنا نراها بعيدة عن الدين حينها، خاصة وأننا كنا مجموعة من الطلبة ملتزمين دينيا بشكل كبير، وعن غيرة بالأساس، اخترت هذا التخصص لتقديم صورة مغايرة، علما أنني كنت أحب الجانب النفسي وأفضله على اختصاصات أخرى.
ومن المحطات الأساسية في حياتي التي لها ارتباط بفترة دراستي الجامعية، تعرفي على شريكة العمر بتطوان، إذ كنا نتردد كثيرا على مرتيل عند خالتي وزوجها هربا من قيظ فاس صيفا، وتطورت العلاقة، التي كانت تدفعني إلى التردد على تطوان بـ «الاوطوسطوب»، وخلال السنة الرابعة عقدنا القران، ونفس الخاتم الفضي الذي وضعته بإصبعي حينها مايزال يلازمني.
مرحلة الدراسة هاته انتقلت في إحدى فتراتها إلى الديار الفرنسية للقيام بتداريب في مجالات طبية كما هو الحال بالنسبة للجراحة، حيث كنت مساعد جراح، وتعاقبت الأيام لأحصل على شهادة الدكتوراة بعد تقديم أطروحتي، وانتقلت إلى ستراسبورغ التي كانت مشهورة بالطب النفسي، وهي الفترة التي ازدادت فيها ابنتي الأولى هاجر، ونتيجة لخلاف وقع لي مع رئيس القيم انتقلت إلى «غرونوبل» لإتمام فترة التخصص وهي سنتين، بعدها ازدادت ابنتي هالة، وحصلت على التوالي وتباعا على شهادة التخصص في تخطيط الدماغ سنة 1991، وفي أمراض النوم سنة 1992، زيادة على التخصص في الطب النفسي سنة 1990، تلتها مرحلة ما بين 1991 و 1993 اشتغلت خلالها مع طبيب يهودي يحمل نفس لقبي العائلي.
بعد ذلك عشت مرحلة أساسية في حياتي رفقة أسرتي بالديار السعودية، تحديدا بالرياض، خلال الفترة مابين سنة 1993 و 2003، حيث اشتغلت في مجال تخصصي، وعملت على ترجمة العديد من المراجع إلى العربية، وكانت هي الأخرى مرحلة حبلى بنقاط الضوء كما عرفت حدوث بعض الأحداث التي آلمتني، على مستوى بعض السلوكات، وتشدد بعض الأطباء، إلى أن غادرت السعودية بعد مواجهة مع مدير المستشفى الذي كان يريد تخفيض راتبي بنسبة 25 في المئة، وجاءت مغادرتي عقب الهجوم الإرهابي الذي شهده مجمع الحمراء، الذي كان أول عملية تفجير إرهابية تقع بمنطقة الشرق الأوسط، والذي ترك هو الآخر آثاره في ذاكرتي.

هل استطعتم الاندماج في المغرب بسهولة؟

الأكيد أن رحلة العودة إلى أرض الوطن والانطلاق من الصفر لم يكونا بالأمر الهين، إذ افتتحت عيادتي الطبية بساحة مولاي عبد الله بالدارالبيضاء، وكان حينها المدخول قليلا مقارنة بمتطلبات الحياة اليومية، وشيئا فشيئا استطعت التأقلم مع الوضع، وكنت نشيطا إعلاميا، ولا أبخل على غيري بالاستشارة والمساعدة، وواصلت تكويني الطبي بالحصول على دبلومات في تخصصات متعددة كما هو الشأن بالنسبة للتدخين، والسمنة، والعلاج السلوكي والمعرفي، وكذا دبلوم في العلوم الجنسية.

ماهو تقييمكم للمنظومة الصحية وواقع الصحة النفسية؟

انطلاقا من تجربتي والمقارنة التي تأتت لي بفعل السنوات التي قضيتها خارج أرض الوطن، فإن الدول السائرة في طريق النمو والفقيرة هي لاتولي الطب النفسي الأهمية التي يستحقها، خلافا للدول الغربية التي تهتم بشكل عام بالإنسان وتعتبر الحق في الصحة مقدسا، في حين أن حالة مستشفياتنا هي مزرية، والجوانب النفسية ضعيفة وسيئة إن لم تكن منعدمة، بالمقابل على مستوى القطاع الخاص تنتشر المصحات ذات الاختصاصات المختلفة بشكل كبير عكس مصحات مختصة في المجال النفسي، علما أنه يجب أن يكون هناك وعي كبير بأهمية الاستثمار في الطب النفسي.

كيف تتبعتم انصرام شهر رمضان في المغرب؟

شهر حضرت فيه الحوادث المختلفة، الصراعات، والمشاحنات، نظرا لأن عددا كبيرا من المدمنين وهذه حقيقة لايجب إنكارها، يكونون في وضعية خصاص تنعكس في حالات للقلق والانفعال، والحال أنه يجب على هذه الفئة أن تغتنم الشهر الفضيل وتجعل منه فرصة للإقلاع عن مختلف العادات السيئة، والانعتاق من عبودية المواد المخدرة، سواء كانت سجائر أو غيرها، علما أن هناك مؤسسات استشفائية في الخارج تشرف على العلاج من العديد من الأمراض بالصوم، نظير أتعاب مادية، والحال أن الصيام عندنا مجاني ومأجور.
كما يجب خلال هذا الشهر المبارك العمل على مواجهة السمنة بالتحكم بالأكل وطبيعته، أخذا بعين الاعتبار أيضا أن هناك دراسات أشارت إلى أن «الجوع» يعد من الوسائل الوقائية ضد أمراض خطيرة ومنها أمراض سرطانية، كما يتعيّن الحرص على النوم بشكل كافٍ، والوصول إلى قناعة تتمثل في أن الحياة ليست فقط ماديات وإنما كذلك روحانيات من أجل تغذية النفس وتأسيس الشخصية، والمواطن المغربي معروف بأنه ملتزم دينيا ومنفتح على غيره، وسطي معتدل غير متشدد، هذه الشخصية المغربية التي يجب أن نعتز بها جميعا.

آخر كتاب اطلعتم عليه؟

أقرأ بشكل كبير الكتب الطبية إلى جانب الكتب التي تحاول تفسير الحركات الإرهابية ونشأتها، وفي هذا الصدد أن أعكف على قراءة كتاب «مسارات الثقافات»، الذي يتناول هذا الموضوع ويسلط الضوء على صراع الحضارات والأطياف بشكل يغري بالقراءة.

هواياتكم وميولاتكم الفنية؟

كما سبق وأن أشرت، فقد ترعرعت في بيت خالي الذي كان مولوعا بالأغاني الكلاسيكية، أغاني أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب، وبالتالي تشبعت بهذا النوع من الغناء والطرب، علما أنني ولجت المعهد الموسيقي بالدارالبيضاء لتعلم الأصول الموسيقية. وإلى جانب ذلك فأنا معجب بالموسيقى الأندلسية، بمجموعة ناس الغيوان وجيل جيلالة، و بـ «بوب مارلي» والأغاني التي تنهل من هذه الثقافة.
الهوايات هي متعددة منذ الصغر والتي تنوعت باختلاف المراحل العمرية، ففي صغري كنت عاشقا للكرة وكنت أشغل مهمة حراس المرمى أو قلب الهجوم، كما كنت شغوفا بـ «ضامة» ولعبة الشطرنج، والجري، وكذا الكرة الطائرة، فضلا عن السباحة، وتربية الحمام.

حدث طبع مساركم؟

هي مجموعة أحداث سأسرد بعضها، ومن بينها وفاة والدي وأنا صغير السن، وتربية والدتي لنا، التي توفقت في أن تجعل منا مواطنين نافعين لبلدنا، 3 أطباء وأستاذة تخصص اللغة الإنجليزية، لكن مفارقتها لنا قبل 3 سنوات خلفت في قلبي ونفسي جرحا كبيرا.
كذلك أعود بالذاكرة إلى الوراء وأتذكر كيف كنت في عطلة الصيف أمارس التجارة البسيطة واعتمد على البيع والشراء لكسب مقابل لمواجهة الظروف المادية الصعبة، وفي هذا الصدد أستحضر مغامراتي ومنها ذهابي إلى فرنسا وأنا في سن 16 سنة لأني أردت مساعدة والدتي، فاشتغلت لمدة أسبوع في مجال الفلاحة، في ظروف صعبة لم أتحملها، فعدت أدراجي من فرنسا إلى المغرب بـ «الأوطوسطوب».
التعرف على زوجتي ومساهمتها في بناء الأسرة، وهي التي صاحبتني في كل خطواتي، حدث بارز كذلك في حياتي، إضافة إلى التسع سنوات التي قضيتها بالسعودية، والإعلام الذي أهتم به كثيرا.

كلمة أخيرة؟

أتوجه بالشكر لكم كثيرا على فسح المجال لي للبوح والحديث عن مراحل هامة في حياتي، وأتمنى لجريدتكم القيّمة ولحزبكم بلوغ القمم، وأدعو القراء إلى التحلي بالصبر والعزيمة القوية والتسلح بالعلم، في مواجهة كل المشاكل التي قد تعترض أي شخص، خاصة بالعلم الذي هو السبيل للوصول إلى الغايات المرجوة ولو بعد حين.


بتاريخ : 24/06/2017