نطالبكم بالعمل على تأمين «السيادة الصحية» التي اعتبرها جلالة الملك
عنصرا أساسيا في تحقيق الأمن الاستراتيجي للبلاد
تدخل النائب البرلماني مولاي المهدي الفاطمي عن الفريق الاشتراكي بمجلس النواب في جلسة المساءلة الشهرية لرئيس الحكومة حول
موضوع «تأهيل قطاع الصحة ببلادنا» معقبا على عزيز أخنوش بالقول «لقد تابعنا عرضكم للإجابة عن التساؤلات المطروحة حول حال ومآل المنظومة الصحية ببلادنا، وتتبعنا كل ما تقوم به حكومتكم منذ تشكيلها لتدبير الشأن العام في المجال الصحي. وتكونت لدينا، في الفريق الاشتراكي، صورة واضحة عن منهجية اشتغالكم وطبيعة إجراءاتكم التي تثير العديد من الملاحظات، إن على المستوى المؤسساتي والخدماتي، أو على مستوى التدبير والحكامة العمومية».
وواصل الفاطمي قائلا «سنحرص في هذه الكلمة، كمعارضة مسؤولة تؤمن بالعمل التشاركي، على إبراز الإشكالات الحقيقية وتقديم المقترحات العملية لتجاوزها خدمة لصحة المواطنات والمواطنين وخدمة لمصلحة الوطن. وما يحركنا في ذلك هو قناعتنا اليوم بأنه لا يمكن مواصلة هدر الزمن السياسي والحكومي مع الإجماع الموجود حاليا حول استعجالية الإصلاح الشامل للمنظومة الصحية، واستثمار المكتسبات الإيجابية التي حققتها بلادنا أثناء مواجهة وباء كوفيد 19 بفضل القرارات الاستباقية والمبادرات الحكيمة لجلالة الملك محمد السادس».
وأوضح المتدخل «لقد سبق لنا في الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، في خضم الأزمة الوبائية، أن دعونا إلى جعل الجائحة حافزا للنهوض بالقطاع الصحي من خلال معالجة الاختلالات في الخريطة الطبية وقلة الموارد البشرية وضعف الإمكانيات المادية وغياب التغطية الاجتماعية الشاملة. ونبهنا إلى ضرورة تمكين المغاربة من نظام صحي جيد في متناول الجميع عبر إقرار نظام شامل، منصف وعادل، لا يقوم على النموذج الطبي ذي التوجه الباثولوجي والعلاجي المحض.
وفي هذا الصدد، سجلنا بارتياح كبير التحول البارز الذي أحدثه جلالة الملك محمد السادس بإطلاق مشروعه الاجتماعي الضخم للحماية الاجتماعية، والذي تجاوز سقف مطالب كل الفاعلين السياسيين، وخاصة المبادرة الملكية إلى تعميم التغطية الصحية الإجبارية لفائدة22 مليون مستفيد إضافي من التأمين الأساسي على المرض لتغطية تكاليف التطبيب واقتناء الأدوية والاستشفاء والعلاج خلال سنتي 2021 و2022. «
واسترسل ممثل الفريق الاشتراكي بالقول:» للأسف، نسجل تعثر حكومتكم في مواكبة هذا الإصلاح الاجتماعي الطموح واحترام الآجال المحددة، وهو ما يدفعنا إلى مساءلتكم عن مآل تفعيل مقتضيات الاتفاقيات الموقعة أمام جلالة الملك يوم 14 أبريل 2021، وعن إجراءاتكم لتدارك التأخر في تعميم التأمين الإجباري على المرض لدى التجار والمهنيين المستقلين، والمهنيين في الصناعة التقليدية، والفلاحين.
ومن موقعنا في المعارضة، ندعو الحكومة إلى الإسراع في تفعيل هذا الورش ومواكبته بإصلاحات تعزز حكامته المؤسساتية من خلال إعادة النظر في الهيئات المكلفة بتدبير أو رقابة التأمين والضمان الاجتماعي، وإنشاء نظام معلومياتي وطني يعتمد تعريفا اجتماعيا يسمح بتوحيد معطيات منظومة الحماية الاجتماعية».
وباسم الفريق الاشتراكي قال الفاطمي: «ندعو الحكومة، في إعدادها لمالية 2023، إلى الرفع من الاعتمادات المالية المخصصة للصحة، وعدم الاكتفاء بزيادات متواضعة كما فعلت في قانون المالية لسنة 2022، حيث لم تتجاوز ميزانية القطاع 7 % من الميزانية العامة بدل النسبة التي توصي بها منظمة الصحة العالمية والمحددة في 12 % ، والتي استطاعت دول عربية تجاوزها (الأردن: 12,4 %، تونس: 13,6 %). ولا يعقل أن يمثل الإنفاق الصحي أقل من 6 % من الناتج المحلي الإجمالي بعيدا عن المعدل العالمي المحدد في 10 %، ليتم تمويل النفقات الصحية، بشكل أساسي، من طرف الأسر بنسبة 63 %، منها 50 % بطريقة مباشرة، و24 % من الموارد الضريبية، و22 % من اشتراكات الضمان الاجتماعي. فكيف ستتصرف الحكومة لمواجهة هذه الوضعية؟ أم أنها ستترك الأسر المغربية تواجه مصيرها وتزداد معاناة، خاصة في ظل الارتفاع المهول للمواد الاستهلاكية الأساسية والمحروقات؟ “.
وأكد مولاي المهدي «بأننا لسنا في حاجة إلى مضيعة المزيد من الوقت في التشخيصات ورصد الاختلالات التي ما فتئنا في الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ندعو إلى تجاوزها بمقترحات عملية تقدمنا بها في وثائقنا ومقرراتنا السياسية منذ سنة 2008. وهو ما جاءت لتؤكده تقارير وطنية، من بينها التقرير العام للجنة الخاصة بالنموذج التنموي، وتقارير مؤسسات الحكامة التي رسمت صورة واضحة ووفية عن الواقع الصحي ببلادنا وقدمت بشأنه توصيات من واجب الحكومة أن تتفاعل معها من أجل ترجمتها على أرض الواقع.
وأوضح المهدي بأنه يكفي، في هذا الصدد، أن نشير إلى تقرير مجلس المنافسة لسنة 2020حول وضعية المنافسة في سوق الأدوية بالمغرب، وتقرير مجموعة العمل الموضوعاتية المكلفة بالمنظومة الصحية المقدم في دورة أبريل 2021 خلال الولاية التشريعية العاشرة، وتقرير المجلس الوطني لحقوق الإنسان، خلال السنة الجارية حول: «فعلية الحق في الصحة: تحديات، رهانات ومداخل التعزيز.
ولذلك، ندعو الحكومة إلى تحمل مسؤولياتها السياسية والتاريخية في مباشرة الإصلاحات الضرورية التي أصبحت معروفة، والتي تهم أضلاع المثلث الصحي: تحديث وتعميم البنيات والتجهيزات الأساسية، تعزيز الموارد البشرية وتطوير منظومة التكوين والبحث العلمي، ثم تنسيق وتوحيد السياسات العمومية. هي مسؤولية جسيمة لا تقبل التردد أو الاختباء وراء تبريرات كيفما كانت، لأن الأمر يتعلق بالسيادة الصحية التي اعتبرها جلالة الملك، في خطابه السامي بمناسبة عيد العرش لسنة 2021، عنصرا أساسيا في تحقيق الأمن الاستراتيجي للبلاد».
وأكد أن «مسؤولية الحكومة أن تعبئ كل الوسائل والإمكانات لتيسير استفادة المواطنات والمواطنين من الحق في العلاج والعناية الصحية، والحق في الحماية الاجتماعية والتغطية الصحية، كما هو منصوص عليه في الفصل 31 من الدستور. ولن يكون مقبولا، سياسيا وأخلاقيا، أمام هذا المقتضى الدستوري، التراخي في رفع مختلف الصعوبات التي تعترض الولوج إلى الحق في الصحة لأسباب تتعلق بالفوارق الاجتماعية أو المجالية. ليس مقبولا، السيد رئيس الحكومة، ونحن نتحدث عن الجهوية أن تظل أغلب الخدمات الصحية متمركزة في مدن معدودة على رؤوس الأصابع، وأن نظام مواعيد المرضى في مؤسسات صحية يمتد لشهور في إغفال تام أحيانا لحالتهم الاستعجالية».
وكشف مولاي المهدي أن «النهوض بوضعية الصحة في بلادنا لن يتم دون الارتقاء بالموارد البشرية وتعزيز مؤهلاتها المهنية، ودون القدرة على تدارك العجز الحاصل على هذا المستوى لاحترام المعايير الأساسية لمنظمة الصحة العالمية، حيث نحتاج إلى 32 ألف طبيب إضافي للعدد الموجود حاليا: 23 ألف طبيب».
«نحتاج اليوم، يضيف المتحدث، إلى تعبئة الموارد البشرية الصحية اللازمة وتوزيعها على الصعيد الجهوي بشكل متوازن إذ لا يعقل أن يتمركز أكثر من38 % من الأطباء الأخصائيين في جهتي الرباط سلا القنيطرة والدار البيضاء الكبرى.
فماذا أعدت حكومتكم لتدارك هذا الخصاص المهول؟ «.
وساءل مولاي المهدي عزيز أخنوش: كيف ستعملون على تحسين مؤشرات كثافة العاملين في المجال الصحي؟ علما أن مؤشر كثافة أطباء القطاع العام والخاص هو 7,1 طبيب لكل 10.000 نسمة بدل المعيار الدولي المحدد في 23 طبيب لكل 10.000 نسمة، ومؤشر كثافة الأطر التمريضية هو 16,5 لكل 10.000 نسمة بدل الحد الأدنى المطلوب المحدد في 44,5لكل 10.000 نسمة.
وأوضح أن الحكومة مطالبة بضرورة إقرار باعتماد مخطط استعجالي يستند إلى توظيف كل الخريجين من الكليات والمعاهد والاحتفاظ بمناصب المحالين على التقاعد، مع تعزيز الأعداد بتشجيع عودة المهنيين المغاربة من الخارج، وخاصة الأطباء الذين يبلغ عددهم حوالي 14 ألف طبيب مغربي بالخارج.
وأشار كذلك إلى أن الحكومة مطالبة أيضا باعتماد التحفيزات الضرورية لإعادة انتشار موظفي الصحة في المناطق التي تشكو من ضعف الخدمات، خاصة في العالم القروي، وبإعادة النظر في التكوين والتأطير في الصحة والطب من خلال إصلاح أنظمة تكوين المهنيين الصحيين، وإقرار وتنظيم التكوين في تدبير وتسيير المؤسسات الصحية، مع إعادة النظر في دور مختلف المتدخلين، وخاصة المدرسة الوطنية للصحة العامة.
كما دعا رئيس الحكومة، «علاوة على تعزيز الموارد البشرية، إلى العمل على ضمان التقائية وتناسقية السياسات والبرامج التي تعتمدها حكومتكم، انسجاما مع توصيات التقرير العام للنموذج التنموي. فمن الضروري استثمار التقاطعات الموجودة بين مختلف المخططات الموجهة لمحاربة الأمراض والأوبئة، وحماية الطفولة والشباب، ورعاية النساء.
وندعوكم أيضا إلى إدماج المسنين في سياستكم الصحية من خلال بلورة مخطط استباقي يأخذ بعين الاعتبار الإسقاطات الديمغرافية التي أنجزتها المندوبية السامية للتخطيط، والتي تبرز أن عدد الأشخاص المسنين سيتجاوز 6 ملايين نسمة في أفق سنة 2030، أي بزيادة نسبتها % 42 مقارنة مع العدد الحالي.
وإرساء إطار متكامل لتعزيز البحث العلمي يكون المجال الصحي جزءا لا يتجزأ منه، مع دعم الاستثمار التكنولوجي والابتكار، وخلق المناخ الملائم في المؤسسات الجامعية والمختبرات بشراكة حقيقية مع الباحثين، وبعيدا عن أي احتقان لا طائل منه.
والتدخل العاجل لمعالجة الإشكالات الحقيقية لسوق الأدوية في بلادنا على مستوى الاحتكار وهيمنة بعض الأصناف الدوائية، وارتفاع الأثمنة، وضعف استهلاك الأدوية الجنيسة. فأنتم مطالبون بوضع سياسة صناعية دوائية طموحة تكون قادرة على مواكبة المبادرات الملكية في مجال صناعة الأدوية واللقاحات.
ومرة أخرى، لا نفهم، ولا يفهم الرأي العام الوطني، سبب تأخر حكومتكم في إحداث المنظومة الوطنية المتكاملة للمخزون الاستراتيجي للمواد الأساسية التي تعتبر المواد الصحية جزءا منها، وهي المنظومة التي دعا إليها جلالة الملك منذ أكتوبر».
وكشف مولاي المهدي الفاطمي أن «المنظومة الصحية في حاجة ماسة إلى استراتيجية حكومية متكاملة، وليس إلى سياسة قطاعية، لأن صحة الأفراد والصحة العامة ترتبط بشكل وثيق بمحددات ثقافية واجتماعية متعددة تشمل التربية، والماء الشروب، والتغذية، والسكن اللائق، والبيئة السليمة وغيرها.
ووفق هذا المنظور، نتوجه إليكم، كمعارضة مسؤولة وبناءة، بمقترحاتنا التالية من أجل الإسهام في الارتقاء بمنظومتنا الصحية حتى تكون عاملا فاعلا في الإقلاع التنموي لبلادنا:
أولا، ضرورة بلورة سياسة عمومية منسقة وذات مصداقية عبر:
اعتماد «ميثاق وطني للصحة» بالتشاور مع كافة المتدخلين لتحديد مسؤوليات ومجالات التدخل لضمان ولوج الجميع إلى الخدمات الصحية ؛
وتنظيم حوار وطني موسع لإصلاح الإطار القانوني والمؤسساتي والتنظيمي للمنظومة الصحية، وخاصة إنشاء مجلس وطني للصحة؛
ودمج السياسات والبرامج الصحية ضمن منظور استراتيجي موحد بحسب الفئات والمحاور والوظائف الأساسية للصحة العامة.
ثانيا، تطوير حكامة المنظومة الصحية من خلال: التفعيل السليم للجهوية المتقدمة، وتطوير نظام رصد ومنح الموارد عبر الأخذ بعين الاعتبار العامل الديمغرافي والوبائي للجهات ؛
مراجعة الهيكل التنظيمي لوزارة الصحة، مع إعادة هيكلة منظومة العلاج في إطار تصميم مديري للاتمركز تحتل فيه الجهة مكانة متميزة ؛
مأسسة العمل التشاركي وتطوير آليات التنسيق من أجل وضع أسس صلبة للشراكة بين القطاعين العام والخاص والمجتمع المدني والجماعات الترابية ؛
اعتماد استراتيجية جديدة لإصلاح المؤسسات الصحية، وتجميعها في إطار أقطاب جهوية وإقليمية، مع منحها الاستقلالية الكاملة.
ثالثا، تحسين التمويل الصحي عبر:
إصلاح تمويل قطاع الصحة، وذلك بإقرار منظومة شاملة تعتمد الرفع من التمويل العمومي ومصاحبته بترشيد النفقات وتحسين التدبير، مع الرفع من ميزانيتها بنسبة 10 % من الميزانية العامة ؛
مراجعة السياسة الجديدة لتحديد سعر الأدوية بإخضاع كل الأدوية إلى السعر الأقل بالنسبة لدول المقارنة عوض المعدل، مع مراجعة نظامها الضريبي، وضبط آليات تسويق المستلزمات الطبية والإحاطة.
إننا، في الفريق الاشتراكي، نؤكد لكم أننا سنظل حريصين على أداء عملنا التشريعي والرقابي لتعزيز مبادئ وقواعد المنظومة الصحية كمجال من مجالات التشريع التي حددها الفصل 71 من الدستور. وسنساهم، من موقعنا في المعارضة، بتطوير الأداء التشريعي المتعلق بالمنظومة الصحية الوطنية من خلال تقديم مقترحات قوانين تتعلق بالميثاق الوطني للصحة، وبالوظيفة الصحية، وبمجال الأدوية والصيدلة. وننتظر منكم، كسلطة تنفيذية، أن تراجعوا طريقة تعاملكم مع المبادرات التشريعية للبرلمان، والمعارضة البرلمانية، بالتفاعل الإيجابي معها احتراما للتعددية السياسية، والتوازن المؤسساتي، والتعاون بين السلطتين التشريعية والتنفيذية في بلادنا.»