كتاب «حياكة (خياطة) الزمن السياسي في المغرب: خيال الدولة في العصر النيوليبرالي..» للباحث والجامعي محمد الطوزي كتاب رفيع وتوثيقي وجد جريء في تقديم أطروحته العميقة حول الدولة المغربية. وهو عمل طويل النفس تطلب من الباحث والمفكر محمد الطوزي ورفيقته في العلم والتنقيب التاريخي بياتريس هيبو، ثلاثين سنة من العمل تخلله البحث الميداني والحوارات والقراءات في الوثائق والاحداث إلخ… ونزعم أن في الكتاب أطروحة متكاملة وبنيوية لتاريخ الدولة فيها عناصر لم يسبقه إليها أحد، حسب ما اطلعنا عليه من مقاربات بشكل متواضع طبعا وطبعا.
(إن خلفية الترحال تفسر في المجتمع المغربي الرابط بين التنقل والانطباع بالارتجال، فليس الرعاة هم وحدهم من يتحرك بل عموم الناس يسافرون بسهولة مثلا في كل المدن الصغيرة حول الأضرحة والمواسم، ولعل “الممول ـ تريتور” هو وجهه الناضج اليوم وكفاءته في هذا الباب ليست فقط محط إعجاب وتقدير بل هي ضرورية في الأنشطة الاجتماعية ولا سيما الحضرية)، إن فن الاستقبال هو في نفس الآن فن مشترك في كل المجتمع والتعبير عن القيمة المركزية الممثلة في حسن الضيافة، وهو فن الحكم بواسطة إعطاء المثل وإجادة الإخراج، باعتباره لحظة لتنامي السلطة وتمثلها. وابتداء من منتصف القرن 19 أصبحت دار المخزن مكان دَمْغ(وضع علامة) فنون الاستقبال والحفلات ونشرها، غير أنها لا تقوم بإنتاج هذه الفنون، وتشهد العديد من الكتابات التاريخية على ضعف خيال السلطة في المجال مع الإشارة إلى قدرتها على التقاط واستيعاب كل المهارات المنتشرة في المجال الترابي . وهذا ما وقع بالضبط عندما قام السلطان محمد بن عبد الرحمان سنة 1800 بإرسال سيدات إلى تطوان لتعلم فن البايلا paella والوشكولاطة ( انظر داوود حول رسالة السلطان وهو يرسل خادمات إلى واليه على تطوان لوضعهن في بيوت عائلات بورجوازية بالمدينة لتعلم فن الطبخ )، وأرسل أيضا بستانيين لتعلم فن البستنة الأندلسي.. وهناك نص آخر يشير إلى مراسلة في نهاية القرن 19 ما بين مولاي عبد العزيز ونبلاء فاسيين، وفيها خبر إرسال خادمات إلى عائلات فاسية بورجوازية مع التنبيه الخاص بوصفات الأكلات التي يجب أن يتعلمنها .
في هندسة السلطة نجد أن فن الاستقبال يحتل مكانة مهمة.. وعلى السلطان أن يكون نموذجيا ومنتجا للموضة: موضة الطبخ واللباس وموضة فن المائدة والاستقبال، و إذا لم يتردد في طلب النصح والتكوين الخارجي لبنات القصر وخادماته، فهو الذي يعطي المثل الأول.
وإذا كان هذا الفن يمر عبر التمكن والتملك للمهارات فهو أيضا يمر عبر وظائف أخرى تعطي للسلطان نموذجيته، من قبيل وظيفة منظم الحفلات والطقوس الدينية، أو هو ناشر المعايير، عبر منح الهدايا ولا سيما في المناطق التي لا يسيطر عليها، يمارس السلطان سلطته بتعميم استهلاك الخيرات التي تحدد النظام الاجتماعي، كما هو حال الشاي والملابس المحاكة انطلاقا من أثواب مستوردة أساسا من انجلترا لحياكة الجلابيب..(انظر ابن زيدان)..