« الارتقاء بالصناعة السينمائية وتنمية الإنتاج الوطني كما وكيفا مع توسيع ترويجه الداخلي وإشعاعه الخارجي مع تنظيم القطاع وعقلنة تدبيره»
«الكتاب الأبيض»
إن معظم المسائل التي تبدو غامضة في كل ما قيل وما يقال عن السينما المغربية، تدور أساسا حول سؤال المفاهيم وتأصيلها، فمفهوم السينما مثلا، يلعب دورا هاما في تاريخ السينما ككل، حيث أن كلمة سينما cinématographe وحدها تعني في معجم المصطلحات السينمائية، التسجيل الحركي، وتدل في الوقت نفسه على الأسلوب التقني و إنتاج الأفلام، وعرضها في المهرجانات و قاعات العرض،و حسب تاريخ السينما، فهي تعني مجموع نشاطات هذا الميدان، أي المؤلفات المفلمة داخل قطاع الفن السابع، وكانت تسمى قديما بيت الصور، أو مسرح الصور /ومعناه صناعة الصور المتحركة وعرضها للجمهور.
فما مفهوم الصناعة السينمائية ؟ وإلى أي مدى يمكن استخدام مفهوم الصناعة في السينما المغربية ؟ وما علاقته بالإنتاج السينمائي؟
وهل مفهوم الصناعة الذي وضعه المركز السينمائي المغربي في النصوص القانونية يؤصله في الساحة السينمائية؟
لم تكن السينما المغربية في يوم من الأيام وصفية خالصة، و إلا لأمكن اليوم من تقدم أنواع الأفلام، وذلك عن طريق تحديد النوع الذي تنتمي إليه، هل هي كوميدية أو رومانسية أو أفلام الحركة و المغامرات أو الرعب أو الأفلام التاريخية، و لا يمكن تحديد هكذا أنواع، بدون تأصيل المفهوم داخل الحقل السينمائي المغربي، فالسينما العالمية كانت دوما متعددة المستويات و الأنواع، وواضحة المعالم، لماذا ؟ لأن المراجع قائمة على بناء المفهوم داخل المنظومة السينمائية أولا ، كما أن السينما كلغة تقتبس من العلم، كما تقتبس تقنياتها من التكنولوجيا، أما كفن فتقتبس من الفنون،فصورة السينما ككل معناها، و ضعها في شكل ما يؤطرها بين الصناعة والإنتاج، هذا ما يجعلنا نتسائل عن العلاقة بين الصناعة والإنتاج.
مفهوم الصناعة السينمائية
عرفت أستاذة السينما بجامعة باريس ماري تيريز جورنو مفهوم الصناعة السينمائية ،باسم صناعة الصور المتحركة ، و هو مصطلح يشير إلى المؤسسات التجارية والتقنية التي تدخل في عملية إنتاج الأفلام ويشمل شركات الإنتاج، واستوديوهات الأفلام والتصوير السينمائي، وتحريك الصور، ومهرجانات الأفلام، والتوزيع ،والممثلين، والمخرجين، وغير ذلك من المداخلات…أما مفهوم صناعة الفنون كالرسم و النحث والعمارة، فيقصد بها الأنشطة التي يتم فيها تحويل المواد الخام إلى منتجات من خلال تقنية معينة و يندرج الإنتاج ضمن هذه الأخيرة.
هذان تعريفان يبدو أنهما الأبسط و الأقدر على إعطاء فكرة واضحة وعملية، عما هو عليه المفهوم، فالتعريف الأول نجده في المعجم عند ماري، حيث يصبح المفهوم بمثابة القواعد المؤسسة لوجود ما يسمى الصناعة، و تعتمد على وجود شراكات بين المؤسسات التجارية والتقنية للمساهمة في عملية إنتاج أفلام ضخمة عن طريق الاستوديوهات الكبرى التي تسهل عمليات تصوير الأفلام، و هو معناه أن مفهوم الإنتاج هو جزء من الصناعة السينمائية، لماذا ؟ لأن المفهوم هو الأقرب إلى الدالة الوظيفية التي تعتمد عليها الفنون البحتة و التي تعتبر قضية، و هذا يختص بتلك المفاهيم التي تتحول إلى متغيرات، أي مفهوم الصناعة السينمائية في المغرب نموذجا للدراسة.
مفهوم الإنتاج السينمائي
يعتبر الإنتاج السينمائي اليد المحركة لكافة المهن السينمائية القائمة على تنفيذ الفيلم حتى يصبح قابلا للعرض الجماهيري، أي أن بناء الفيلم من الفكرة إلى العرض قائم على عملية الإنتاج التي تتجلى في عدد الأفلام السنوية حسب التنصيف العالمي الذي لا يسقط مفهوم الصناعة على الأقل من مئة فيلم في السنة، فعدد الأفلام هو الذي يحدد مفهوم الصناعة السينمائية في بلد ما، و هذا ما يجعلنا نتسائل عن مفهوم الصناعة السينمائية في المغرب.
إن عملية صناعة السينما قائمة على إنتاج الأفلام، و هذان المفهومان مماثلان، حيث أن المفهوم لا يكون أبدا بسيطا كما يقول الفيلسوف جيل دولوز،فلكل مفهوم عناصر يتركب منها و يتحدد بها فعناصر تركيب مفهوم صناعة السينما، تحمل في طياتها استوديوهات التصوير، وشركات الإنتاج، و مخرجين و تقنيين وممثلين ومهرجانات وقاعات السينما، و تتحدد الصناعة بتحديد الأفلام، إنه رقم صعب إذا ، أي أن الصناعة تساوي عدد إنتاج أفلام يفوق عددها المائة فيلم في السنة،أما أقل من هذا العدد فيصنف ضمن خانة تسمى السينما التجريبية.
بين الصناعة والإنتاج
تهدف وزارة الاتصال من خلال الكتاب الأبيض في مخطط عملها الاستراتيجي إلى الحفاظ على المكتسبات والانجازات عبر إعادة بناء علاقة جديدة بين الجمهور والسينما المغربية من خلال تنظيم ودعم وعقلنة تدبير قطاع السينما ووضع البنيات التحتية والإجراءات القانونية والترويج الملائم، بما يجعل السينما المغربية مبدعة ومرآة للهوية المغربية ومساهمة في تعزيز القدرة التنافسية والإبداعية، والانتقال من الرصيد الكمي إلى الإنجاز النوعي.» الكتاب الأبيض»
تبنى العلاقة الجيدة بين الجمهور و السينما المغربية عن طريق جودة الأفلام، لا عن طريق الإنتاج ولا عن طريق الصناعة، إنما المواضيع التي تلامس مشاعر المجتمع المغربي، و هذا لا يأتي بدعم و عقلنة تدبير قطاع السينما، بل بتدبير عقلية كتابة السيناريو في السينما المغربية، ونأخذ الهوية كحجر أساس لهذه العملية، أما قضية الكم فهي قائمة على الصناعة، و قضية النوع فهي قائمة على تأصيل المفاهيم.
وضعت وزارة الاتصال هذا الكتاب للنهوض بالقطاع بغية إرساء صناعة سينمائية حقيقية والنهوض بالمركز السينمائي المغربي، في إشراك حقيقي لمختلف الفاعلين المؤسساتيين والمجتمعيين و قد وضع إستراتيجيات من بينها ارتفاع عدد الأفلام الطويلة والقصيرة المنتجة بمعدل 11 % سنويا، ومضاعفة عدد القاعات السينمائية المرقمنة ومضاعفة مداخيل القاعات السينمائية، و مضاعفة الاستثمار الأجنبي بالمغرب والرفع من مخصصات الدعم السينمائي ومضاعفة عدد المهرجانات السينمائية المدعمة ب 51 %، كل هذا حاليا في الميزان…
كل ما كتب في هذا الكتاب يندرج ضمن قضية الدعم و الإنتاج و التقدم إلى الأمام، وهي مفاهيم مركبة داخل منظومة الصناعة ككل، وحسب الموسوعة الحرة للمعلومات تُشير السينما المغربية إلى صناعة السينما في المغرب. و في الفترة ما بين 1958 و2018، تمكّن المغرب من إنتاج 372 فليما طويلا، كان عددها يتزايد من عشرية لأخرى إلى أن بلغ 20 فيلما طويلا في السنة، خصوصا بعد إحداث صندوق لدعم الإنتاجات السينمائية الوطنية ابتداء من سنة 1980، بالإضافة إلى إنتاج مئات الأفلام القصيرة والربورتاجات السينمائية المتنوعة وغيرها. وبلغ عدد مخرجي الأفلام الطويلة المغربية 172 في هذه الفترة، 149 ذكورا و23 إناثا.
لكن هل إنتاج ما بين 20 و 30 فيلما في السنة مؤشر على وجود صناعة سينمائية بالمغرب؟ وهل تم دعم قطاع السينما كما هو مخطط له؟ وأين وصلت الشراكات المؤسساتية بين شركات الإنتاج من أجل النهوض بالقطاع؟ و هل تمت هيكلة صناع السينما المغربية داخل صندوق الدعم، أما أن الأمر يقتصر فقط على بضعة مشاريع على رؤوس الأصابع ؟