تعيش قصيدة النثر السعودية اليوم زخما لافتا من خلال أسماء أضاءت اللحظة الشعرية الراهنة أمثال سمر الشيخ، صالح الحربي، عبد الرحمن الشهري، عبد الوهاب العريض، عماد العمران وماجد الثبيتي، علي الدميني، هدى المبارك، وفاء الراجح، وهو تحول انطلق منذ السبعينات مع رائدة قصيدة النثر السعودية فوزية أبو خالد، وعرف مقاومات عديدة من طرف أنصار قصيدة التفعيلة قبل أن يحقق الانتشار والإشعاع عربيا وعالميا.
هذا التحول يتم اليوم على ثلاثة مستويات: عمقا، وإنتاجا، وحضورا، تحول تقوده أجيال تحمل وعيا جديدا بالكتابة الشعرية تسنده رؤية جمالية ومعرفية، بتحولات القصيدة ورهاناتها اليوم.
الشاعر علي الحازمي من بين أهم هذه الأصوات الشعرية السعودية التي قدمت تجربة شعرية تهجس بالانزياحات الجمالية المدهشة، وتنكتب بوعي شعري منتصر لحداثة القصيدة شكلا ورؤى.
ربع قرن من الاشتغال الشعري، وقف الحازمي فيه على تحولات عميقة في نصه على مستوى الأسئلة والقضايا التي تشغله والمرتبطة بالإنسان كقيمة، فقد ظل وفيا لخطه منذ مجموعته الأولى» بوابة الجسد» وحتى الآن، مؤمنا بالتجاوز والمغايرة، بعيدا عن الاجترار والتكرار القاتل. لكل تجربة فرادتها، ولكل مرحلة أسئلتها، وكل قصيدة تشبهه.
في هذا الحوار، يتحدث الشاعر علي الحازمي عن قصيدة النثر السعودية وإبدالاتها ورهاناتها اليوم، عن حركة النقد، عن الجيل الجديد الذي استطاع أن يعبر بهذه القصيدة الى ضفاف التلقي، عن علاقته بالقصيدة وبالكتابة، عن القصيدة العمودية والجوائز الشعرية بالخليج .
من «الخسران» يطل الحازمي، وعبر «بوابة للجسد» يعبر شعره «مطمئنا على الحافة» أو الحواف الحادة للوجود وللوعي الشعري، يعبر «الآن، في الماضي» الى نهر الحياة السيال يرقب «غزالة تشرب صورتها « وتتملى انعكاس «غصن وحيد للغناء» على صفحة الماء.
– من «بوابة للجسد» إلى «خسران»، رأيت «الغزالة تشرب صورتها» وكنت دائما تكتب «مطمئنا على الحافة»، مقيما في «الآن في الماضي» إلى أن خطّت أو حطت «الفراشة وشماً «ظللت تنشد مثل كطائر فوق « غصن وحيد للغناء».
كل هذه التباريح والأغنيات المبحوحة، كل هذه الحواف الحادة للوجود، كيف عبرتها الشاعر علي الحازمي؟ وأين تقف اليوم؟
– بكل ما في سؤالك من انسيابية ظاهرة إلا أنه يذهب للأعماق مباشرة . أكثر من ثلاثة عقود مرت على اجتراحي الأول لكتابة الشعر ومازلت إلى يومي هذا أجلس أمام الورقة البيضاء لكتابة القصيدة بنفس حيرتي الأولى ذاتها. لعلي أدركت مع مرور الوقت بأنني بحاجة لهذه الحواف لمواصلة الكتابة، لذلك لم أفكر مطلقا بإقامة هدنة وتصالح معها ، إنها على الأرجح ضرورية للشعر والشاعر ، إذا لم نجزم في الأخير بأنها وقود لهما .
مسألة العبور التي جاءت في سؤالك لم أشعر بها ، مرت السنوات بكل ما فيها من آلام وأحلام على هيئة قصيدة واحدة طويلة، حاولت أن أكون فيها وفيا لذاتي ولزمني ولكل الأحلام التي ظللت في توق لملامستها . وبالنسبة للشق الأخير من سؤالك والمتعلق ب أين يقف علي الحازمي اليوم ؟ أظنني في كتابة الشعر مازلت أحافظ على الوقوف في المكان ذاته في ما يتعلق بالدهشة والصفاء الذي يفترض أن يظل ملازما للطفل الذي كنته ، وأما ما أحاول أن أحرص عليه فهو أن أظل متجددا ويقظا ومتحررا من ماكينة الوقت والعالم المتسارع من حولنا .
– في ديوانك «مطمئنا على الحافة» احتفاء بالفراغ والغياب، بما يمثلانه من رمزية الفقد. هل يمكن للشاعر أن يكتب خارج هذه الحواف والمهاوي؟
– مثلما ذكرت لك سابقاً أجد أن من مصلحة الشعر الحفاظ على هذه المساحة غير المرئية بكل ما تحمله من ارتباك وقلق ، لأن الحواف برأيي تستمد قيمتها وأهميتها من ذلك الجانب الغيبي الذي توقده فينا لكتابتها والتعاطي معها في النص الشعري ، ولعل المطلع على مجموعاتي الشعرية بوجه عام سيلاحظ أن كل مجموعة تحاول أن تقدم ذاتها بشكل مختلف عن سابقتها على مستوى البناء واللغة بغية الحفاظ على عدم الوقوع في مغبة التكرار ، وهذا ما أتمناه وأطمح له دائما على المستوى الشخصي .
– عندما نتحدث عن الحداثة في الشعر العربي، فنحن نتحدث عن موقف فني من فعل الكتابة نفسه. إلى أي حد استطاعت قصيدة النثر السعودية أن تكتب من داخل الجسد وبه، أي أن تكون حرة، كما فعلت الرواية؟
– القصيدة الحديثة عموماً في المملكة استطاعت أن تقدم نفسهاً عربياً بصورة رائعة ، إنها تمتلك من الرؤى والمناخات الخاصة التي تميزها عن غيرها من القصائد في الوطن العربي.
على المستوى الشخصي لم أشعر بقيود ما قد يفرضها المكان أو الزمان على الشاعر أثناء كتابته لقصيدته ، الشاعر برأيي دائما هو المعني بكتابة نصه ولحظته الشعرية وإمدادها بكل الأسباب الضرورية للتحليق والتماهي مع يومياته براهنها الجمالي والإنساني ، وكما تعلمين أصبح العالم اليوم قرية كونية صغيرة تلاشت فيها الحدود الجغرافية واللغوية والاجتماعية بوجود مواقع التواصل وآلة الأنترنيت الهائلة .
– الانفتاح الذي عرفته السعودية في العقد الأخير، على الخارج الأوربي والأمريكي، سمح بتلاقح التجارب الشعرية خاصة الطلبة الذين عادوا من هناك محملين برؤى كتابية وجمالية جديدة. كيف استوعبت قصيدة النثر هذه الحساسيات الجديدة، وهل شكلت إضافة نوعية لمسار هذه القصيدة؟
– قصيدة النثر السعودية حاضرة في المشهد الشعري العربي منذ عقود ، أسماء شعرية راسخة كتبتها واستطاعت تجاربها أن تحظى بالكثير من التقدير والاحتفاء العربي، وهناك بالمقابل أصوات شعرية جديدة شابة تتسابق لكتابتها ، يستطيع المتابع لمشهد الشعر في السعودية رصدها . وفي ما يتعلق باستيعاب المشهد للأصوات الشعرية الشابة التي تمتلك حساسية جديدة في كتابتها الشعرية، أشعر بأنها مثلت إضافة رائعة ونالت بالمقابل ذلك القدر الجيد من الاهتمام، وتسليط الضوء وأظنها استحقت أن تأخذ فرصتها في الحضور من خلال الفعاليات الثقافية التي قدمتها وأقامتها وزارة الثقافة في السنوات القريبة الماضية .
إن هذا التنوع والثراء الشعري للقصيدة الحديثة يصب بلا شك في مصلحة المتلقي ومحبي الشعر في السعودية والوطن العربي .
-«سنولد ثانية لا تخافي!/ سنولد/ لو بعد ألف سنة» .» مقطع من ديوانك «الغزالة تشرب صورتها» هل يمكن اعتباره تأسيسا كتابيا جديدا لعلاقتك بالمرأة، خاصة في ظل التحولات التي يعرفها المشهد السعودي العام؟
– علاقتي بالمرأة لم ولن تتأثر يوما بأي تحولات، سواء أكانت هذه التحولات في الحاضر أو في المستقبل ، إنها علاقة راسخة ومتينة، لأنها تنطلق من تقديري العميق لما تمثله المرأة في حياة الشاعر ووجدانه، إنها الأم والأخت والحبيبة، إنها ذلك النبع المتدفق والمتجدد بالحياة والجمال والأمل ، لذلك كان على الشعر والشعراء أن ينهلوا من ينابيعها الصافية بافتتان آسر منذ القدم .
– كيف تتنفس قصيدة النثر السعودية في مجتمع تقليدي تسيجه الخطوط الحمراء الكثيرة؟ وهل ساهم النقد في إشعاع هذه القصيدة؟
— وصفك للمجتمع بأنه « مجتمع تقليدي تسيجه الخطوط الحمراء الكثيرة « يدل، على الأرجح، على بأنك لست مطلعة بشكل دقيق على ذلك التلقي من المجتمع للحراك الثقافي والفني في السعودية والتفاعل معه، يحدث تلقي المجتمع لقصيدة النثر والقصيدة الحديثة بشكل رائع منذ عقود طويلة من الزمن، ونستطيع ملاحظته ورصده من خلال الأمسيات الشعرية والندوات والإقبال على شراء كتب الشعر في معارض الكتب. السعودية لا تختلف عن بقية البلدان العربية ، سواء في وعيها أو في مسألة انفتاحها على الآخر، كما أنني أعد الشعر الذي يكتب بهوس كسر القيود وتجاوز الخطوط الحمراء وتبني العنتريات شعر أجوف وفارغ بالضرورة، هذا من وجهة نظري الشخصية . وبالنسبة للشق الأخير من سؤالك، هناك جهود نقدية لمواكبة القصيدة، لكنها بكل أسف محدودة جدا وخجولة ولا أعلم حقيقة عن الأسباب .
-رغم ما حققته قصيدة النثر بالسعودية منذ الثمانينات مع روادها الأوائل، أين الاحتفاء المؤسساتي بها وسط سطوة الجوائز الشعرية التي تنتصر للقصيدة العمودية في الخليج بصفة عامة؟
– أتفق معك في مسألة احتفاء الجوائز الشعرية في الخليج عموما بالقصيدة العمودية، وهذا يمثل وجهة نظر خاصة بالمنظمين وحدهم، لذلك ومع مرور الوقت أصبح لدينا فئة محددة من شعراء القصيدة العمودية نجدهم وحدهم من يشارك في مثل هذه المسابقات التلفزيونية ويحرصون على التواجد فيها، لعل الإغراء المادي هو ما يحرك هذه النوعية من الشعراء ، ولا أدري هل علينا أن نجد لهم العذر في ذلك أم لا . وفي ما يتعلق بجهود المؤسسة الثقافية الرسمية في السعودية أستطيع أن أقول لك أنها قدمت الكثير لشعراء قصيدة النثر وشعراء القصيدة الحديثة ، حيث ساهمت بترجمة العديد من مجموعاتهم الشعرية إلى العديد من لغات العالم كالفرنسية والإنجليزية والإسبانية وغيرها من اللغات، إضافة إلى تقديم الدعوات المستمرة لهم للمشاركة في الفعاليات الثقافية والأمسيات الشعرية ومعارض الكتب المحلية والعالمية .
– ترجمت قصائدك ودواوينك الى أكثر من لغة، حصلت على جوائز عديدة خارج الخليج، هل تعتبر الجوائز مقياسا لأدبية أو شعرية الفائزين بها؟ وما الذي تضيفه للشاعر؟
– بكل تأكيد الجوائز لا تمثل قيمة تذكر بالنسبة لي ، ولم أسع لها يوما ، بل إن أغلب تلك الأعمال الفائزة قد تم ترشيحها للمشاركة في الجوائز من قبل الدور التي صدرت عنها مجموعاتي الشعرية، أو عن طريق المترجمين الذين ترجموا تلك الأعمال إلى اللغات. قد يبتهج الشاعر لأيام بحصوله على جائزة شعرية ما وهذا أمر طبيعي، إنه بالضرورة يستأنس برأي الآخرين في ما يكتب من خلالها . لعله من جهة القلق الذي قد يطال روحه الشاعرة يحتاج إلى تطمين أو تربيت ما، وهذا ما قد تمنحه الجائزة على الأرجح، لكن عليه في الوقت ذاته ألا يعتقد مطلقا أنه الأهم أو أنه الأفضل. ما يشغلني على المستوى الشخصي وأهتم له دائما هو ذلك التأثير الذي أتمنى أن تتركه قصيدتي في ذهن المتلقي، الأمر الذي يجعلني أسعى بشكل مستمر ودؤوب للاشتغال على قصائدي وتطوير ما أكتبه، والحفاظ على أن أبقى طوال الوقت مطلعا ومنفتحا على كل التجارب الشعرية العربية والعالمية . كل ذلك سيمكنني في الأخير من معرفة أين أقف الآن، وماذا علي أن أعمل لمواصلة هذا الحلم الجميل .
الأعمال الشعرية :
-«بوابة للجسد» دار المدينة – جدة 1993 .
-»خسران» ( دار شرقيات القاهرة – 2000)
-»الغزالة تشرب صورتها» (المركز الثقافي العربي، بيروت 2004)
-»مطمئنا على الحافة «(دار رياض الريس ، بيروت 2009).
• «الآن في الماضي» (الدار العربية للعلوم ناشرون 2018)
– «تخط الفراشة وشما»مختارات شعرية، دار بتانة، القاهرة 2022).
-»غصن وحيد للغناء» (دار أدب للنشر – الرياض 2023• )
-قصائد مختارة ( CD ديوان صوتي شعري، نادي حائل الأدبي 2010).
الجوائز
-جائزة الشعر بمهرجان الأورغواي الشعري 2015.
-الجائزة العالمية الكبرى لمهرجان ليالي الشعر العالمي برومانيا 2017.
– جائزة «Verbumlandi فيربوملاندي» الشعرية الدولية إيطاليا 2017.
– جائزة «أفضل شاعر دولي لعام 2018» من المركز الدولي للترجمة والبحوث الشعرية في الصين (IPTRC).
– جائزة الأيقونة العالمية 2020 من Writers Capital International Foundation – إيطاليا.
-جائزة «أفضل شاعر دولي لعام 2022» من المركز الدولي للترجمة والبحوث الشعرية في الصين (IPTRC).
– جائزة المهرجان الأدبي الأوراسي (الأوربي الآسيوي) للمهرجانات LIFFT»» روسيا- 2023.
• جائزة لجنة التحكيم الكبرى» المؤلف الأجنبي « من خلال الجائزة الإيطالية الدولية « ألوان الروح COLORI I ANIMA’DELL « للشعر في نسختها التاسعة، مدينة سان ريمو الإيطالية 2021 .
• جائزة « ألفريد تشيانو FEDERICIANO IL « الإيطالية، روكا امربايل ، مقاطعة كوزنسا 2021
• جائزة الأدب والفنون الدولية الإيطالية “ Mugello sul Occhi Nuovi ” 2022 •
الجائزة الأدبية الدولية لمدينة أرونا الإيطالية 2023 .
جائزة ساهيتو الدولية للأدب Literature for Prize International Sahito بنغلاديش 2023
• فاز ديوانه «شارع في جدار» المترجم للإنجليزية بجائزة المترجم الأدبي لعام 2025 من جامعة تكساس الأمريكية .
• تم اختياره ليكون الشخصية المكرمة بالملتقى العربي الإسباني في دورته الثالثة، 2025، مدينة سالامانكا – إسبانيا.