كان الروائي الكبير صنع الله ابراهيم قد تحدث لـ في ربيع 2011 بعد أشهر من اندلاع ثورة 25 يناير عن حلم الشعب المصري بالتغيير وإجباره الرئيس الأسبق حسني مبارك على التنحي عن الحكم. بعدها انقضى عامان عرف المصريون خلالهما حكم المجلس العسكري ثم حكم الرئيس الأسبق محمد مرسي وجماعة «الإخوان المسلمون». تناول الكاتب اليساري هذه الخبرة في محافل مختلفة.
وفي عام 2014 صدرت آخر رواياته «برلين 69» عن دار الثقافة الجديدة. واليوم، وبعد ما عاشته الثورة من هزات وقلاقل يوجز لنا صنع الله ابراهيم رأيه فيما اَلت إليه الثورة، وما تحقق أو لم يتحقق من مطالب الذين احتشدوا في ميادين مصر حينها يهتفون للعيش والحريّة والعدالة الاجتماعية والكرامة الانسانية.
p ذكرت في حوار لك في ماي 2011 أنك لا تعتبر أحداث 25 يناير ثورة، وإنما انتفاضة شعبية لتغيير النظام. هل لازلت تراها كذلك في ظل التطورات الراهنة؟ هل تعتقد أن الثورة فجرت أحلاماً وتوقعات ربما كانت غير واقعية؟
n سواء كانت ثورة أو انتفاضة فإنها كانت نتيجة طبيعية لأربعين عاماً من القهر والاستغلال على يد نظام السادات-مبارك. وبالفعل فجرت أماني واقعية تماماً. كيف يمكن اعتبار التطلع إلى معيشة إنسانية أمراً غير واقعي؟
p وفي نفس السياق هل تعتبر مظاهرات 30 يونيو 2013 أيضاً حراكاً شعبياً وهل تراها امتداداً لما حدث في 25 يناير أم منفصلة ومختلفة عنها؟
n بالتأكيد مظاهرات 30 يونيو 2013 هي حراك شعبي وامتداد لانتفاضة 25 يناير. فبعد عام من حكم الإخوان تبين للشعب أن هذا الحكم هو ضد كل ما ثار من أجله في 2011 وعودة إلى الخلف عدة قرون. ويكفي أن نظام الاخوان كان مؤيداً ومدعماً سياسياً من الولايات المتحدة والغرب.
ما يميز 30 يونيو عن 25 يناير هو انضمام الجيش بقوة إلى الحركة لمصلحته الخاصة بالطبع. وهذا ما خلق التمييز بين الاثنين فالجيش لم يشترك في الحركة الأولى كما أن الأخوان الذين انضموا متأخرين إلى ثورة 25 يناير لم يشتركوا بالطبع في 30 يونيو. ومن ناحية أخرى رأت قوى الفلول في الحركة الثانية فرصة للنجاة واستعادة السلطة المهتزة ولهذا تتعمد خلق التمييز ودعمه بل وتبني 30 يونيو.
p كان لك موقف واضح في دعم السعي لتغيير سلطة الإخوان .. هل مازلت تدعم هذا المسار؟
بالتأكيد. لقد كان تغيير سلطة الأخوان ضرورياً والصراع ضدهم هو صراع ضد الرجعية والهيمنة الأجنبية. من ناحية أخرى فإن نظام السيسي تكشف الآن عن أنه في الحقيقة امتداد لنظام مبارك.
p ظهر عبد الفتاح السيسي في فترة حكم الأخوان كقائد للجيش غير معروف جماهيرياً ثم أصبح يعتبر عند الكثير بطلاً شعبياً بعد إقصاء الإخوان من الحكم. ما تقييمك له بعد سنة من رئاسته؟ ما تقييمك لعلاقة السيسي بالتيارات السياسية في مصر وهل تراه أقرب للتيار الثوري أم للتيار المرتبط برأس المال أم ما تبقى من تحالف 30 يونيو؟
n هو أقرب إلى التيار المرتبط برأس المال. هذا ما تدل عليه الإجراءات التي اتخذها ( والتي لم يتخذها أيضاً). فمثلاً لم ينفذ حتى الآن الحد الأدنى والأقصى للأجور وزاد الاعتماد على الشركات الأجنبية وأصدر قوانين للضرائب في مصلحة رأس المال والتصالح مع من نهبوا أموال الشعب وتمت تبرئة رموزهم بدعوى القانون وملاحقة وسجن رموز الثورة. وتم الأنخراط فعلياً في المنظومة الرجعية لقوى الخليج (العدوان على اليمن) والعودة إلى معاداة إيران بعد بوادرالمصالحة معها. وأخيراً دعم العلاقات السياسية (والعسكرية خاصة) بالولايات المتحدة وفرنسا، ألمانيا وانجلترا.
p ما هي في رأيك أسباب مقارنة البعض بين الرئيس الراحل جمال عبد الناصر والرئيس السيسي وهل ترى أوجهاً للتشابه بين الرئيسين او بين تجربتيهما؟
n شيء واحد يجمع بين الاثنين هو الرغبة في الانفراد بالسلطة وقمع كل القوى المعارضة والمنافسة سواء كانت يميناً أو يساراً. أما فيما عدا ذلك فلا وجه للشبه. التجربتان مختلفتان من كل النواحي. عبد الناصر نشأ في بيئة ثورية واشتبك في معارك ضارية مع الطبقة الحاكمة والقوى الأجنبية وسعى إلى تحقيق تنمية اقتصادية مستقلة ونوع من العدالة الاجتماعية وتحديث البلاد أما السيسي فقد نشأ في حضن نظام مبارك بل قمته ولا تبدو حتى الآن أي مؤشرات عن اتجاهات مختلفة عن ذلك لديه.
p بعد وصول العلاقة بين النظام والإخوان المسلمين إلى الحالة الراهنة كيف ترى المخرج؟
n الأصح الحديث عن العلاقة بين الشعب ( وليس النظام فقط) وبين الإخوان المسلمين. وليس هناك مخرج في رأيي غير أن ينبذ الأخوان العنف ويندرجوا في العملية السياسية السلمية.
p كيف ترى مستقبل تيارات الاسلام السياسي في مصر وهل ترى ملامح أفكار جديدة على الساحة السياسية أم أن ما يجري هو محاولات إحياء أفكار قديمة؟
سيستمر تيار الإسلام السياسي طالما تأخر تحديث البلاد (في مجالات التعليم والإعلام والتصنيع ومستوى المعيشة). وهناك بالفعل بين الشباب اجتهادات لبلورة أفكار تستجيب للتغيرات التي طرأت علي الواقع.
p هل تتفق مع الكاتب الصحفي الأستاذ محمد حسنين هيكل في تصريحه بأن القضية الفلسطينية لم تعد هي القضية العربية الأولى؟ وما هو تصورك لمستقبل علاقات مصر وإسرائيل؟
n تصريحه هو قراءة سليمة للواقع. ولا أتصور قيام علاقات طبيعية بين مصر وإسرائيل إلا إذا تخلت إسرائيل عن سياستها العنصرية وهذا أمر مستحيل.
كيف ترى المزاج المصري تجاه القضية الفلسطينية حالياً؟ هل تغير؟
المصريون ملوا الحديث عن القضية الفلسطينية وانشغلوا أكثر بشأنهم الخاص وبالتغيرات المفاجئة في المواقف والسياسات. وقد حدث هذا من قبل عدة مرات أولها بعد 48 وأهمها بعد وفاة عبد الناصر وانطلاق الثورة المضادة بقيادة السادات الذي رفع شعار مصر أولاً واجتذب ملايين المصريين الذين عانوا من آثار هزيمة 67. لكن الأمور تغيرت بعد الانتفاضة الفلسطينية التي اجتذبت تعاطف المصريين وزادت من وعيهم. إذن فالأمر يتوقف على أداء الفلسطينيين أنفسهم ثم الحراك الثوري بين المصريين وإدراكهم أن الأمر يتعلق أساساً بأمنهم القومي ومستقبلهم وليس فقط بجار ما.
p نعود الآن إلى مصر وعالم الأدب: ذكرت في حوار لك في 2013 أن الكتابة تحتاج إلى رؤية شاملة للأحداث و قلت في ندوة أنوار الشرق الأوروبي في المركز الثقافي الفرنسي بالقاهرة قبل أسابيع إنك لم تكتب عن سنوات الثورة حتى الآن «ربما لأنها مبهمة» او «لأن المأساة كانت أكبر مما تحتمله». ماذا تعني بهذا التعبير؟
n ليست الكتابة عن حدث ما محتمة. هناك عديد من العوامل التي تدفع الكاتب إلى الكتابة عن موضوع معين.
p تناولت في كتابيك الأخيرين ”الجليد“ و”برلين 69“ التجربتين الروسية والألمانية وأشرت في حديثك الأخير إلى دروس مستفادة للوضع المصري فما هي هذه الدروس؟ لماذا اخترت هذه الأحداث التاريخية الآن بالذات؟
n هناك عدة دروس أهمها خطر انفراد مجموعة سياسية ما (وزعيم ما) بالقيادة دون مشاركة بقية الفئات. ثم تجاهل قانون أساسي في الفكر الماركسي وهو نفي النفي بمعني أن حل متناقضات لحظة معينة (بالتغيير أي الثورة) سيخلق تناقضات جديدة تتطلب الحل ايضاً أي أنه لا توجد ثورة حاسمة وأن العملية الثورية تظل مستمرة ( أي التمرد على الأوضاع القائمة) استمرار الحياة ذاتها. درس آخر هام هو التدريب على العمل الجماعي وتخفيف النزعات الذاتية والتصورات المبالغ فيها للقدرات الشخصية.
p فقدت مصر هذا العام العديد من رموز الأدب مثل الشاعر أحمد فؤاد نجم والشاعر عبد الرحمن الأبنودي والروائية رضوى عاشور. من ترى من الأدباء على الساحة الآن من يستطيع حمل لواء التجديد والتطور في مصر والعالم العربي؟ كذلك يتردد كثيراً في مصر منذ 2011 أنه على المثقفين والنخبة مسؤولية إرشاد جماهير الثورة وفرز قيادات لها. هل لديك نفس التصور وهل تؤمن بهذا التمييز بين نخبة وجمهور؟
n ولماذا ننتظر ذلك؟ أعني لماذا يكون الأدباء هم الذين يحملون لواء التجديد والتطور؟هناك فئات أخرى في المجتمع قادرة على ذلك. والجماهير لا تحتاج إلى إرشاد وإنما إلى قيادات ليس بالضرورة أن تكون من حملة شهادات الدكتوراه. أعرف كثيراً من الأميين لكن مثقفين. المثقف هو القادر على التفكير واستخلاص النتائج.
الأحزاب مثلاً مفروض أن تقوم بهذا الدور لكنها للأسف فاشلة. الحديث إذن عن العناصر التي يمكن أن تفرزها المجالات المختلفة لما تتميز به من خصائص قيادية ولما تقوم به في خدمة الجماهير. أما الآن فالحديث عن مجال الثقافة. في هذا المجال الإنتاج الابداعي هو الفيصل.
p ذكرت مؤخراً ان الوضع في مصر يتلخص في كلمتين «الثورة مستمرة» ماذا تعني بهذا التعبير وما هي المجالات التي تظهر فيها هذه الثورة؟ هل تتوقع انفجاراً ما قادماً؟
n لم يحدث ولن يحدث أن كانت أي ثورة نهاية المطاف. تخلق أي ثورة أوضاعاً جديدة وبالتالي تناقضات جديدة وضرورة للتغيير. وبالتالي ففعل الثورة دائم. وطالما لم تتحقق مطالب 25 يناير واستمرت سيطرة الطبقة الحاكمة والهيمنة الأجنبية ستحدث انفجاراً.