التضخم الذي أنهك القدرة الشرائية للمغاربة كان بسبب ضعف النسيج الإنتاجي في مواجهة اختراق الواردات
المغرب لم يتحسن خلال 20 سنة على مؤشر التعقيد الاقتصادي سوى ب 9 مراتب مقابل 40 مرتبة لكمبوديا و 20 لتونس..
متوسط مردودية الحبوب لم يتجاوز بعد 13 قنطارا في الهكتار مقابل 23 قنطارا في المتوسط العالمي
حملت الخلاصات التي انتهى إليها تقرير المندوبية السامية للتخطيط حول الميزانية الاقتصادية التوقعية لسنة 2024، بين سطورها، عدة رسائل مشفرة وأخرى جد صريحة إلى من يهمهم الأمر داخل الحكومة، لاسيما وزير الصناعة والتجارة، رياض مزور، الذي سبق أن خرج مؤخرا بتصريحات هاجم فيها مندوبية لحليمي، معتبرا أن تقاريرها في العشر سنوات الأخيرة كلها انتقادات للسياسة الصناعية.
الجواب الضمني لأحمد لحليمي في هذا التقرير الأخير جاء معززا بالحجج والأرقام التي كشفت أن العرض التصديري للمغرب (خاصة الصناعي) لايزال ضعيفا بالمقارنة مع المنحنى المرتفع لاختراق الواردات، والذي يساهم في حدة تأثر التضخم الداخلي بتقلبات أسعار المدخلات المستوردة، وهو ما يسائلنا حول قدرة النسيج الإنتاجي على تغطية الطلب المتزايد على المنتجات المستوردة، خاصة في القطاعات التي تعتمد بشكل كبير على المدخلات الخارجية. في هذا السياق، أشار التقرير إلى أن تصنيف الاقتصاد المغربي على مؤشر التعقيد الاقتصادي لم يتحسن سوى ب 9 مراتب خلال 20 سنة الماضية، منتقلا من الرتبة 89 سنة 2000 إلى الرتبة 80 سنة 2020. ولا يزال هذا التقدم متواضعا مقارنة بالتطور الذي حققته دول مماثلة مثل كمبوديا التي قفزت من الرتبة 113 سنة 2000 إلى الرتبة 73 سنة 2020 ، وبذلك تقدمت ب 40 رتبة، وباراغواي التي انتقلت من الرتبة 109 إلى الرتبة 84 ، وتونس التي تقدمت بأكثر من 20 رتبة خلال نفس الفترة ، منتقلة من الرتبة 67 إلى الرتبة 44.
وقد رسم التقرير صورة قاتمة عن آفاق النمو بالمغرب وتأثيره السلبي على القدرة الشرائية للمواطنين وعلى سوق الشغل ، خصوصا بسبب ضعف المؤشرات الرئيسية التي تتحكم عموما في بنية النمو الاقتصادي ببلادنا لاسيما المرتبطة منها بالأنشطة الفلاحية أو تلك المتعلقة بضعف الإنتاجية في الأنشطة الصناعية .
ونبه التقرير الذي أعدته المندوبية السامية للتخطيط، إلى انتشار التضخم الذي تفاقم بشكل كبير، ليس فقط بفعل العوامل الخارجية المعروفة، وإنما أيضا بسبب بالعوامل الداخلية البنيوية للاقتصاد الوطني، خاصة تلك المتعلقة بنقص العرض الوطني، واختلالات التموين والتسويق والاعتماد الكبير لمكونات الطلب الداخلي على الواردات.
ودعا التقرير إلى ضرورة العمل على تنمية القدرات الإنتاجية وتقليص تقلبات أداء القطاع الفلاحي من أجل تأمين مستوى إنتاج مستقر وقادر على الصمود في مواجهة مخاطر التقلبات المناخية، وخاصة بالنسبة لزراعة الحبوب. وفي هذا الإطار انتقد التقرير ضعف المردودية في قطاع الحبوب إذ لم تسجل مردودية زراعة الحبوب بالاقتصاد الوطني إلا نموا طفيفا خلال الأربعين سنة الماضية، حيث انتقلت في المتوسط من 10,4 قنطار للهكتار الواحد خلال الفترة 1980-1999 إلى13,3 قنطار للهكتار الواحد فقط خلال الفترة 2000-2020، والذي يبقى دون متوسط المستوى العالمي ودون متوسط دول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا التي سجلت متوسط محصول للحبوب في حدود 15,8 و23,3 قنطار للهكتار الواحد على التوالي خلال الفترتين السابقتي الذكر.
واعتبر التقرير أن آفاق تطور الاقتصاد الوطني ستظل معتدلة ومعتمدة على القطاعات التقليدية مما يعيق تحقيق وتيرة نمو اقتصادي تمكن من خلق فرص شغل ومداخيل كافية، حيث سيتأثر منحى تطور الطلب الداخلي بشكل كبير باستمرار الضغوطات التضخمية مصحوبة بتشديد الشروط التمويلية. بالإضافة إلى ذلك، فإن الاعتماد الكبير على الأسواق الخارجية لتلبية الحاجيات من المدخلات والمواد الأولية، خاصة تلك ذات الطبيعة الاستراتيجية، يشكل عقبة أمام تحقيق الطلب الخارجي لمساهمة موجبة في النمو الاقتصادي.
وهكذا يتعين، حسب التقرير، تكثيف المجهودات من أجل تكامل النسيج الإنتاجي الوطني والذي يعد ركيزة أساسية للسيادة الصناعية للاقتصاد الوطني. حيث ينبغي أن يعتمد هذا التوجه على سياسات استبدال واسعة النطاق تستهدف المنتجات التي تعتبر قاطرة للواردات والتي تؤدي إلى تفاقم العجز الخارجي وتؤثر على إمكانية استعادة توازنات ميزان الحساب الجاري. كما يعزى تحسن هذا الأخير كذلك إلى مستوى التنويع والقدرة التنافسية للعرض التصديري.
ودعت مندوبية لحليمي إلى ضرورة تحسين الإنتاجية، وخاصة في القطاع التصنيعي، لتحفيز النمو. مؤكدة أن مجموعة من المعيقات تؤدي إلى سوء توزيع عوامل الانتاج، و تؤكد الدراسات التي أنجزتها المندوبية حول هذه المعضلة أن التوزيع الغير الفعال للموارد الاقتصادية، يؤثر سلبا على أداء الشركات ويقلل من كفاءة القطاع التصنيعي بشكل عام، كما يؤدي إلى إهدار الموارد، وبالتالي تدهور القدرة التنافسية وتعطيل نمو الاقتصاد. في هذا السياق، يمكن أن تؤدي إعادة توزيع أمثل لعوامل الإنتاج من خلال دعم الشركات، ذات الإنتاج المنخفض وإمكانية نمو كبيرة، خاصة الشركات الصغيرة والمتوسطة، إلى تحقيق مكاسب إنتاجية مهمة.