الشعر الغنائي الأمازيغي، بالأطلس المتوسط وبلاد زيان، يفقد أحد أعمدته بعد رحيل الشاعر والفنان محمد مردا

 

عن عمر لا يتجاوز 60 سنة، ترجل عن صهوة الحياة، يوم الأحد 25 غشت 2024، الشاعر والفنان الأمازيغي، محمد مردا، الذي كان أحد أبرز أبناء قبيلة آيت معي، بمنطقة أجلموس، قرب مدينة خنيفرة، والمولود وسط عائلة فنية، وهو ابن رقية نموسى، شقيقة الشاعر الراحل بوعزة نموسى، حيث ساهم تعلقه بأغاني التراث الأمازيغي في تشكيل هويته الفنية، كما كان لإتقانه تراث الإنشاد الشعري الدور الأساسي في تمكنه من مقارعة كبار الشعراء عبر مواجهات و»ملاسنات شعرية» قد تطول لساعات، خاصة في ما يُعرف ب «أفرادي» الذي يعد من محافل أحيدوس، الحقيقي، وقد كان الراحل يتقن تأليف الألحان لرقصة أحيدوس إلى أن لُقب ب ‘’بوحيدوس››.
إلى جانب تميزه كشاعر أمازيغي شفوي بارز، كان الراحل محمد مردا أيضاً عازفاً ماهراً على آلة الكمان (الكمنجة) ومغنياً متألقاً، حيث سجل العديد من الأعمال الفنية لشركات الإنتاج، من بين قصائده الشهيرة قصيدة نظمها عن فيضانات نهر أم الربيع، ومرثيات لفنانين راحلين لا تقل عن مرثية الراحلة فاطمة ابضاوي المعروفة ب «تزاييت»، وحسب شهادات استقاها من أصدقائه الباحث ذ عبدالمالك حمزاوي، فإن «الأبيات الشعرية (إزلان) التي كان يقرضها الفقيد كانت غاية في الروعة، وكلها عبارة عن رسائل مشفرة يصعب فهمها على من لا يتقن اللغة الأمازيغية»، وقد وصفه الباحث علي خداوي ب «هرم من أهرامات الفن والشعر الغنائي الأمازيغي الزياني».
كما عُرف الراحل محمد مردا بدفاعه المستمر عن حقوق الفنانين الأمازيغ ودعمه للشعر الأمازيغي الهادف، إلى درجة انخراطه في احتجاجات علنية، الأمر الذي جر عليه بعض المضايقات والمشاكل وفترات من الإقصاء، فيما عُرف أيضا بتعاونه مع العديد من الفنانين، حيث قدم لهم كلمات غنائية حققت نجاحاً في السوق، وعلى الرغم من تنوع أساليب هؤلاء الفنانين واختلافها، إلا أنهم اتفقوا جميعاً على قيمة كلمات مردا الشعرية التي تميزت كمدرسة شعرية قائمة بذاتها، جنباً إلى جنب مع مدارس شعراء آخرين مثل ميمون أورحو، سيدي الإبراهيمي، علا الحاجب، الحاج أولياس، بن يوسف، والعقيوي وغيرهم.
ووفق كتاب «كنوز الأطلس المتوسط»، لكاتبه الباحث في الفن الأطلسي الأمازيغي، ذ. عبد المالك الحمزاوي، فقد انطلقت المسيرة الفنية للشاعر والفنان محمد مردا خلال منتصف سنة 1979 وكانت هذه السنة هي «المرحلة الحاسمة التي اختار فيها العزف على «البندير» في الدرجة الأولى، وباحترافية عالية، لتبقى آلة الكمان والعزف عليها مجرد هواية لا أقل ولا أكثر»، فيما «عرف مساره الفني عدت محطات بارزة عبر جل المدن والقرى المغربية التي نشط فيها عدة أعراس بصفته رئيسا لعدة مجموعات فنية، بالإضافة إلى مشاركته في العديد من الاحتفالات والمهرجانات الثقافية»، على الصعيدين الإقليمي والوطني.
ومن خلال ذات الكتاب القيم، «كنوز الأطلس المتوسط»، أفاد كاتبه، ذ. عبدالمالك الحمزاوي، أن الفقيد «كان قد اشتغل في عدة ميادين باحثا عن لقمة العيش، مجال النقل ثم الفلاحة، ثم الميدان الغابوي ضواحي مدينة نيمNîmes جنوب فرنسا، خلال سنة 1984، في إطار عقدة شغل، حيث مكث هناك كمهاجر سري بعد انقضاء مدة العقد بست سنوات، حسب ذكره»، ولما عاد إلى أرض الوطن «تمكن من العودة ثانية إلى الديار الفرنسية خلال نهاية سنة 2000، واستقر به المقام حينها بمدينة مونبوليي Montpellier بصفته كفنان يعزف على الكمان»، حسب ذات الكتاب المشار إليه.
وبفضل «ذكائه وحنكته ومعرفته بأسرار مهنته»، يضيف ذ. الحمزاوي، استطاع الفنان والشاعر محمد مردا تكوين فرقة فنية بالمدينة الفرنسية المشار إليها، تضم في مكوناتها «كل من المغنية الفنانة إيطو تمهاوشت، وضابط الإيقاع لحسن من مدينة لقصيبة و حوسى أهبار…»، وقد ظلت هذه المجموعة «تشتغل بصفة متقطعة على مستوى العديد من الدول الأوروبية المحيطة بفرنسا لمدة ست سنوات، أي من سنة 2000 إلى غاية 2006، السنة الأخيرة التي قرر فيها الفنان والشاعر محمد مردا العودة إلى قريته واضعا بذلك حدا لحياة الغربة… «، وخلال مشواره الفني اشتغل مع العديد من الأسماء البارزة في الساحة الفنية والشعرية، كما كان مولعا بهواية القنص وركوب الخيل.


الكاتب : أحمد بيضي

  

بتاريخ : 11/09/2024