الصيد البحري: الاتحاد الأوربي يعود قريبا إلى طاولة مفاوضات

تحول دبلوماسي تقوده مستجدات ملف الصحراء المغربية

 

يشهد ملف اتفاق الصيد البحري بين المغرب والاتحاد الأوروبي تحولا لافتا، بعدما أعلنت المفوضية الأوروبية رغبتها في تقديم تفويض جديد للتفاوض مع الرباط، في خطوة تعكس تغييرا عميقا في مقاربة بروكسيل لهذا الملف وفي إدراكها لضرورة إعادة صياغة علاقتها مع المغرب وفق أسس تتماشى مع المستجدات السياسية والدبلوماسية التي فرضها القرار الأممي 2797. فعودة أوروبا إلى طاولة المفاوضات لم تعد ترتبط فقط بالحاجة الاقتصادية لأساطيلها، بل تمثل بالأساس تحولا استراتيجيا يعيد ترتيب أولويات الاتحاد في الجوار الجنوبي، ويؤكد اعترافه المتزايد بالدور المحوري للمغرب في معادلة الاستقرار الإقليمي.
هذا التحرك الأوروبي يأتي بعد تعليق الاتفاق السابق منذ يوليوز 2023، ومع انكشاف محدودية التعويل على المسارات القضائية التي حاولت بعض الأطراف توظيفها لتعطيل التعاون الثنائي. فقد اتضح لبروكسيل، من خلال المتغيرات التي شهدتها المنطقة خلال السنوات الأخيرة، أن استمرار الغموض ليس خيارا، وأن مستقبل علاقاتها مع المغرب يمر عبر تجاوز التعقيدات القانونية التي أعاقت مسار الشراكة دون أن تغير شيئا من واقع الأمور على الأرض.
ويعكس هذا التوجه أيضا رغبة أوروبية واضحة في تفادي الفراغ الذي بدأت قوى دولية أخرى في استغلاله، خاصة بعد توقيع المغرب اتفاق صيد بحري جديد مع روسيا يمتد لأربع سنوات، ما بعث برسالة قوية لبروكسيل مفادها أن الرباط أصبحت تتحرك بثقة وفق مصالحها الاستراتيجية، وأن البدائل متاحة أمامها حين تتردد أوروبا أو تتباطأ.
ولم يأت هذا التحول الأوروبي بمعزل عن الدينامية الدبلوماسية التي رسخها المغرب في ملف الصحراء، والتي اكتسبت زخما مضاعفا بعد القرار الأممي 2797 الذي كرس مبادرة الحكم الذاتي باعتبارها المرجعية الجدية والوحيدة لحل النزاع. هذا القرار لم يرفع فقط من سقف الشرعية السياسية للموقف المغربي، بل دفع عددا كبيرا من العواصم الأوروبية إلى إعادة تقييم مواقفها بما يتماشى مع الاتجاه الدولي العام. ومع هذا التحول، أصبحت بروكسيل أكثر وعيا بأن أي اتفاق اقتصادي أو تجاري مع الرباط، بما في ذلك الاتفاقات البحرية، لا يمكن أن يتم خارج احترام السيادة المغربية ووحدة أراضيه.
ويتقاطع هذا المسار مع ما تم تجسيده في الاتفاق التجاري الجديد بين المغرب والاتحاد الأوروبي، الذي دخل حيز التطبيق المؤقت مطلع أكتوبر، والذي عزز إدماج الأقاليم الجنوبية داخل النسيج الاقتصادي الأوروبي. فقد شمل الاتفاق تحديثا للآليات الجمركية، وتسهيلات أوسع للمنتجات الزراعية والبحرية والصناعية القادمة من الداخلة والعيون وبوجدور، وهو ما أكد عمليا أن هذه الأقاليم جزء مكمل للمجال الاقتصادي المغربي في نظر بروكسيل، بعيدا عن الجدل القانوني الذي حاول البوليساريو إثارته دون أن يحقق أي أثر فعلي.
وتبدو التحركات القضائية المتكررة للجبهة المزعومة اليوم كتحركات رمزية أكثر منها قانونية، في ظل تراجع وزنها السياسي داخل المؤسسات الأوروبية، وتعزز حضور المنتخبين والفاعلين المحليين في الأقاليم الجنوبية ضمن مساطر التشاور المعتمدة أوروبيا. ومع هذا التغير، لم يعد ممكنا تجاهل أن الواقع الدبلوماسي والدولي يميل بشكل واضح لصالح المغرب، وأن محاولات التعطيل القانونية لم تعد قادرة على التأثير في مسار الشراكة الأوروبية المغربية.
وتعكس رغبة الاتحاد الأوروبي في استئناف مفاوضات اتفاق الصيد البحري تحولا جوهريا في إدراكه للرهان الجيوسياسي الذي يمثله المغرب. فالأمر لم يعد مجرد تفاوض حول حصص الصيد أو مناطق الاستغلال، بل يتعلق بإعادة بناء الثقة وترميم علاقة استراتيجية تضررت بفعل التأويلات القانونية المتشددة. واليوم، يظهر الاتحاد أكثر استعدادا لاعتماد مقاربة براغماتية تنسجم مع الواقع الدبلوماسي الجديد ومع التحولات التي فرضها المغرب بفضل وضوح رؤيته وقوة موقعه الإقليمي.
وفي هذا السياق، يبدو المغرب في موقع من يحدد شروط المرحلة المقبلة، مستندا إلى دعم دولي واسع ورؤية استراتيجية واضحة، بينما تتجه أوروبا إلى إعادة ترتيب حساباتها لتضمن لنفسها مكانا ضمن شبكة شركاء المغرب في المستقبل. وبذلك، يصبح التفاوض حول اتفاق الصيد البحري خطوة أولى ضمن مسار أوسع لإعادة تشكيل العلاقة بين الطرفين على أسس أكثر توازنا واحتراما للثوابت الوطنية المغربية.


الكاتب : n عماد عادل 

  

بتاريخ : 25/11/2025