كتاب «حياكة (خياطة) الزمن السياسي في المغرب: خيال الدولة في العصر النيوليبرالي..» للباحث والجامعي محمد الطوزي كتاب رفيع وتوثيقي وجد جريء في تقديم أطروحته العميقة حول الدولة المغربية. وهو عمل طويل النفس تطلب من الباحث والمفكر محمد الطوزي ورفيقته في العلم والتنقيب التاريخي بياتريس هيبو، ثلاثين سنة من العمل تخلله البحث الميداني والحوارات والقراءات في الوثائق والاحداث إلخ… ونزعم أن في الكتاب أطروحة متكاملة وبنيوية لتاريخ الدولة فيها عناصر لم يسبقه إليها أحد، حسب ما اطلعنا عليه من مقاربات بشكل متواضع طبعا وطبعا.
في فترة استعمار المغرب، كان الطاقم السياسي والإداري المكلف بتطبيق السياسة الكولونيالية ينتمي إلى طيف إديولوجي واسع، بدءً من الموراسيين ( نسبة الى شارل ماري فوتيوس موراس الذي كان مؤلفًا، وسياسيًا، وشاعرًا، وناقدًا فرنسيًا. وأحد منظمي الحركة الفرنسية وفيلسوفًا من فلاسفتها الرئيسيين، وهي حركة سياسية تناهض النظام البرلماني، وتؤمن بالثورة المضادة. كان لأفكار موراس تأثير كبيرعلى الكاثوليكية القومية، «والقومية الجوهرية» وقد أفصح موراس عن مبدأ أساسي من مبادئ القومية الجوهرية بقوله إن «القومي الحقيقي هو الذي يضع بلده فوق كل شيء». كان لآرائه تأثيرعلى العديد من الإيديولوجيات اليمينية المتطرفة؛ فضلًا عن إنذارها ببعض أفكار الفاشية) وصولا إلى السانسيمونيين (نسبة إلى الكونت كلود هنري دي سان سيمون دورفروا وكان يميل إلى مبدأ تدخل الدولة في الحياة الاقتصادية ونوه إلى أهمية الحياة البرلمانية والمذهب الذي حمله أتباعه (سان سيمونيون) كان مذهبا يدعو إلى إلغاء الميراث. وكان من رأيهم أن الثروة يجب أن تؤول بعد وفاة صاحبها إلى الدولة …. و قد كان هناك عدد لا نهائي من الحساسيات ممثلة في الإقامة العامة، وقد كان هذا التمايز قد بدأ قبل الحماية بكثير، وقد واجه في أول الأمر منتجي «المهَمَّة العلمية» أصحاب لوشاتولييه بمجموعة الجزائر العاصمة، ثم واضعي السياسية الكولونيالية وإصلاح المخزن و الادارة المباشرة وسياسة القبائل . وبعد ذلك تمت العودة إليه في تنفيذ السياسة الكولونيالية وكانت نقط التوازن بين مختلف الفصائل موجودة في النصوص القانونية غير المكتملة والزاخرة بالعديد من الالتباسات ، من قبيل ظهير 1919 الخاص بالأراضي الجماعية ، كما توجد نقط التوازن كذلك في الممارسات التي تمت باسم فكرة طلائعية عن التقدم كما هو حال إجراءات إعداد التراب الحضري للدار البيضاء التي قام بها المهندسان بروست وايكوشار او العصْرنَة المتأخرة للعالم القروي ـ انظر جاك بيرك )
وكانت السياسة المغربية رهينةً بهذه التوازنات غير المستقرة والتي يجب أخذها بعين الاعتبار على المستوى الايديولوجي وكذا على المستوى السوسيولوجي والإنساني. فالمعمرون البيض الصغار القادمون من الجزائر او من جنوب الابيض المتوسط لم يكونوا يتقاسمون نفس الرؤى ولا نفس المصالح ولا يتصرفون بنفس طريقة مهندسي الجسور وقدماء حرب « التهدئة» في الجزائر ولا مثل الموظفين في المحميات الفرنسية في آسيا أو في المحيط الهاديء أو مثل صناعيي الرأسمال الفرنسي المتنامي ، رأسمال المجموعات العائلية والتجمعات المالية ..
وعمل الحماية هو ناتج عن هذه الكوكبة من المصالح وتعدد منطق المعالجة والقناعات، والتي تمت بلورتها في اتجاهين تبعا للرهانات المختلفة:
اتجاه أول ذو طبيعة ايدولوجية، يحذوه إرث إنسانوي استشراقي أراد ان يكون بديلا للتجربة الاستعمارية العدوانية في الجزائر، وتوجه ثانٍ ذو طبيعة سياسية يسترشد بمنطق يفرض تقليدانيته، يدفع به «ليوطي»،الذي سعى إلى «صباغة تجميلية» لأفعال عادية من أفعال السيطرة الكولونيالية والمراقبة السياسة…