كتاب «حياكة (خياطة) الزمن السياسي في المغرب: خيال الدولة في العصر النيوليبرالي..» للباحث والجامعي محمد الطوزي كتاب رفيع وتوثيقي وجد جريء في تقديم أطروحته العميقة حول الدولة المغربية.
وهو عمل طويل النفس تطلب من الباحث والمفكر محمد الطوزي ورفيقته في العلم والتنقيب التاريخي بياتريس هيبو، ثلاثين سنة من العمل تخلله البحث الميداني والحوارات والقراءات في الوثائق والاحداث إلخ… ونزعم أن في الكتاب أطروحة متكاملة وبنيوية لتاريخ الدولة فيها عناصر لم يسبقه إليها أحد، حسب ما اطلعنا عليه من مقاربات بشكل متواضع طبعا وطبعا.
وفي الكتاب يعلن الباحثان، منذ البداية، أن هناك ثلاث مسلمات تحكمت في البناء الفكري لهذا العمل الضخم والعميق، ويتعلق بإعادة استثمار الحضور الإمبراطوري المغربي، أي تاريخ الإمبراطورية في فهم الراهن المغربي.. إعطاء مكانة مركزية للخيال في فهم الدولة المغربية. والمخيال، هنا، هو الحامل البنيوي والرحم الذي تتم فيه وتنمو وتتوطر عمليات تطبيع وشرعنة العنف في علاقات السيطرة، ثم التفكير من خلال النموذج الاسمى Ideal type…
الأهم في المسلمة الأولى هو أن الدولة الأمة أو الدولة الوطنية في المغرب لم تكن فصلا مواليا لفصل الدولة الإمبراطورية، بمعنى أن الدولة ـالوطن لم تولد من أنقاض الدولة الإمبراطورية، بل إنهما تتعايشان وتتعايش مميزاتهما «ونجدهم في الطرق العملية للحكم»، (ص 14).
وهو منحى يتعارض كليا مع التوجهات العامة التي تعتبر بأن الشكلين لا يلتقيان ولا يتلاءمان في نظر خبراء مفهوم الدولة، (بييري. بوريدو نموذجا)..
وهو ما يسعفنا كما يسعف الكثيرين في فهم السلوك المغربي، داخليا وخارجيا، في الديبلوماسية وفي بناء الريادة الإقليمية، كما في تفسير علاقات السلطة بين المؤسسات.. ولعل الكتاب دليل لفهم تاريخي سياسي للمغرب من طرف الشركاء أيضا، ولا سيما في أوروبا…
ما يثيرني أيضا المسلمة الثانية، والتي تعطي للخيال والمخيلة دورا للرحم الذي تتشكل فيه الدولة..
راهنية البُعد الإمبراطوري، لا تتلخص في ديكورات» المامونية»، ولا هي التقليدانية وقد صارت إيدولوجيا، إن الإمبراطورية (كنموذج مرجعي) تنتمي إلى مخيلة أو مخيال الدولة…
وبذلك يصبح للدولة مخيالها وخيالها، كما أنها تستثير المخلية عند القارئ والباحث في فهمها…
وقد أعجبني قول الباحثين بأن المخيلة مفهوم مركزي في تحليلنا أو مخيلة الدولة في فهم المغرب.
طبعا للأمر علاقة بالبحث العلمي، وبدون المرور إلى المسألة الثالثة، وجدت إغراء خاصا، في البناء الشاعري الذي أوحت به مركزية خيال الدولة في الحديث عن نفسها وممارستها…
وهو مبحث يسمح لصاحبه بالإحاطة البانورامية بجوانب تبدو متنافرة ومتباينة، من «اللغة وحركات الجسد إلى العواطف، من استراتيجيات التملك والتأويل إلى طرق المعيش اليومي ومهاراته ومعارفه، ومن استراتيجيات إعادة الابتكار إلى تكنولوجيات السلطة، ومن المفاهيم والتصورات إلى أشكال محاولة معرفة الزمن والمكان والعلاقات الاجتماعية»، وعليه فإن الباحثين ينطلقان من أن «الواقعي لا يمكن القبض عليه خارج الخيالي، أو ما يسميه بول فاين، المخيال المكون! «والخيال بهذا المعنى هو حوار مستمر بين الإرث والابتكار، وتفاعل بين تصورات مختلفة عن السلطة والحكم والمجتمع..
إن المخيال ليس هو شعور أو لا وعي الدولة أو المجتمع، بل هو شيء واقعي جدا وواع جدا من طرف الفاعلين السياسيين وغير السياسيين في محيط الدولة والمجتمع..
إنه أكبر من «نحو grammaire»، بل هو لغة يتم عبرها تداول المعنى الذي تعطيه الدولة لنفسها….
ينفتح الطموح المعرفي للكتاب، بوثيقة صادرة عن مهووسة الوسيط، وسيط المملكة. وهو نص أو رد صادر عن هذه الموسسة بخصوص تلم توصلت به، من موظف في التربية الوطنية للتعليم. وفي شكاية الرجل العامل بواد زم نقرأ أنه يشتكي من عدم رصف تعويض النفقات التي صرفها في عملية جراحية ، وتقدر ب8500 درهم ولم يتم الوفاء بردها من طرف التعاضدية العامة لموظفي التربية الوطنية..
وفي نص الوسيط نقرأ: الوسيط يطلب رئيس مجلس ادارة الموسسة بتوسيع وترية رصف التعويضات واخبار. موسسة الوسيط في أجل لا يتعدي ثلاثة اشهر ويأمر بتحويل الرد التوصية الى رئيس مجلس ادارة التعاضدية العامة ومدير صندوق الوطني للتضامن الاجتماعي.
يقول محمد الطوري ورفيقته في البحث والعلم السياسي: «هذا النص قد يبدو مثيرا للتفكك بسبب اسلوبه ومضمون وما يدعي الوصول اليه. لكنه، مع ذلك يسمح لنا بالاعلان عن طموح هاذ الكتاب وهو تحليل الدولة في ديمومتها عبر خيالها. إن النص هو قرار باسلوب رسمي و صادر. عن مؤسسة هي وسيط المملكة تم الفكير فيها باعتبارها إفراز للوهلة الاسلامية الاصلية. وقد تم الاحتفاظ بها وتطوريها طول الملكيات المغربية تحت مسميات عديدة منها ولاية المظالم ووزارة الشكايات، دليلاً على وجدو دولة دامت قرونا عديدة تحولها الرغبة في نشر العدل بين رعاياها بتلقي مطالبهم ومعالجتها بشكل شخصي. بيْدَ أنها كذلك موسسة ناتجة عن الدورة الدولية لنماذج الحكامة باعتباره. زن سترتها في 2011 رافضات الى تغيير في تسميتها، بشكل يفترض فيها تقريبها من مؤسسة «الامبودسمان Ombudsman» والسوي الفرنسي. فهي تندرج في تاريخ عمليات «البرَقْرَطة» bureaucratisation وفي اللحظة النيوليبرالية… مشكلةً جزءً لا يتجزء من البنيات الجديدة «لليقظة» و«الحكامة الرشيدة»… هذا القرا يكشف لمنا اهمية المخيال، التي يعبر عن نفسه عبر بعض المفاهيم التي تتم تعبئتها (شكاية، ايالة الشريفة) ولكن كذكلك عبر بعد جد مادي تفصح عنه عدد مووضع الطلبات الموجهة الى الوسيط. وعليه، فرن هدا الاخير لا يعالة سوى 20 ٪ منن الطلبيات والشمايات المتوصل بها، لزن اغلب ها تتجاوز صلاحياته. وهذا الفارق بين تمثلات السلطة وبين الواقع الصلاحيات لدى هئأة ما تحلي علي تصور الدولة التي تمنح مرتبة مكركزية، في اساليب الحكم للطلبيات والعراذض والشكايات لدي السلطان الملك والمعرفة المشخصنج للناس. لكنها في والتق نفسه تتمازج مع مقاربة ظاهريا اكثر كلاسيكية للفعل العمومي. الذي يسعي من جهته الى تزكيد قوة الدولة عبر اادعاء التطلع الي حل مشاكل المواطنين عبر تعبئة المباديء العامة للحق والقانون والتدخلية المبارشة والمعقلنة وعبر نوفع من «ثقافة النتيجة«. وهذا التزامن تفسر الاطنابع بالحضورالكلي الشامل للدولة،المتعايش بمشاعرز عدم الفعالية القصوى المنتشر وسط الساكنة.،
وهذا القرار يحثنا على التفكير ايضا في أماكن وواقع السلطة.
يتبع