بعد نجاح أغنية « قمري» من ألبوم «حين أهوى «، تعود «السوبرانو» سميرة قادري بعمل جديد عبارة عن كليب صورت مشاهده بجنوب إسبانيا .
هو عمل عربي أوركسترالي مخضرم في قالب «التانغو» المرح، من كلمات الشاعر اللبناني محمد موسى حمود، ومن تأليف موسيقي أوركسترالي للمبدع مصطفى مطر.
لا تغيب سميرة كثيرا حتى تعود لتقدم عملا يستدعي التوقف والاهتمام، جديدها هذه المرة بعنوان» حين أهوى «، يقول عنه النقاد إنه إبداع في جو عشقي يغلب عليه طابع الحوار النغمي، فرضه عمق الكلمة الشعرية الفياضة، وتميزت جمله بطراوة الكلمة وسلاسة المعنى، قصيدة تجمع ما بين القوة والبساطة، بين الليونة والصرامة، أتاحت للمؤلف الموسيقي مصطفى مطر أكثر من فكرة في تلحينها .
في هذا اللقاء مع جريدة الاتحاد الاشتراكي تسلط سميرة القادري الضوء على هذا المشروع الفني وغيره…
هذا العمل هو عصارة تعاون فني ، أنتج عملا ضخما شارك فيه فنانون من المغرب ومن لبنان ومن هنغاريا، الألبوم يحتفي بالمقام الشرقي وبعمق القصيدة العربية، إنه مشروع متكامل يضم أعمالا غنائية مخضرمة ساهم فيها مبدعون عرب وأجانب .
سميرة القادري، في كل مرة، تأتي لتؤكد أنها مازالت أمينة لاختيارتها الراقية، لقد راكمت ما يكفي لتعلن بوضوح عن أسلوب وهوية إبداعاتها، التي تجمع ما بين الشرق والغرب دون السقوط في التغريب .
العمل الثاني من الألبوم، يؤكد عشقها للشعر الغنائي بلغة الضاد، والعمل هو محاولة للاقتراب أكثر من الشباب ومن الأذن المعاصرة بشروط إبداعية جيدة…
ما بين الأغنية الأولى والثانية، لا تخفي سميرة القادري هذا التواطؤ الروحي بين “السوبرانو” والملحن والشاعر الغنائي، وترى أنه توحد تام لهذا الثلاثي في أن يظل ثابتا ووفيا لفكرة اللحن الشفاف العذب، الذي يتسلل إلى الألباب بشكل عفوي وجذاب.
رغم ضخامة العمل بتوزيعاته الأوركسترالية، تقول سميرة القادري، فقد وظف مصطفى مطر المقام الشرقي بذكاء وتجنب إثقال الخطوط اللحنية بالهارموني، كما حافظ في كل الجمل اللحنية على عذوبة الصوت، وهو أساسي في النغم العربي.
“حين أهوى ” عمل مرح في قالب “تانغو” تخللته مقدمة تعبيرية تحاورت فيها الآلات الشرقية مع أخرى غربية، مقدمة ضخمة تعلن في الوهلة عن الأجواء العامة، حيث عمق وضخامة العمل بكل مواصفات الموسيقى العالمة العالمية، ألحان بسيطة لكن غنية على مستوى التوزيعات والانتقالات المقامية والإيقاعية، الخطوط اللحنية شفافة، وقد تعمد الملحن مصطفى مطر ذلك في أن يمنح الآلات الشرقية الدور الأساسي والمتفرد داخل الأوركسترا، ثم أعطى للصوت البشري كل إمكانيات الإبداع في أداء الجمل الموسيقية، لتصدح الفنانة بصوتها وبإحساسها، في أداء تعبيري بحس شرقي يختلف تماما عن تجاربها السابقة .
وهنا تعبر الفنانة إلى تجربة أخرى في مسارها أكثر نضجا كما تقول، بإصرار جماعي، مشيرة إلى أن العمل يختزل كل مقومات السهل الممتنع الماتع، رغم ضخامة التوزيع الأوركسترالي، العمل الفني لم يفقد من روعته، بل ظل وفيا لهويته وحافظ على خصوصية الموسيقى العربية . المشروع هو اجتهاد وتجربة جديدة بملامح عربية مغاربية متوسطية، وتبقى مراميه ثقافية يساهم بشكل أو بآخر في البحث عن جمهور راق متذوق وثواق للإبداع الجيد، وترى أن ألبوم ” حين أهوى” هو دعوة مفتوحة لنهضة موسبقية عربية بمقومات عالمية”.
هذا العمل، توضح أكثر، جاء في إطار مشروع متكامل خاص بمشروع ألبوم شاركت فيه مجموعة من الأسماء المبدعة من جنسيات عربية وأجنبية، كما تعاملت مع مبدعين من المغرب، لبنان، وتونس أيضا.
أنا أشتغل على مشاريع وليس على أغنية منفردة، تقول القادري، ولا أسعى أبدا إلى الركوب على الموجة الحالية، وهذا اختيار عن قناعة وإيمان، إذ اعتمد في تنفيذ أعمالي ومشاريعي على شروط الإبداع، لذا جاء هذا العمل، أولا للاحتفاء باللغه العربية وبالشعر الغنائي.
بطبيعة الحال، لقد بدأت مساري الفني بأعمال غير بسيطة، وهو اختيار صعب وشاق على أية حال، لكني مؤمنة بذلك، وبقيت وفية لهذا الاختيار، ومصممة في تنفيذه بشكل مستمر ومسترسل والمحافظة عليه، ولايمكن لي أن أتقلب وانتقل من نوع لآخر، فهناك دائما نقاط مشتركة في أعمالي، وهذا راجع إلى مجموعة من التراكمات.
هذا العمل، ممكن أن نقول عنه كما ترى السوبرانو،إنه يمثل مرحلة نضج في تجربتي، لأنني أعرف ماذا أريد أن أحقق، فهناك استراتيجية عمل مرسومة ومخطط لها ،وبالتالي كان لابد من البحث عن مؤلف موسيقي، وليس البحث عن ملحن، بمعنى أن القصد والغاية والهدف من وراء ذلك، هو البحث عن الاجتهاد والقدرة على تطويع القصيدة الغنائية في قوالب عالمية، حتى تتمكن هذه القصيدة المكتوبة باللغة العربية من العبور إلى ضفاف أخرى، ونعبر نحن معها أيضا، فهي تشبهنا وتعكس حضارتنا وثقافتنا.
هذا العمل ” حين أهوى “، تشدد سميرة القادري، جاء في إطار مشروع متكامل في كل مراميه، سواء كانت ثقافية، جمالية أو فنية، وفضلت الاشتغال على المقام العربي وصياغته في قالب أكاديمي أوركسترالي كي يصل إلى كل الناس، حتى إلى أبسطهم، وهذا ما يمكن أن نسميه بالسهل الممتنع، عمل بسيط في لحنه لكن التوزيع الأوركسترالي عميق وفيه اجتهاد كبير، وليس في مقدور الجميع القيام به، وهذا الأمر كان مقصودا، حيث وضعته في قالب “التانجو”، وهو قالب مرح وراق، جمله اللحنية يسهل حفظها، وكذلك من أجل التقرب إلى الشباب، واستهدافه، لعلنا نشارك ولو بشكل من الأشكال في إعادة تربيه الذوق الجميل الذي افتقدناه للأسف، لذلك فالأمر يشكل تحديا أولا مع نفسي، مما أدى بي إلى الاشتغال مع مؤلف موسيقي، وليس مع ملحن، والغاية هو صياغة القصيدة والمقام العربي في قوالب عالميه قابلة للكتابة الأوركسترالية، وهذا يغيب على الساحة، لأن ما يتطلب من المؤلف الموسيقي، هو الكفاءة والدراسة العليا، حتى يمكن له أن يحول اللحن إلى كتابة علمية، وقد تعاملت في هذا مع مصطفى مطر، وهو المعروف بالاشتغال على الموسيقي التصويرية، ومتمكن من أدوات اشتغاله، قادر على الكتابة والإبداع في الموسيقي التصويرية، وتعرف عليه الجمهور في أكثر من مسلسل، وكان اختياره من باب أنه قادر على تطويع وتفسير النغمة، ويجعل منها حوارات وصورا، وقد اشتغلت أيضا مع مجموعة من المؤلفين الموسيقيين من المغرب، فلسطين، سوريا، العراق…
جاء هذا الاختيار، لأننا نريد الاشتغال على القصيدة العربية، لاننسى أن الموسيقي العربية تعتمد على الحس، النغم والتطريب، فهناك خصوصية تتمتع بها، والعمل الجديد هو عمل مغربي مغاربي متوسطي عربي شرقي عالمي، فأعمالي الفنية تصل إلى الجمهور المتذوق سواء كان من الشرق أو الغرب، سواء أكان ضليعا في فهم المقامات أو له ثقافة موسيقية بسيطة.
دوافعي، توضح القادري، مرتبطة بشروط الإبداع، وكيف نستطيع الاحتفاء باللغة العربية، وبالتالي كما ذكرت، فالمؤلف الموسيقي هو المعني في هذا المجال، حتى تتمكن الأوركسترا من أداء الكتابة اللحنية، فالكتابة والتأليف ليس عملية بسيطة، وتستدعي كذلك الاجتهاد والابتكار، سواء في المقدمة الموسيقية أي الموسيقي الافتتاحية، التي يجب أن تستهوي المتلقي، وهي بمثابة الطعم الحقيقي في هذه العملية.
للأسف الشديد، ما يهيمن على الساحة الفنية، ليست الأعمال الراقية، وهذا دور الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، التي تبقى قنوات أساسية في تربية الذوق، لا ننسى أن الأعمال الراقية، كما هو الأمر بالنسبة لي، يبقى فيها الإنتاج مكلفا جدا، إذ يتطلب ذلك تأدية المستحقات المالية لأعضاء الأوركسترا التي تتكون من سبعين عازفا، إلى غير ذلك من المصاريف المادية، وقد سجلت أعمالي بودابيست بهنغاريا، وكنت أتمنى أن أسجل عملي هنا في بلدي المغرب، لكن مع كامل الأسف ليس هناك أوركسترا في بلدنا، مما يطرح السؤال على الوزارة المكلفة بالثقافة حول هذه النقطة، ولماذا نفتقر لوجود فرقة سمفونية تابعة لها، لماذا عزف الأعمال الغربية دون فتح المجال للأعمال العربية .
في المغرب نفتقر لمثل هذه الفرقة، بخلاف دول عربية شقيقة مثل تونس، الأردن، سوريا، العراق، كل هذه الدول لها معاهد عليا وفرق سمفونية رسمية، فلو كانت لدينا فرقة في المغرب، فلا شىء سيدعوني للذهاب إلى بودابيست.
العمل الجماعي والإصرار من أجل تنفيذ أية فكرة في هذا الميدان، ضروري جدا، وقد اشتغلت مع مؤلفين موسيقيين في السابق، واخترت العمل الآن مع مؤلفين موسيقيين آخرين، لأن الأمر يعود ربما للمزاج والارتياح لهم أكثر، وربما هناك تقاطع بيننا، من خلال التقاسم والإصرار والإلحاح، من أجل النهوض بالموسيقى العربية، وكفى من هذا التهريج والتسطيح.
بخصوص مشروعي الفني الجديد، وما إن كنت حريصة على التعامل مع أسماء فنية مشهورة ، أنا من الناس الذين لا يؤمنون بذلك، والدليل في هذا الشأن، أنني قدمت لأحد المؤلفين الموسيقيين مجموعة من القصائد، فاقترح علي أن اختار نصا من نصوص الشاعر نزار قباني، بحكم أنه شاعر معروف، فكان ردي أنني في حاجة إلى من يكتبون الشعر الغنائي، بعد ذلك تواصلت مع ورثة الشاعر نزار قباني، وقد أكد لي الورثة أنهم يبحثون عمن هم من طينتي وشاكلتي لأداء وغناء قصائد نزار قباني، لكن فوجئت بهم، لم يتعاملوا كأنهم أبناء هذا الشاعر الكبير، وطلبوا أموالا خيالية، وقد تقاسمت الموضوع مع الصديق عدنان ياسين، الذي شجعني على ذلك في بداية الأمر، لم أكن أتخيل أن يكون تعامل ورثة الشاعر نزار قباني بهذا الشكل، وهو ما عطل مشروعي شيئا ما للخروج إلى الوجود، وقد منحت ذات القصيدة إلى أحد الشعراء الذي اشتغل عليها وأعاد صياغتها، فكانت من أجمل القطع، ونالت إعجاب الناس، لذلك أشدد مرة أخرى، على أنني لا أبحث عن أسماء معروفة للتعامل معها، بقدر ما أفضل، وهذا شغفي الأول والأخير، الاشتغال مع من يتقاسمون معي نفس الرؤية والتجربة ونفس المغامرة في زمن التفاهة، لعلنا نشكل فلتة من الفلتات في هذا المجال.