الفاشية الجديدة تعود لحكم إيطاليا بفوز جورجيا ميلوني

 

هبت من جديد رياح الفاشية الجديدة على إيطاليا، وحملت ورثة موسيليني الجدد إلى الحكم في أحد أكبر البلدان الأوربية، وذلك بعد سبعة عقود على نهاية الحرب الكبرى، حيث قادت النازية والفاشية حربا باسم مبادئ عنصرية من أجل الاستحواذ على المستعمرات، فكان أن أشعلتا أكبر الحروب في تاريخ الإنسانية وقلبتا الوجه الجيوسياسي للعالم، مما أدى إلى اختفاء امبراطوربات استعمارية كبرى، وبروز عالم جديد تقاسمت شؤونه أمريكا والاتحاد السوفياتي، قبل أن تظل أمريكا قوة وحيدة في عالم اليوم.
الأجيال الأوربية والإيطالية التي ازدادت بعد الحرب الكبرى نسيت هذا الماضي الدموي لهذه الإيديولوجيات الشمولية والدموية، إذ أن عددا كبيرا من الشباب الأوربي الذي صوت على جورجيا ميلوني بإيطاليا يعتقد أن الفاشية هي مجرد الدفاع عن إيطاليا والعائلة حول كأس جعة في أحد حانات الحي، من خلال سب أوروبا والديمقراطية وتحميلها كل مشاكل إيطاليا، حيث يتم الحديث عن موسوليني كجد يحلم بالخير لإيطاليا ولم يتوفق في ذلك. الجميع نسي الحروب وملايين الضحايا والخراب والدمار بسبب هذه الأفكار خاصة بأوربا التي مازالت تعاني من بعض ندوب هذه الحرب حتى الان. فيما اليوم الجميع يتحدث عن فاشية «لطيفة» وبدون سلاح.
عودة أفكار الفاشية والنازية لا تقتصر على إيطاليا، رغم أنها سوف تتزعم الحكومة بجانب أحزاب عنصرية وأخرى محافظة. بل إن هذا التيار وصلت زعيمته في فرنسا مارين لوبين الى الدور الثاني للانتخابات الرئاسية الأخيرة لثاني مرة، كما تمكنت من إدخال أكبر فريق برلماني لليمين المتطرف في تاريخ فرنسا الى البرلمان. أما في السويد، فإن حزب حليقي الرؤوس، الذي أسسه النازيون الجدد، يعتبر أكبر الأحزاب التي سوف تشكل الائتلاف الحكومي المقبل. ومن شأن صعود هذا الأحزاب النازية والفاشية أن يدعم أحزاب أخرى تشبهم في التوجه تمكنت من الوصل إلى الحكم، سواء في هنغاريا أو بولونيا.
فإذا تمكنت جورجيا ميلوني، التي فازت في الانتخابات التشريعية ليوم الأحد الماضي، من ترؤس الحكومة، فإن ذلك يعني أن حزبا تعود جذوره إلى الفاشية الجديدة ستتاح له فرصة حكم البلاد للمرة الأولى منذ عام 1945، وهي سابقة في أحد البلدان الأوربية الأساسية. ذلك أن إيطاليا تعتبر إحدى الدول المؤسسة لأوروبا وثالث قوة اقتصادية في منطقة اليورو، كما أن مواقفها الشعبوية تجاه بروكسيل يمكن أن تؤدي الى أزمات سياسية، كما وقع مع شبيهها وحليفها رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان.
أما بخصوص الموقف من العملة الاوربية اليورو، فإن ميلوني تخلت في نهاية المطاف، مثلها مثل زعيمة اليمين المتطرف الفرنسي مارين لوبن، عن مشروعها القاضي بالخروج من اليورو لما يمكن أن يتسبب فيه مثل ذلك القرار من كوارث اقتصادية، لكنها تطالب بـ»مراجعة قواعد ميثاق الاستقرار» المعلقة بسبب الأزمة الصحية، والتي تحدد سقف العجز في ميزانية الدول ب ـ3%.
كما تخطط لتنسيق مع لتحالف الذي يقوده «حزب فراتيلا ديتاليا» مع كل من «الرابطة اليمينية المتطرفة» بقيادة ماتيو سالفيني وحزب «فورزا إيطاليا» المحافظ بقيادة سيلفيو برلسكوني، الذين خصلوا تقريبا على 47% من الأصوات. وضمن هذا التحالف لنفسه غالبية المقاعد في مجلسي النواب والشيوخ.
وقد حصل حزب «فراتيلي ديتاليا» والرابطة حصلا معا على «أعلى نسبة من الأصوات التي سجلتها أحزاب اليمين المتطرف على الإطلاق في تاريخ أوروبا الغربية منذ عام 1945 إلى اليوم»، بحسب المركز الإيطالي للدراسات الانتخابية.
وحال اعلان فوز جوريا ميلوني بالانتخابات الإيطالية بدأ التراشق عبر تويتر بينها وبين رئيسة المفوضية الأوربية، فكتبت في تغريدتها «في أوروبا، إنهم قلقون جميعا لرؤية ميلوني في الحكومة (…) انتهى العيد. ستبدأ إيطاليا بالدفاع عن مصالحها القومية». وكان رد أورسولا فون دير لايين إلى أن لدى الاتحاد الأوروبي «أدوات» لمعاقبة الدول الأعضاء التي تنتهك سيادة القانون وقيمه المشتركة.» في إشارة الى القيم الفاشية التي تحملها رئيسة الحكومة الجديدة، والتي تتعارض مع قيم أوربا ما بعد الحرب.
لذلك، لإإن زعيمة الفاشيين الجدد بايطاليا تنتظرها، بعد الفوز وتشكيل الائتلاف، تحديات حقيقية تمس الحياة اليومية للإيطاليين، إذ سيكون عليها معالجة الأزمة الناجمة عن الارتفاع الحاد في الأسعار في وقت تواجه إيطاليا دينا يمثل 150% من إجمالي ناتجها المحلي، وهي أعلى نسبة في منطقة اليورو بعد اليونان.
وفي هذا السياق، لإغن إيطاليا بحاجة ماسة لاستمرار المساعدات التي يوزعها الاتحاد الأوروبي في إطار خطته للإنعاش الاقتصادي بعد وباء كورنا، والتي يمثل هذا البلد أول المستفيدين منها، وبفارق كبير عن الدول الأخرى.
فهل ستختار إيطاليا جورجيا ميلوني المساعدات الأوربية أم التحالف مع «وراسو» و»بيدابيست»؟
هذا هو ما يجعل فوز اليمين الفاشي الايطالي مثيرا لمخاوف المستتمرين في بلد جد مثقل بالديون ويعول كثيرا على الدعم الأوربي، وهو ما جعل بيرلوسكوني حليفها في الائتلاف يرسل تطميناته حول استمرار التعاون مع أوربا، ومع الحلفاء.
إن وصول حفيدة الفاشية بايطاليا سوف يعقد أزمة الهجرة عبر المتوسط من جديد، حيث من المقرر، كما وعدت أثناء الحملة الانتخابية، إغلاق حدود بلد يصل إلى سواحله سنويا عشرات آلاف من المهاجرين، وهو ما يثير مخاوف المنظمات غير الحكومية التي تعمل في غوث المهاجرين الذين يعبرون البحر في مراكب متلاشية هربا من البؤس في إفريقيا. والجميع يتذكر الأزمات التي تسبب فيها حليفها ماتيو سالفيني الذي شغل منصب نائب رئيس الوزراء ووزير الداخلية في حكومة جوزيبي كونتي (2018-2019) «والذي تسبب في أزمة مع فرنسا وأروبا حول تدبير قضايا الهجرة. وهو ما يعني أن الاستعمال السياسي لملف الهجرة سوف يعود إلى الواجهة في ظل تضارب المصالح بين البلدان المشكلة للاتحاد.
المجهول الإيطالي

لقد دخلت إيطاليا، مع فوز زعيمة حزب من الفاشيين الجدد، مرحلة مشرعة على المجهول، وذلك على رأس ائتلاف منقسم سيتحتم عليه التوافق على تشكيلة حكومية تواجه الأزمة الاقتصادية الخانقة وتعالج مخاوف أوروبا وقلق الأسواق.
وبعد حصول الائتلاف اليميني على الغالبية المطلقة في البرلمان، ستجري زعيمة «فراتيلي ديتاليا» (إخوة إيطاليا) خلال الأيام المقبلة محادثات مع حليفيها ماتيو سالفيني، زعيم حزب «الرابطة» المعادي للهجرة، وسيلفيو برلوسكوني، رئيس «فورزا ديتاليا» اليميني، بهدف تشكيل حكومة لن تبصر النور قبل نهاية أكتوبر على أقرب تقدير.
وقد جمعت ميلوني أكثر من 26% من الأصوات في انتخابات اتسمت بنسبة مقاطعة قياسية بلغت 36%، فيما حصل ائتلافها على حوالى 44% من الأصوات، وهو ما يضمن لها غالبية في مجلسي النواب والشيوخ.
وحرصت جورجيا ميلوني التي ستصبح في سن الـ45 أول زعيمة منبثقة من حركة ما بعد الفاشية في دولة مؤسسة لأوروبا، على طمأنة المخاوف سواء في إيطاليا أو في الخارج، فأعلنت «سنحكم من أجل جميع الإيطاليين».
وبحصوله على نتيجة دون 9%، ما يمثل نصف ما حصل عليه في انتخابات 2018، فإن ماتيو سالفيني يدفع ثمن مشاركة حزبه «الرابطة» في الحكومات المتعاقبة منذ 2018، غير أنه أكد أنه لن يتنحى.
وقالت صوفيا فنتورا أستاذة العلوم السياسية في جامعة بولونيا لوكالة فرانس برس «سيلعب دورا أكثر هامشية مما كان يتمناه في تشكيل الحكومة»، مستبعدة أن يتولى مجددا وزارة الداخلية حيث فرض سياسة معادية للهجرة.
من جانبه، رأى لورنزو برولياسكو أحد مؤسسي معهد «يوتريند» لاستطلاعات الرأي أن سالفيني «قد لا يثير مشكلات على المدى القريب» غير أن القادة السياسيين يمكن أن يصبحوا «خطيرين» حين يرون أنفسهم محاصرين في زاوية.
وفي سياق ردود الفعل الخارجية، أعلنت الرئاسة الفرنسية أنها تحترم «الخيار الديموقراطي والسيادي» للإيطاليين، مضيفة «علينا كدولتين جارتين وصديقتين، أن نواصل العمل معا».
من جانبها، توقعت برلين من إيطاليا أن تبقى «مؤيدة للغاية لأوروبا».
أما الولايات المتحدة، فأعربت على لسان وزير خارجيتها أنتوني بلينكن عن «حرصها على العمل» مع الحكومة الجديدة، مشجعة على احترام حقوق الإنسان.
في المقابل، أبدى المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف «استعداده للترحيب بأي قوى سياسية قادرة على تخط ي التيار السائد المشحون بالكراهية لبلدنا».
كما تلقت ميلوني دعما قويا من بولندا والمجر اللتين تتبنيان مواقف متعارضة مع بروكسل في عدد من المسائل، فضلا عن تهاني حزب «فوكس» اليميني المتطرف الإسباني وحزب «التجمع الوطني» اليميني المتطرف الفرنسي.
أما برلوسكوني، فقد سعى من جهته إلى الطمأنة حول توجه الحكومة المقبلة، فوعد بـ»ضمان وجهها الأوروبي والأطلسي» مشددا على أن «علاقات جيدة مع حلفائنا التاريخيين، الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي الكبرى، اساسي ة لمستقبل إيطاليا».
غير أن زعيم الحزب الديموقراطي، أكبر التشكيلات اليسارية، إنريكو ليتا أسف لـ»يوم حزين لإيطاليا» معلنا بعد نتائجه المخيبة للأمل، أنه سيتخلى عن مهامه خلال المؤتمر المقبل للحزب.
وستخلف الحكومة الجديدة حكومة الوحدة الوطنية التي قادها ماريو دراغي، الرئيس السابق للبنك المركزي الأوروبي، منذ يناير 2021، حين استدعي لإنقاذ ثالث اقتصاد في منطقة اليورو المنهار بفعل الأزمة الصحية.
وتفاوض دراغي مع بروكسل بشأن منح إيطاليا مساعدات مالية تقارب قيمتها 200 مليار يورو، وهي الحصة الكبرى من خطة إنعاش اقتصادي أوروبية، مقابل إجراء إصلاحات اقتصادية ومؤسساتية عميقة.
وبعدما وافقت على الانضمام إلى حكومته، قررت عدة أحزاب هذا الصيف إسقاطها رغم التحديات الجسيمة المطروحة على البلد، ما حت الدعوة إلى انتخابات تشريعية مبكرة.
وكان حزب ميلوني قرر في ذلك الحين عدم الانضمام إلى حكومة الوحدة الوطنية والبقاء في المعارضة.
وفي حين كان ماريو دراغي، الملقب «سوبر ماريو»، يعتبر ضمانة مصداقية بنظر الشركاء الأوروبيين وقدم على أنه منقذ منطقة اليورو عند اندلاع الأزمة المالية عام 2008، فإن وصول اليمين المتطرف القومي والمشكك في الاتحاد الأوروبي والمتمسك بالسيادة الوطنية، إلى السلطة يبعث مخاوف من دخول مرحلة جديدة من انعدام الاستقرار.
وما يعزز هذه المخاوف أن أيطاليا التي تواجه ديونا طائلة تمثل 150% من إجمالي ناتجها الداخلي، أعلى نسبة في منطقة اليورو بعد اليونان، تسجل تضخما يزيد عن 9% وزيادة هائلة في فواتير الغاز والكهرباء تثقل كاهل الأسر والشركات على السواء.
وفي مؤشر إلى مخاوف المستثمرين حيال ديون إيطاليا الطائلة، ازداد «الفارق السعري» (سبريد) الذي يتابعه المستثمرون عن كثب ويشير إلى التباين بين نسبة الفائدة على القروض الإيطالية ونسبة الفائدة على قروض بلد مرجعي هو ألمانيا، ازداد الإثنين بـ6,68% ليبلغ 235 نقطة.


الكاتب : باريس: يوسف لهلالي

  

بتاريخ : 28/09/2022