الدولة الوطنية والبعد الامبراطوري في ملكية محمد السادس -13- «بلاد سوس الأقصى» وعلاقاتها مع الدولة الشريفة… الحكم عن بعد

«بلاد سوس الأقصى» وعلاقاتها مع الدولة الشريفة… الحكم عن بعد

كتاب «حياكة (خياطة) الزمن السياسي في المغرب: خيال الدولة في العصر النيوليبرالي..» للباحث والجامعي محمد الطوزي كتاب رفيع وتوثيقي وجد جريء في تقديم أطروحته العميقة حول الدولة المغربية. وهو عمل طويل النفس تطلب من الباحث والمفكر محمد الطوزي ورفيقته في العلم والتنقيب التاريخي بياتريس هيبو، ثلاثين سنة من العمل تخلله البحث الميداني والحوارات والقراءات في الوثائق والاحداث إلخ… ونزعم أن في الكتاب أطروحة متكاملة وبنيوية لتاريخ الدولة فيها عناصر لم يسبقه إليها أحد، حسب ما اطلعنا عليه من مقاربات بشكل متواضع طبعا وطبعا.

نمط الحكم عن بُعد، والذي يرتسم من خلال الانقطاعات والوساطات والغيابات والفراغات يعكس تصور سلطة إمبراطورية تشتغل عن بعد عبر نظام اقتصاد الموارد. وأغلبية المؤرخين المعاصرين يجدون صعوبة في تحديد مميزات “بلاد سوس الأقصى” وعلاقاتها مع الدولة الشريفة، والأطروحات تتأرجح بين “إمارة مستقلة” يديرها شريف محلي (وهي أطروحة ليوبولد فيكتور جوستينار، والتي سيتم الأخذ بها في العديد من النصوص)، وفضاء “سيبة” لا يعترف إلا بالسلطة الرمزية للسلطان (وهي أطروحة يتقاسمها محمد مختار السوسي، ومحمد ناجي وبول باسكون). وانطلاقا من القرن 19، مع ذلك، سيشرع هؤلاء وأولئك في النظر إليه باعتباره تجريبا لنوع جديد من الحكم، بالنظر إلى الظرفية الدولية كما بفعل التحولات التنظيمية للدولة المغربية، وهي المرحلة التي يطلق عليها اسم مرحلة الإصلاحات، التي سعت إلى إخضاع المنطقة بطريقة عنيفة، وخلال هذه الفترة، أصبحت العلاقة مع الدولة المركزية متوترة بسبب المواجهة مع الدول الأوروبية الحاملة لتصور مغاير للدولة، والذي ينعت عادة الدولة ويستفالية (الدولة السيادية بوظائف تعكس هذه السيادة وتكون حدودها هي حدود التراب الوطني في الغالب)، وعلى ضوء البراديغم الجديد يحسن بنا أن نفسر الحمى الإصلاحية التي استبدت وقتها بالإمبراطورية الشريفة. وعلاوة على أنها تعبير عن وعي بنقط ضعف النظام، فهي تشهد على الإرادة في اللعب على ربح الوقت في الخروج من نفق سببه موازين قوى في غير صالحها، بالرغم من أنها تعتبر كذلك مؤقتا فقط! (انظر رسالة السلطان محمد بن عبد الرحمان إلى ساكنة تطوان بعد إخلائه من طرف الجيش الإسباني).. فالعلماء، على غرار السلاطين لا يخامرهم أدنى شك حول التفوق “النظري” لنظامهم السياسي، وأنماط العيش المرتبطة به، والتوترات والمشاحنات مع الدولة الأوروبية لم تعد النظر في البراديغمات الكبرى المؤسسة للشرعية السياسية، قواعد الحكم الميعارية وسمو الإسلام المتفرد(لا تشوبه شائبة). وعندما راودت الحسن الأول، الذي قيل عنه إن عرشه كان فوق ظهر حصانه، الرغبة في إعادة توحيد التراب الوطني لمملكته، بإعطاء الأمر بأربع حملات باهظة الثمن باتجاه سوس وبإعادة النظر في خدمة البريد أو إعادة تنظيم الجيش، لم يخطر بباله التفكير في السيادة والقانون والشعب والمجال الترابي والحدود والمسؤولية بنفس مصطلحات الدولة الوطنية، بل بمصطلحات المفاوضين الذين كان على ممثليه مواجهتهم إبان مؤتمر مدريد في 1880 (وهو المؤتمر الذي سعى إلى فتح الإمبراطورية الشريفة في وجه الدول الأوروبية لاسيما عبر السماح لمواطنيها بامتلاك الأراضي والممتلكات في المغرب، وهذا المؤتمر بعتبر بالنسبة للعديدين بداية تدويل المسألة المغربية)… وبالنسبة للحسن الأول، كما بالنسبة لمجموع النخبة، كان الأمر يتعلق وقتها بمواجهة، رغما عنهم، ضغوطات وليس التفكير في الإصلاح. ولم يكن يتعلق كذلك كما يدافع عن ذلك بعض المؤرخين الحاليين، ببروز الدولة الوطنية.
وخلال هذه الفترة، كانت حركات سوس الموجهة إلى ترسيخ أعمال الدولة في امتداد فضائي وزماني، حركات مفروضة أكثر منها إرادية، طالما أنها كانت جزءا من مشروع”ضد الطبيعة” وباهظ الثمن، وبل أحيانا غير مجدٍ! وقد تمت تحت ضغوط القوى الأجنبية والتي اعتبرت السلطان مسؤولا عن أعمال رعاياه في أقاصي البلاد وعليه تقديم الحساب عن أخطائهم وتلاعباتهم بمناسبة الأنشطة التجارية مع الشركات الأوروبية. وعليه فإن الجولان والتنقل كان عنصرا محددا في البناء الترابي، حتى وإن كان، عكس أوروبا القرون الوسطى، يهدف إلى تغيير موازين القوى وإعادة إنشاء تحالفات أكثر من مراقبة الأراضي الصعبة..


الكاتب : عرض وترجمة عبد الحميد جماهري

  

بتاريخ : 06/04/2023