الدولة الوطنية والبعد الامبراطوري في ملكية محمد السادس 2 : التفكير، عن طريق المغرب، في تحولات الدولة وتغيرات فنون الحكم

كتاب «حياكة (خياطة) الزمن السياسي في المغرب: خيال الدولة في العصر النيوليبرالي..» للباحث والجامعي محمد الطوزي كتاب رفيع وتوثيقي وجد جريء في تقديم أطروحته العميقة حول الدولة المغربية. وهو عمل طويل النفس تطلب من الباحث والمفكر محمد الطوزي ورفيقته في العلم والتنقيب التاريخي بياتريس هيبو، ثلاثين سنة من العمل تخلله البحث الميداني والحوارات والقراءات في الوثائق والاحداث إلخ… ونزعم أن في الكتاب أطروحة متكاملة وبنيوية لتاريخ الدولة فيها عناصر لم يسبقه إليها أحد، حسب ما اطلعنا عليه من مقاربات بشكل متواضع طبعا وطبعا.

 

ما من شك أن الوسيط يمتحُّ قوته من «شَرْعَنَته» من طرف سلطة الملك، ومع ذلك فإن طريقة اشتغاله تترجم عجزا نجد أن اللغة والحجج شبه القانونية تخفيه بشكل يجعل أن فقدان المهارة تظهر بفداحة أقل عبر ركاكة أسلوب هذا القرار.. إن هذا الكتاب لا يطمح إلى تقديم مونوغرافيا إضافية تنضاف إلى ألف سبقتها عن النظام السياسي المغربي. بل يطمح إلى التفكير، عن طريق المغرب، في تحولات الدولة وتغيرات فنون الحكم، سواء في تعبيراتها كما في تلقيها وتكييفاتها الأكثر تنوعا..والمنهج الذي يرشده والذي نريد أن نُمَفْهِمه، باستلهام الحالة المغربية، تعطي كامل الأهمية للأفكار، والتمثلات والممارسات وكل ما يصنع المعنى بالنسبة لمجتمع ما. وهذا المسعى يأخذ بعين الاعتبار كذلك التراكب في السجلات (المواضيع) والأزمنة. وهذا الانتباه إلى التغير، المركَّز على طبيعة الدولة وعلاقاتها مع المجتمع هي الطريقة الأفضل في القبض على مجموع الممارسات المادية والفكرية التي تؤسس لديناميات الهيمنة وعمليات الشَّرعَنة.
إن تصورنا للدولة يذهب أبعد من كونها مؤسسة أو مجموع مؤسسات، كياناً كلُّ مطمحه امتلاك احتكار العنف الشرعي، باعتباره تعريفا كلاسيكيا قنَّنَتْه كتب العلوم السياسية، علاوة على كونه غالبا ما يُخفيه نسيانُ فكرةِ «المطمح »، فإن هذا التعريف للدولة يقدم بشكل ممنهج باعتباره “التعريف ” عند ماكس فيبر كما لو أنه نظرية عامة وليس فقط صيغة مرتبطة بوضع جغرافي وتاريخي خاص. والحال أن فيبر نفسه كان قد اقترح صياغات أخرى، أكثر تعقيدا، من قبيل هاته:” عدد لا متناهٍ من الأفعال والأعمال السلبية البشرية، الغامضة والسرية وعدد لا متناهٍ من العلاقات المضبوطة واقعيا أو قانونيا فريدة من نوعها أو متكررة، والكل مشدود إلى بعضه بواسطة فكرة ، بواسطة الإيمان بمعايير جاري بها العمل أو عليها أن تكون كذلك، وبواسطة علاقات هيمنة ـ سيطرة بين الكائنات البشرية. وهذا الاعتقاد هو في جزء منه «خيرـ مِلْك» فكري (من الفكرة) طوره التفكير، وهو اعتقاد يتم الشعور بجزء منه بشكل غامض، ويتم قبول جزء منه بشكل سلبي، كما هو حاضر بكل تنوعاته المتباينة في رؤوس الأفراد، وهم لو كانوا يملكون حقا تصورا جد واضح عن هذه الفكرة كما هي، ما كانوا في حاجة إلى نظرية عامة للدولة تهدف إلى تطويرها” (هذا تعريف اقترحه ماكس فيبر (1904) نستدعيه هنا من خلال ترجمة «جان بيير غروسين» . والمقطع يستحق أن يُسْرد كاملا اعتبارا لأنه يعطي لمسعانا كل المعنى. وهذا التعريف لا يتم بدون التَّصادي « مع ميشيل فوكو ومفهومه عن “الحكوماتية” أو ممارسة الحكم gouvenrnementalité وجان فرانسوا بايار ومفاهيمه عن «الدولة rhizome جذمور» ‪كناية عن ‬ساق تنمو أفقياً تحت الأرض يستعملها النبات للانتشار و تكوين نباتات جديدة تطلق جذورا ومفهوم «السياسة من الأسفل» أو جون لونصضال وتمييزه بين بناء الدولة وتشكل الدولة..)..


الكاتب : عرض وترجمة عبد الحميد جماهري

  

بتاريخ : 24/03/2023