يونيو شهر المؤتمرات الإقليمية بجهة الشرق : كرسيف ، الناظور ، بركان ، تاوريرت ، جرادة ، فكيك ، دريوش ؛
وجدة عقدت مؤتمرا ناجحا بامتياز تنظيمي وسياسي في يونيو 2024 ؛
1- المصالحة والاصلاح ؛
لقد تحققت لبلادنا ، منذ حكومة التناوب ، عدة مكتسبات ، وتحققت بشكل متواصل خلال سنوات العهد الملكي الجديد ، مكتسبات مرتبطة بالذات ، وبتقوية الذات المغربية ، وذلك من خلال مبادرات ملكية أساسية ورائدة ، مبادرات جعلت المغاربة ينخرطون في التطور المنشود لتقوية أواصر الانسجام المجتمعي ، وهم يتأكدون من وجود إرادة فعلية في تعميق توجه المصالحة لفائدة مستقبل البلاد ككل .
وهذا التوجه ، توجه المصالحة مع الذات ، طبع العلاقات مع الأقاليم ، ان ديناميكية مستقبل المغرب رهينة بالبحث عن نوع من التوازن بين الجهات والاعتراف بالبعد الوطني لكل المناطق المكونة للمملكة . وفي هذا الاتجاه برز الاتجاه الجديد لتوظيف الجهوية لإعطاء المغرب أداة جديدة لتقوية وحدته من خلال الاقرار بوجود خصوصيات جهوية تكون عامل تمنيع وحدة البلاد ، والاعتراف بمتطلبات إمكانيات الإنتاج والإبداع والابتكار داخل مختلف الجهات ، أخذا بعين الاعتبار التطورات الحديثة في التدبير الترابي للأمم ، وكذلك إبراز ترسخ النهج الديموقراطي المغربي في ارتباطه مع مستلزمات تمنيع كل جهات البلاد بمقومات المشاركة في مجهود التنمية المستديمة وتطوير قدراتها الداخلية .
2- جهة الشرق وحكومة التناوب ؛
خلال حكومة التناوب اشرفت وزارة إعداد التراب الوطني والتعمير والبيئة والاسكان ، على حوار شامل حول مختلف المشاكل التي تعيشها مختلف الجهات من أجل بلورة الميثاق الوطني لإعداد التراب . وقد أسند إلى جهة الشرق آنذاك أربع محاور : استبدال نمط الإنتاج المنجمي ، السياحة الإستجمامية ، العقار كأساس للتنمية ، ثم المبادلات التجارية في إطار اتحاد المغرب العربي .
وقد توجت هذه الأوراش المهنية بمنتدى جهوي تم خلاله التركيز على موضوع الإقتصاد الحدودي .
والملاحظ هنا ، هو أنه خلال كل هذه الأشغال التي شاركت فيها فعاليات متعددة ومتنوعة من كل الجهة الشرقية تبلورت بعض المبادئ التي أصبح الحديث عن التنمية الإقتصادية والإجتماعية بدونها ليس له معنى.
وبالموازاة مع ذلك ، فإن اشغال مخطط تنمية وتهيئة الجهة الشرقية قد تقدمت بشكل ملحوظ ، وتجاوزت مرحلة التشخيص والمرحلة التحليلية إلى مرحلة توطين المشاريع .
ومن خلال هذين الأسلوبين في العمل ، استطاعت الحكومة آنذاك أن تفتح أوراشا مهمة شارك فيها أبناءالجهة الشرقية بأنفسهم .
إن الخلاصات الرئيسية تمثلت فيما يلي :
لا يمكن الحديث عن أية تنمية حقيقية دون بنية تحتية حقيقية تعتمد على ما يلي :
_ الطريق السيار وجدة _ الناظور .
_ السكة الحديدية تاوريرت _ الناظور .
_ تدعيم ميناء الناظور .
_ التخطيط السياحة استجمامية بالسعيدية.
_ تجهيز منطقة صناعية بأبركان .
_ الطريق السيار وجدة _ فاس .
_ الطريق الساحلي الشمالي .
إن التنمية الحقيقية هي تلك التي تكون متلائمة مع الإمكانيات الطبيعية والبشرية للجهة : الفلاحة ، السياحة ، الصناعة المتوسطة والخفيفة ، الخدمات ….
3- المغرب اختار الجهوية لإصلاح الدولة ؛
إن المغرب عندما اختار الجهوية ، فإن اختياره لم يحدد من خلال اسباب مجالية فقط ، أو إقتصادية فقط ، بل اختار الجهوية لإصلاح الدولة المغربية . إن إصلاح الدولة المغربية من خلال البناء الجهوي ومن خلال اعتماد الجهوية هو الذي سيعزز دمقرطة الدولة المغربية ، وهو الذي يساعد على إرساء الأرضية الصلبة لتصبح الدولة المغربية في خدمة المجتمع المغربي . فتطوير الجهة يعد مدخلا بنيويا للإصلاح السياسي العام ببلادنا .
إن بناء المغرب على أسس متقدمة يقتضي تمكين الجهة من كل أنواع السلطات لتكريس الفعل الديموقراطي ، بما فيها السلطات السياسية ، وهذا يفرض تأهيل المؤسسات الجهوية ، وهو معطى رهين بتطور البناء الديموقراطي ببلادنا . نؤكد ضرورة إنضاج الشروط التي تمكن الجهة من أن تصبح سلطة فعلية في الجوانب التي تهم الحياة العامة للمواطن إذا أردنا الإستمرار في بناء دولة الحق والقانون ، وهذا يعني إعادة توزيع السلطة السياسية والاقتصادية والثقافية بالمغرب .
تاسيسا على هذا نعتبر هذا الإختيار إطار مناسبا لجعل المواطن المغربي يشعر بقوة إنتمائه محليا ، جهويا وكذلك وطنيا .
إن الجهوية ، إذن ، ستساعدنا على إعطاء محتوى ملموس للمواطنة الجديدة .
ونحن ننشد تنمية جهة الشرق علينا أن نأخذ بعين الاعتبار هذا الإختيار الجهوي كاختيار وكمنهجية لتنمية جهة الشرق. من هنا مطلوب منا وضع مخطط تنموي يروم النهوض بالجهة . هذا المخطط التنموي الذي يجب أن ينطلق من إمكانات الجهة ، وهي متنوعة بطبيعة الحال ، فهذه الجهة لها ما يكفي من الإكراهات ، لكن ، مقابل ذلك ، لها أيضا ما يكفي من الإمكانات الطبيعية والمعدنية والطاقية والبحرية والسياحية ، وقبل هذا وذاك لها ما يكفي من الحس الوطني والدسامة التاريخية ، الأمر الذي بوأها دائما مكانة خاصة في نفوس جميع المغاربة ، وأنها فضلا عن هذا كله تزخر بطاقات بشرية مشرفة .
لنا الوسائل ، لنا القدرة والإرادة السياسية متوفرة لجعل هذا المخطط التنموي المندمج في إطار تعبئة كل الفئات الاجتماعية التي تطمح إلى تعزيز موقع الجهة الشرقية .
من هنا ضرورة انخراط المواطنين في التأهيل الشامل لجهة الشرق ، لأن الرهان على جهة الشرق كقطب اقتصادي تنموي مرتبط بالتأهيل السياسي لهذه الجهة ، وهذه مهمة منوطة بالقوى الحية لهذه الجهة ، بقوى الحداثة والديمقراطية وفي طليعتها الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية .
4- مجلس جهة الشرق خارج زمن الجهوية المتقدمة ؛
من خلال قراءة بسيطة لمكتب مجلس جهة الشرق الذي تم انتخابه أو تعيينه يوم الثلاثاء 9 يوليوز 2024 ، وعندما نتحدث عن المجلس نتحدث عن مكوناته السياسية ، التي ما زالت بعيدة كل البعد عن استيعاب فلسفة الجهوية المتقدمة التي انخرط فيها المغرب ، وتعتبر اختيارا استراتيجيا للدولة ، تحول ( مجلس جهة الشرق ) إلى مجرد مجلس جماعي صغير ، لمناقشة المشاكل البسيطة التي يمكن حلها من طرف الجماعات ، عوض الانكباب على ممارسة الاختصاصات والصلاحيات التي خولها الدستور لمجالس الجهات ….مجلس جهة الشرق خارج زمن الجهوية المتقدمة .
الأحزاب السياسية المتغولة على مجلس جهة الشرق مسؤولة بالدرجة الأولى عن الأعطاب التي تعرفها الجهة ، لأنها لم تقدر على ترشيح نخب تتوفر فيها شروط الكفاءة والنزاهة لاستيعاب فلسفة الجهوية … جهة الشرق ، التي يقبع رئيسها داخل السجن ، واضطرت وزارة الداخلية لإقالته وكل مكتب مجلس الجهة ، وجدت نفسها عاجزة عن انتخاب رئيس جديد و مكتب جديد بمقاييس الكفاءة العلمية والسياسية والتدبيرية والاخلاقية ، جهة فرض عليها الفراغ ، جهة مجلسها الجهوي التي عجز وسيعجز أكثر عن وضع برامج تنموية جهوية ، هنا المشاريع دبرت وستدبر بمنطق « الغنيمة « .
اليوم ونحن نعيد قراؤة تشكيلة مكتب مجلس جهة الشرق يتبين لنا أنه تم تقسيم جهة الشرق الى جهة نافعة وأخرى غير نافعة، أي تم التركيز على ثالوث بركان – الناظور- وجدة ، ونسيان ثلثي التراب الشرقي (جرادة، فكيك، تاوريرت، دريوش وكرسيف ) إذ تم تغييب تمثيلية أربع أقاليم ( دريوش ، فكيك ، جرادة وجرسيف ) في مكتب مجلس جهة الشرق ، وهي الأقاليم الأضعف في الجهة وتحتاج إلى برامج تنموية تخرجها من البؤس والتهميش ، لكن يظهر أن أحزاب التغول لا تهمها تنمية جهة الشرق ولا تنمية أقاليمها …همها الوحيد والأوحد هو توزيع الغنائم !!!!
5 – حراك تنظيمي إقليمي؛
إن الدينامية التنظيمية الحزبية التي أعطى انطلاقتها الكاتب الأول تتضمن وعيا تنظيميا جديدا ومؤشرات لرؤية سياسية جديدة…وتتسم بالجرأة العالية في اعمال آلية النقد الذاتي ، والمنهجية الواضحة في رصد مكامن الخلل داخل الجسم الحزبي وفي رسم معالم الطريق للانفتاح على المواطنين ، إنها خلاصة لتجربة واستشراف لوعي ؛ ومن ملامح هذا الوعي الجديد ، اعتماد مقاربة جديدة في بناء الحزب ، توسيع دائرة الانخراط النوعي ، تجديد العلاقة مع المجتمع ، إبداع أساليب جديدة للتواصل مع المواطنين وتوسيع المشاركة السياسية …من هنا تروم هذه الدينامية الحزبية الجديدة ، على المستوى التنظيمي والسياسي تحقيق أهداف رئيسة :
– الوعي التنظيمي الجديد ؛
– التحضير لانتخابات 2026 ، اليوم وليس غدا ؛
-تقوية وسائط القرب؛
الانطلاق من الأساسيات والقطع مع لغة البيانات والمناشير ؛
– العودة القوية إلى المجتمع ؛
– تعزيز التموقع في المؤسسات .
– لا خوف من الانفتاح ، فالخوف الحقيقي من الجمود والانغلاق لأن الحزب الذي لا ينمي نفسه ، كما وكيفا ، محكوم عليه بالانكماش ثم الانقراض ، فالحزب لا يمكن أن يشتغل بالموروث ، حتى ولو كان هذا الموروث بشريا ، وليبقى هذا الموروث حيا يجب ان يستمر في الأجيال اللاحقة…مناضل الأمس ليس هو مناضل اليوم وقطعا لن يكون مناضل الغد….فلم يعد مسموحا لأي حزب ان يؤطر المجتمع وان يشارك في تشكيل المؤسسات إذا لم يكن حزبا كبيرا مفتوحا ، منفتحا ، ومستعدا لاستقبال كل المواطنين الذين يعبرون عن اقتناعهم بمبادئه والتزامهم بخطه وإرادتهم في الفعل المشترك…
إن الحزب الذي لا يستطيع أن يتجدد بشكل كمي وكيفي واسع ، محكوم عليه بالفناء ، من هنا وجب زرع دم وروح جديدين في الاتحاد الاشتراكي باستقباله لمناضلين جدد ، ونعتبره استقبالا لفعاليات جديدة وأفكار جديدة
إن الانفتاح على الكفاءات والفعاليات داخل المجتمع يستدعي قبل كل شيء القطع مع أساليب الانغلاق …إن الاتحاد الاشتراكي ليس بنية منغلقة ، ليس أجهزة يتربع عليها زعماء احترفوا السياسة ، إن الاتحاد الاشتراكي بيت مفتوح وحق مشاع لكل المغاربة المؤمنين بقيم الديموقراطية والحداثة والعدالة الاجتماعية….
يقول ذ إدريس لشكر أمام مجلس وطني سابق :(فيما يتعلق بالتجديد التنظيمي ، فإننا نطمح من خلاله إلى تفعيل خارطة الطريق التنظيمية ، بخصوص إعادة هيكلة لأجهزة الحزب التسييرية في الفروع والأقاليم والجهات ، فأنتم تعلمون أن الجهاز الحزبي له أهميته في تنشيط الحياة الحزبية ، وتدبير الشؤون المحلية ، وفي التخطيط للمعارك الانتخابية وتاطير الأنشطة المؤسساتية والنضالات الجماهيرية في الميدان ، لذلك يتعين الحرص على أن تكون هذه الأجهزة تتمتع بكامل صلاحياتها الوظيفية وقدراتها التدبيرية وكفاءتها القيادية ، وهو ما يتطلب ليس فقط الاقتصار على عقد مجالس ومؤتمرات للترميم والتطعيم واعادة توزيع المهام ، وبعده الجمود والانغلاق ، وإنما يتطلب الأمر بالضرورة قدرا من الانفتاح والتجديد والتشبيب ، حسب الإمكانيات والسياقات المحلية .
على اننا لا يمكن أن نذهب الى المؤتمرات الإقليمية ، بدون تصورات مستقبلية والتزامات واضحة ودقيقة ، بخصوص توسع التنظيم وإنماء العضوية ، لا بد اخواتي اخواني ان تنتخبوا في فروعكم واقاليمكم وجهاتكم أجهزة قيادية تلتزم معكم على برامج وتعاقد مع قواعدها على مخططات بشأن انفتاح التنظيم وتوسيع قاعدته وتنويع قطاعاته وتنمية عضويته…)؛
إن هذه الدينامية التنظيمية ، التي أعطى انطلاقتها الكاتب الاول من جهة الشمال ، لا تتوخى مجرد الزيادة في عدد منخرطي حزبنا، وإنما تسعى إلى استثمار هذا التراكم التنظيمي في تجربتنا الحزبية من ان نجعل الاتحاد الاشتراكي اليوم ، وأكثر من اي وقت مضى ، مجالا حيويا للشباب والنساء والكفاءات الجديدة ، مجالا اكثر تفتحت لتعبئة الطاقات وابتكار الحلول واقتراح البدائل ..ان هذه الدينامية منهجية جديدة في تدبير العضوية، وهي جديدة بالمعنى الديالكتيكي ، بمعنى التطور النوعي…
إن هذه الدينامية التنظيمية ، هي في صميمها عملية كبرى ، عملية ذات صبغة تنظيمية وسياسية ، ولها بعد استراتيجي واضح ، لهذا مطروح على الاتحاديين والاتحاديات اعتبار إنجاح المبادرة مهمة تاريخية ؛ حزبيا و وطنيا …وانجاحها يقتضي الثورة على العقل الدوغمائي والجمود التنظيمي ، يقتضي العقل الجدلي والحركة الدينامية ، يقتضي تحديثا للبنية الحزبية وتجديدا لاساليب الحوار والتواصل ؛
إن هذه الدينامية التنظيمية ، إغناء للهوية الاتحادية وطريق صحيح لتجسيدها في الواقع ، انها مبادرة شجاعة لمواجهة قوى الارتداد والمحافظة …ان مبادئ الحزب ، ان هوية الحزب يمكن قتلها بالجمود والمحافظة ، وبالتوقف عن المبادرة ومحاربة الانفتاح ، وكل توسع وامتداد هو دفاع عن هذه الهوية وإغناء لها …إن الاتحاد الاشتراكي يبادر ، وهذا قدره ، والآخرون ينتظرون ويتفرجون …المستقبل يتكلم لغة اتحادية ..
حراك تنظيمي ، رسائل سياسية ، استلهام التاريخ لبناء المستقبل …رفع التحدي لكسب رهان الاستحقاقات القادمة …هذا الحزب سينتصر …
إن الاتحاد الاشتراكي هو ملك لكل المغاربة وليس ملك نفسه ، وهو بذلك معني ، من وجهة نظر التاريخ ، ليس بمصيره الخاص فقط ، بل بمصير العائلة الديموقراطية كلها والعائلة التحديثية بشكل عام ، وعلى هذا الأساس ينظر إليه كرقم أساسي في أجندة البلاد …
الرهان على جهة الشرق كقطب تنموي مرتبط بالتأهيل السياسي لهذه الجهة

الكاتب : عبد السلام المساوي
بتاريخ : 04/06/2025