الدولة الوطنية والبعد الامبراطوري في ملكية محمد السادس 16- العنف في الإمبراطورية ليس مطلقا، لأن السلطة تعرف أنها لا تملك الحقيقة المطلقة..!

نعود مجددا إلى «حياكة الزمن السياسي في المغرب، خيال الدولة في العصر النيوليبرالي»، هذا الكتاب السياسي الرفيع، الذي ألفه الباحث المتخصص في الانتروبولوجيا السياسية والبحث في شوون الدولة والاسلام السياسي، محمد الطوزي، وسلخ فيه، رفقة الباحثة اليزابيت هيبو ثلاثين سنة من البحث والتنقيب والتراكم.
وهو كتاب كل فصل فيه يشكل بنيانا قائم الذات، يسعى الباحثان من خلاله الى الدفاع عن اطروحة لم تكن بدهية حول الدولة، والبرهنة على تعايش الدولة ـ الامبراطورية والدولة ـ الأمة، بسجلَّيْهما المادي التاريخي و الروحي الرمزي، في راهن المغرب.
وهي عودة إرادية، لما لمسنا فيه من قدرة على تسليط الأضواء على فهم المسار الفيبيري (نسبة الى السيكولوجي الأمريكي ماكس فيبر) للدولة، وفهم الكثير من تحولاتها الراهنة.
وهوكتاب يمنح قارئه كما قد يمنح رجال السياسية في مراكز القرار والمناضلين أدوات التحليل الضرورية لفهم تحولات المغرب الحديث، وفهم الكثير من موضوعات الراهن السياسي والإعلامي المغربي (كما هو الحال في دستور 2011 وقدرة النخب السياسية والحاملين لمشاريع الليبرالية الجدد وتعالق شرعية الانتخاب مع شرعية التعيين في دولة تجمع سجلين ، واحد امبراطوري والاخر ينتمي الى الدولة ـ الأمة الي غير ذلك من المواضيع الراهنة).

 

لعل كلام السلطان مولاي عبد الرحمان إبان ثورة قبائل جيش لوداية في 1244 من الهجرة |(1828) نموذج في تبيان الطابع المترابط بين العنف والمفاوضات: وقال لهم في جملة ما قال «الحمد لله إذ لم أغلبكم ولم تغلبوني لأني لو غلبتكم لذبحت هذه الجيوش أولادكم ولم أقدر أن أردها عنكم ولو غلبتموني لفعلتم كل ما تقدرون عليه فهذا من لطف لله بي وبكم».
ما تقوله لنا هاته العبارات أن ممارسة العنف ليست مسألة أخلاق بل إحدى طرائق تقييم موازين القوة. فالتفاوض ـ مثله مثل التسوية أو التعددية أو الحيلة ـ ليس مناقضا للعنف، بل يتمفصل معه تمفصلا قويا.
بقدر ما أن ممارسة العنف ليست مرتبطة بغايات وجود الدولة، أقل مما هي مرتبطة بإرادة الله، فإنه من الضروري أن يعبر عن نفسه ميدانيا أي في موازين القوة. فالعنف قاس في الوصول إلى السلطة أو الحكم (بين الطامعين والمتطلعين وبين أفراد نفس السلالة) بالضبط لأن لله يعرف المؤمنين به وينصر من أراده أن ينتصر!… مقابل ذلك، وبمجرد أن تطول المفاوضات، ولو متقطعة، وبالاحتفاظ على مواقف متعارضة، فإن استعمال العنف يبدو غير مجد ما دامت السلطة الإمبراطورية لا تشعر بأن وجودها مهدد. وعليه فإن العنف لا يبدو فقط على ارتباط بسر الدولة أو غاية وجودها، كما هي مؤطرة بنظرية الضرورة أو الفتنة (وهي كبيرة الكبائر وغالب الفقهاء السنة يفضلون سلطانا كافرا على الفوضى، فبدون نظام لا يقوم دين). المؤطرة بفكرة النظام العام ومبدأ الزعم باحتكار العنف الشرعي، بل ومرتبطة أيضا بتقنيات الحكم.
العنف الشرس أو الوحشي، المؤقت والمحصور في الإمبراطورية (الذي يميل إلى إعطاء العبرة أكثر منه إلى العقاب أو الإخضاع) هذا العنف ناجم مباشرة عن الحكم بأقل كلفة وباستعمال الوساطة (جرمان عياش) وهو مرتبط كذلك بكون تعددية السجلات والقواعد والحقيقة في الإمبراطورية هي المعيار..وعليه فإن العنف يبدو ممنهجا ومستمرا بشكل أقل..مما هو عليه في الدولة الأمة، ذلك بالتحديد لأن السلطة لا تملك، مبدئيا، الحقيقة المطلقة. والسبب ليس فقط أن الحقيقة لا تظهر إلا من خلال ميزان القوة بل يمكن للعديد من الحقائق أن تتعايش!


الكاتب : عرض وترجمة: عبد الحميد جماهري

  

بتاريخ : 19/03/2025