الروائي الأردني مصطفى القرنة لجريدة الاتحاد الاشتراكي

الرواية لم تكن وليدة الصدفة، إنها اختيار ركزت فيه على الأبعاد
الإنسانية ومعاناة المغاربة المحتجزين بتندوف

الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية هو الحل الوحيد لمشكلة الصحراء

 

في إطار زيارته للمغرب من أجل توقيع روايته الأخيرة « فوضي في حديقة الشيطان»، شارك مصطفى القرنة، رئيس اتحاد الكتاب الأردنيين سابقا، في عدد من حفلات التوقيع لهذه الرواية الجميلة والمتميزة بعدد من المدن المغربية، انطلاقا من المكتبة الوطنية بالعاصمة الرباط ووصولا إلى مدن الأقاليم الجنوبية، هذه الرواية لاقت نجاحا كبيرا حيث ترجمت إلى اللغة الإنجليزية، وفي طريقها للترجمة كذلك إلى عدة لغات، كاللغة الصينية مثلا. سر نجاح هذه الرواية أنها تتطرق، بسرد أدبي جميل، إلى المعاناة الإنسانية للمغاربة المحتجزين بمخيمات تندوف وإلى المأساة التي يعيشها الأطفال والنساء وترحيلهم إلى دول أمريكا اللاتينية من أجل شحنهم إيديولوجيا وتدريبهم عسكريا ليحاربوا الوطن الأم المغرب.
بهذه المناسبة كان لجريدة «الاتحاد الاشتراكي» لقاء مع الروائي الأردني مصطفى القرنة وأجرت معه هذا الحوار.

 

p في البداية دعنا نتعرف على علاقة مصطفى القرنة بالمغرب؟

علاقتي المغرب، علاقة قديمة، ولي أصدقاء كثر فيه، ولاشك أن ذلك جعلني على دراية بما يدور في عدد من المدن المغربية التي زرتها، فمثلا زرت طنجة عدة مرات، وكتبت عنها رواية بعنوان «دموع على حدود طنجة»، التي تتحدث عن تاريخها في زمن وباء الطاعون، لقد سحرني هواء طنجة وماؤها، ما جعلني أفكر في الكتابة عنها أكثر فأكثر، ثم زرت ساحة جامع الفنا بمدينة مراكش، وبهرني تاريخ المدينة العريقة، وانفتاح التاريخ أمامي على مصراعيه، وسرت في شواطئ البيضاء ورأيت بحرها وناسها، وسمعت حكاياتها، من كبارها، فكانت لي رواية «قرد في مراكش»، أما الرباط فقد وجدت الخضرة ، والحضارة، والمدينة البهية المتطلعة إلى الحياة.

p لاشك أن كل عملية إبداعية يسبقها مخاض عسير وفي ما بعد تكون الولادة للمنتوج، هل يمكن أن تحدثنا، كيف جاءت فكرة رواية «فوضى في حديقة الشيطان»؟

فكرة الرواية ببساطة أنني عشت في الصحراء، وعاشت هي في، وعثرت عليها وهي عثرت علي، وكأن الأمر على هذا النحو، ففكرت في الكتابة منذ فترة طويلة، وبدأت بطنجة ومراكش وكتبت عن الشمال وعن الوسط وبقي الجنوب الذي استهوتني رماله وشدني عالمه، فأخذني غموضه إلى عوالم كثيرة، واستعدت ما مر معي من لقاءات في ذلك العالم اللامتناهي والفناء الجميل الملهم، واستمعت للضحايا، وقاربت به عالمي، عالم الحرية الرحب والمظاهر الحضارية من مستشفيات ومدارس وجامعات في الجانب المغربي، والفقر والحرمان في الجانب الآخر، ورأيت أن الحكاية ببساطة لم يكتب عنها أحد بطريقة إبداعية، وعلى شكل رواية، وقلت لنفسي إن الأمر يستحق هذه الرواية.

p لماذا اختيار مأساة ومعاناة إنسانية حقيقية لتكون هي أساس روايتك، وهل كنت تنتظر هذا النجاح الذي لاقته ؟

اختيار المآسي كمادة للرواية لم يكن وليد صدفة، فلقد ركزت فيه على الأبعاد الإنسانية، الأطفال الذين يرحلون قسرا إلى أمريكا اللاتينية، ويتم تشغيلهم في الحقول تحت الشمس الحارقة، وتدريبهم هناك على السلاح من أجل محاربة وطنهم الأم المغرب، الأب يمد يده إلى أطفاله، وهم يبكون فوق الشاحنة التي تتوجه بهم مسرعة إلى المخيمات والأطفال يمدون أيديهم، لكن الشاحنة سائرة أمام الجميع، لم يكن السائق وقتئذ يراعي دموعهم، وصراخهم، ومر أربعون عاما والأب يمد يده والأطفال كبروا ونهشتهم الأمراض وهم يعيشون على أمل العودة إلى وطنهم المغرب دون جدوى.

p هل يمكن باختصار إطلاع القراء على مضامين وشخصيات ووقائع هذه الرواية «فوضى في حديقة الشيطان»

إنها سردية الصحراء من خلال عائلة صحراوية، ابنها الصغير أحمد يرحل قسرا، إلى أمريكا اللاتينية، طفل صغير نموذج لأطفال كثر، هؤلاء الصغار يتدربون تدريبا عسكريا لمحاربة وطنهم الأم المغرب، وينقلون إلى دواوير نائية، ومزارع بعيدة، ليبقوا عاما آخر، يذهبون في عطلة لكنهم لا يعودون أبدا، ويعيشون وسط عائلات في إسبانيا وغيرها من الدول، في خيمة يعاني بقية أفراد العائلة الحرمان والقهر والتنكيل، فكثير من المساعدات تنهب لصالح المتنفذين الذين يستفيدون منها، ولا تنال العائلة منها سوى النزر اليسير، لكن سوء الطالع يلازم العم سالم الذي يعود ويلاقي التعذيب والموت وتستمر سردية الرواية، إلى أن يعود البطل أحمد إلى وطنه الأم المغرب.

p كيف استطاع المؤلف مصطفى القرنة، أن يوفق ويمزج بين ما هو أدبي وفني ووقائع وقصص معاشه على أرض الواقع، في العملية الإبداعية الخاصة بهذه الرواية؟

العمل الإبداعي إذا عرف المؤلف طريقة وسبر أغواره، لن يواجه مشكلة، خصوصا إذا ما تحدث مع الضحايا والأماكن، واسترجع حكاياتهم المؤلمة، وقد استمعت للكثير من المصادر وتشكلت لدي الرؤية الإبداعية في هذه الرواية، فهي تتحدث عن نفسها وتفوح منها رائحة الألم والمعاناة التي تلازم كل شخوص الرواية، الذين تعتمت الآفاق في حياتهم ولم يروا بصيص ضوء إلا من خلال العودة إلى وطنهم الأم المغرب، الوطن الرحيم بأبنائه الذي احتضنهم بعد غياب وغفر لهم كل ما سبق.

p زرتم عددا من المدن بالأقاليم الجنوبية المغربية، هل يمكن أن تحدثنا عن بعض التفاصيل المتعلقة بهذه الزيارة؟ خاصة بعض الأنشطة التي قمتم بها في إطار الائتلاف من أجل الحكم الذاتي؟

كانت زيارة غنية ثرية بكل ما في الكلمة من معنى، رأيت مدنا تزهر وتنمو، مدينة العيون مدينة البحر، بها أكبر مكتبة في إفريقيا وهو توجه من أجل الاهتمام بالقلم في هذا الجزء من المغرب، وكلية الطب التي تزهو بجانب البحر، ورأيت مناخا فريدا لم أره في مكان آخر، ونهضة عمرانية وعملا دؤوبا، من أجل ازدهار المدينة التي أصبحت عصرية شوارعها ومساجدها وفنادقها، أما طرفاية فهي مدينة لها خصوصية، مدينة ساحرة تنعم بالأمن والازدهار وتكبر شيئا فشيئا، وفي بوجدور كانت مصانع تعليب السمك تتربع على مساحة كبيرة وما يساعد على استقراءات عظيمة، وما رأيناه بالسمارة، حكاية أخرى، فالمدينة في حركة دائمة وبناء مطرد، ولم تكن الداخلة ببعيدة عن هذا الأمر، ففيها أكبر ميناء في إفريقيا يتم العمل فيه على قدم وساق، ما يؤشر على مدينة عصرية كبيرة.

p كلمة أخيرة

في كلمتي الأخيرة أقول إن الحكم الذاتي هو الحل الوحيد لمشكلة الصحراء، الحل الذي يمثل المنطقة ويرضي الجميع، وينهي هذه المأساة، فهو الشجرة التي تظلل الجميع، الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية سيكون بارقة أمل للجميع .


الكاتب : حاوره: عبد الحق الريحاني

  

بتاريخ : 11/06/2022