العجز التجاري للمغرب يتفاقم بأزيد من 306 ملايير درهم تحت تأثير واردات الغذاء والطاقة

 

يشهد العجز التجاري للمغرب تفاقما متزايدا، وفقا للبيانات الصادرة عن مكتب الصرف، حيث بلغ 306.473 مليار درهم مع متم 2024، مسجلا ارتفاعا بنسبة 7.3% مقارنة بعام 2023. هذه الزيادة تعكس اتساع الفجوة بين الواردات والصادرات، إذ استقرت الواردات عند 761.448 مليار درهم، بارتفاع قدره 6.4%، في حين بلغت الصادرات 454.976 مليار درهم، محققة نموا بنسبة 5.8%. ورغم الأداء الإيجابي للصادرات، فإن معدل التغطية فقد 0.4 نقطة، ما يشير إلى استمرار هيمنة الواردات على الميزان التجاري.
ويعد ارتفاع فاتورتي الغذاء والطاقة أحد العوامل الرئيسية وراء تفاقم العجز. فعلى الرغم من التراجع الطفيف في تكلفة المنتجات الطاقية بنسبة 6.5% لتبلغ 114.043 مليار درهم، إلا أن الفاتورة الغذائية سجلت ارتفاعا بنسبة 2.2% حيث بلغت 91.5 مليار درهم ، متأثرة بزيادة واردات المنتجات الأساسية مثل الحيوانات الحية المكونة أساسا من الابقار والاغنام (95.2%) والقهوة (73.9%). وعلى النقيض، انخفضت واردات بعض السلع الغذائية مثل القمح بنسبة 7.9%، ما يعكس جزئيا تقلبات الأسعار العالمية رغم جهود الدولة في تنويع مصادر التوريد. كما أن واردات الزيوت النباتية شهدت انخفاضا بنسبة 10.7%، وهو ما يشير إلى تراجع الاستهلاك المحلي ووجود بدائل محلية.
من جهة أخرى، ورغم الأداء الجيد لبعض القطاعات التصديرية، مثل الفوسفاط ومشتقاته الذي سجل نموا بنسبة 13.1% بفضل ارتفاع صادرات الأسمدة، وقطاع السيارات الذي نما بنسبة 6.3%، فإن ذلك لم يكن كافيا لسد العجز. كما شهد قطاع صناعة الطيران نموا ملحوظا بنسبة 14.9%، مدفوعا بارتفاع صادرات أنشطة التجميع الصناعي لأجزاء الطائرات. ومع ذلك، تبقى بعض القطاعات الإنتاجية تعاني من ضعف تنافسيتها على المستوى الدولي، خاصة في ظل تقلبات أسعار المواد الخام وتراجع الطلب في بعض الأسواق الأوروبية، التي تعد الشريك التجاري الرئيسي للمغرب.
أما على مستوى قطاع الخدمات، فقد سجلت الصادرات ارتفاعا بنسبة 6.9%، وهو ما انعكس إيجابيا على ميزان الأداءات. وسجل قطاع السياحة رقما قياسيا بلغ 112.5 مليار درهم من العائدات، محققا زيادة بنسبة 7.5%، ما يؤكد استعادة القطاع لعافيته بعد تداعيات جائحة كورونا. كما استمرت تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج في دعم الاقتصاد الوطني، إذ بلغت 117.714 مليار درهم، مرتفعة بنسبة 2.1%. هذه التحويلات أصبحت خلال السنوات الأخيرة مصدرا حيويا للعملة الصعبة، وتساهم في التخفيف من حدة العجز.
من ناحية الاستثمارات، شهدت تدفقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة ارتفاعا بنسبة 24.7%، حيث بلغت 43.195 مليار درهم، مدفوعة بجاذبية بعض القطاعات الإنتاجية مثل السيارات والطاقات المتجددة. في المقابل، ارتفعت نفقات الاستثمارات المغربية في الخارج بنسبة 10.3%، ما يعكس توجها نحو تنويع الأسواق والانفتاح على فرص استثمارية خارجية.
ويبقى العجز التجاري المغربي مشكلة مزمنة تتطلب استراتيجيات هيكلية لمعالجتها، من خلال تعزيز الإنتاج المحلي، والحد من الاعتماد المفرط على الواردات، خاصة في القطاعات الحيوية مثل الطاقة والغذاء. كما أن الاستثمار في الصناعات التصديرية ذات القيمة المضافة يمكن أن يكون مفتاحا لتحسين ميزان المدفوعات في المستقبل. ومن شأن تطوير الصناعات التحويلية والرقمنة الصناعية أن يسهم في تقليص التكاليف الإنتاجية وزيادة تنافسية المنتجات المغربية في الأسواق العالمية.
وفي ظل استمرار تقلبات الأسواق العالمية، أصبح من الضروري تبني سياسات أكثر نجاعة لتعزيز تنافسية الاقتصاد الوطني، وتوجيه الاستثمارات نحو القطاعات القادرة على تحقيق نمو مستدام وتقليص العجز التجاري. كما أن تطوير الشراكات التجارية وتنويع الأسواق المستوردة والمصدرة، مع التركيز على القارة الإفريقية وآسيا، يمكن أن يسهم في تحسين وضعية الميزان التجاري مستقبلا. إضافة إلى ذلك، فإن تسريع برامج الطاقات المتجددة وتقليل التبعية للوقود الأحفوري سيساعد في تحسين الميزان التجاري وتقليل تقلبات فاتورة الطاقة. وبالتالي، يبقى الرهان على استراتيجيات بعيدة المدى ضروريا من أجل تحقيق استدامة اقتصادية وتخفيض العجز التجاري بشكل ملموس خلال السنوات المقبلة.


الكاتب : ع - عادل

  

بتاريخ : 04/02/2025