الفنان التشكيلي عبد القادر مسكار «للاتحاد الاشتراكي»: ما جعلني أشتغل على العيطة هو أنها فن راسخ في ذاكرتنا كنت استمع في صغري لفاطمة الزحافة لأن أبي كان مغرما بصوتها

بعد عرض لوحاته التشكيلية في عدد من دول العالم منها ألمانيا، مصر، فرنسا، وإيطاليا، وغيرها من الدول، حيث استطاعت أعماله الفنية أن تشد انتباه المتلقين والنقاد على حد سواء، مما جعله يفوز بعدد من الجوائز أهمها جائزة «تيلور» التي مُنحت له بعد مشاركته في معرض الخريف الفني بباريس، يعود الفنان التشكيلي المغربي عبد القادر مسكار إلى الدار البيضاء، حيث يعرض لوحاته برواق “منظار”، ابتداء من يوم الخميس 13 يوليوز 2023 إلى غاية 31 من نفس الشهر، ويضم المعرض أعماله الجديدة تحت عنوان “العيطة»…
الناقد المغربي شرف الدين ماجدولين، يرى أعمال الفنان التشكيلي عبدالقادر مسكار تكاد تختفي فيها ملامح الصور، وتحتل مكانها بقوة الرموز والعلامات، والأوشام، غير أن لوحات الفنان تظل محتفظة بالملامح والهيئات، بما يدل على الصورة ولا يشير إليها بالشكل المباشر، فلا يمكن عزل العمل الفني عن ثنائية الصورة والرمز، الإدراك والتأويل بتعبير آخر.
وفي ظل هذه الثنائية غير القابلة للانفصال، فالرمز لديه يتحول إلى صورة أو علامة مجردة، لها دلالتها وقابلية التأويل المتعددة، ما يجعل عمله يوصف بأنه “تعبير رمزي”، لكن لا يربطه أي رابط بتيار “الرمزية” التشخيصية، بل إن حضور الرمز المكثف والغني فيه هو ما يمنحه “الروح” قدرته على التعبير عبر الغموض.
نقاد آخرون يرون أن مسكار ينتمي إلى الحساسية الجديدة التي هي، ربما، ما جعلته يمنح للوحاته صفة التعددية من خلال تنويع المواد والخامات والصيغ التعبيرية.
وتمتاز تجربته بقدرته على المزاوجة والموافقة بين غوصه العميق في طبقات الإرث والتراث وتصاديه مع لغة الحداثة بفضل إقامته الطويلة الموزعة بين باريس الفرنسية وميلانو الإيطالية.
من أجل تسليط الضوء على ما يحتويه معرضه الجديد من إبداعات اختار لها أن تكون تحت عنوان « العيطة «، كان الحوار التالي..

n بعد عرض أعمالك التشكيلية في عدد من الدول، تعود اليوم إلى المغرب في أعمال جديدة تحت عنوان « العيطة «، لماذا «العيطة» بالضبط؟

pp اختيار اسم «العيطة»، لأنه عنوان يحيلنا على الزمن الذي مضى، حيث تربت أذواقنا على فن «العيطة»، فمن منا لم يستمع ويستمتع بهذا الفن الجميل والأصيل، إذ نجد أن المغاربة وجدوا أنفسهم قد تشبعوا بهذا الصنف الإبداعي منذ الطفولة، خاصة جيلنا وغيره من الأجيال الأخرى سواء التي كانت قبلنا أو تلك التي ستأتي بعدنا.
كان فن «العيطة» يسلبنا ويجذبنا إليه بكل جوارحنا، وهناك أسماء أجادت هذا الفن، نساء ورجالا، وهذا الجانب الأساسي الذي جعلني أفكر في تنظيم هذا المعرض باسم «العيطة»، لأن الكل يهتم بذلك سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، فـ»العيطة»، كما هو معروف، تعني في ما تعنيه، النداء سواء كان بصوت امرأة أو بصوت رجل، والملاحظ من خلال ذلك، أن المرأة المشتغلة في هذا الحقل الفني كانت شجاعة ولها جرأة وتتحدى كل الطابوهات.

لماذا هذا الانجذاب لفن «العيطة»، وهل إلى هذه الدرجة أنت متأثر بهذا الفن الشعبي المغربي الأصيل؟

pp من المؤكد أن هذا الانجذاب إلى فن «العيطة» حاضر وراسخ في لاوعينا وموشوم في ذاكرتنا، هذا الدافع هو الذي جعلني أشتغل على هذه التيمة، والمعرض المنظم بالدار البيضاء، يعبر عن ما هومتصل ومرتبط بالذاكرة بصفة عامة، حيث أن المناسبة تشكل فرصة للاحتفاء بمجموعة من الأسماء، ونقصد بذلك رواد «العيطة»، مثل خربوشة، فاطنة بنت الحسين، بوشعيب البيضاوي، أولاد البوعزاوي، الحاجة الحمداوية، فاطمة الزحافة وغيرهم من الأسماء الأخرى التي أعطت الشىء الكثير في هذا المجال.
وكما يعلم الجميع، فإن هؤلاء الرواد حاضرون بقوة في مخيلتنا الجماعية وفي حياتنا وفي اللاوعي أيضا، ومن منا لا يتذكر الحفلات خاصة تلك التي كانت تقام بمناسبة عيد العرش في عهد الملك الراحل الحسن، حيث كنا دائما ننتظر، بفارغ الصبر، وبكل شوق، هذه اللحظات الجميلة، حيث كان هؤلاء الرواد وغيرهم يؤثثون مساءاتنا بالأغاني الجميلة التي تمس الشعور والإحساس وتهز الوجدان، بالإضافة إلى ذلك، نتذكر أيضا أن العديد من الأحياء خاصة في الدار البيضاء، وعلى سبيل المثال، في حي البرنوصي والحي المحمدي، كانت تقام معارض « لافوار «، وكنا ونحن أطفال نزور هذه الفضاءات كي نستمتع بمتابعة « الشيخات « بفرح ومتعة، كما يجب علينا ألا ننسى أن فن «العيطة» موجود في المغرب منذ ثمانية قرون، قبل أن نزداد، بمعنى أنه لصيق بنا وجزء من جيناتنا، وبالتالي فهذا الفن متوارث جيلا عن جيل.

n هناك العديد من الأسماء التي اشتغلت في فن «العيطة»، وأعطت الشىء الكثير لهذا الفن، سواء من الرجال أو النساء، وكان لها تأثير على نفسية الفنان التشكيلي عبدالقادر مسكار كما جاء ذلك أيضا على لسانكم، هل يمكن القول إن هذا المعرض جاء تكريما لهذه الأسماء؟

pp تماما، الأمر كذلك، المعرض هو تكريم مستحق لجميع رواد فن «العيطة»، خاصة في ظل تراجع الاهتمام بهذا الفن مقارنة مع الماضي القريب، والمطلوب اليوم، هو الاهتمام بهذا الفن الشعبي المغربي الأصيل، وتكريم رواده الذين مازالوا على قيد الحياة، والاهتمام بهم، من أجل الحفاظ عليه من الانقراض، ودفع الأجيال الجديدة للسير في هذا المسار.
هناك أسماء كثيرة مازالت عالقة بذهني، فمنذ الصغر، كنت أستمع إلى أغاني فاطمة الزحافة كثيرا، لأن والدي كان مغرما بصوتها، وكذلك الأمر بالنسبة للفنانة فاطمة بنت الحسين، التي كانت تتميز بصوتها العميق، الذي يدخل إلى القلب والوجدان دون استئذان، كيفما كان المتلقي.
لاننسى أن فن «العيطة»، استعمل ووظف في عهد الاستعمار كوسيلة لبعث رسائل مشفرة للمقاومة المغربية، ولعبت» الشيخة « المغربية دورا مهما في ذلك.

n «العيطة» بصفتها تراثا لاماديا، إلى أي حد يمكن توظيف التشكيل من أجل تسويق هذا الفن خارج حدود أرض الوطن؟

pp من المهم التذكير بأن الإنسان الغربي لايفرق بين المرأة والرجل على مستوى الحقوق، وهذا يعني بالتأكيد أنه حينما يرى عملا تشكيليا موضوعه هو المرأة، من المفترض نظريا ألا ينبهر، بحكم الثقافة التي تربى عليها، لكن حين يعرف الخلفيات والرسائل المتوخاة من وراء هذا العمل، يتفاعل مع ذلك بشكل إيجابي.
وبالعودة إلى نظرة الأجنبي للأعمال التشكيلية التي تشتغل على المرأة، فالأمر يثير اهتمامه، بحكم أن المرأة تشكل نصف المجتمع، فالأمر لايتعلق بأعمال فنية ترتبط برسم الطبيعة أو غير ذلك، بل هو موضوع حساس، لأنه يمس شريحة كبيرة في المجتمع، وبالتالي نجد المتلقي الغربي مهتما بذلك، كما هو الشأن بالنسبة لاهتمام المتلقي المغربي أو العربي بمثل هذه المواضيع، فالأمر في مجمله لا يعني المغاربة وحدهم فقط بل هو موضوع يهم الإنسانية جمعاء.

وفي الحالة المرتبطة بالمعرض الذي يحتضن لوحاتي التشكيلية بالدار البيضاء، نريد أن نؤكد من خلاله، ومن خلال اللوحات، على المكانة الخاصة التي يوليها المغرب والمغاربة للمرأة، وأن مكانتها مصونة وتلعب أدوارا مهمة في المجتمع.
علينا أن نتذكر دائما، أن أهل «العيطة» وبالأخص النساء، كانوا منذ البداية يطالبون بالحرية من أجل الغناء، بحكم أن المجتمع المغربي لم يتقبل دخول النساء هذا المجال، لكن إصرارهن والإيمان بمواهبهن، جعلهن يركبن الصعاب والتحدي، ويكسرن هذا الطابو، ويفرضن ذواتهن في هذا الحقل الفني، بعدما انتزعن حريتهن انتزاعا .
فالفن بشكل عام، بكل أنواعه وأصنافه وتفرعاته، والإنسان، شيئان متلازمان، إذ أينما كان هناك إنسان، كان هناك فن، وأينما كان هناك فن كان هناك إنسان، فالمسألة ليست اختيارية، بل هي فطرية وغريزية.

n النقاد يصنفونك من خلال أعمالك الفنية ضمن الحساسية الجديدة، ماذا يمكن أن يفهم المتلقي من هذا التصنيف، وإلى أي حد أنت متفق مع هذا التوصيف؟

pp بالنسبة لي وبصفة عامة، لا أعير أي اهتمام للمدارس وللتصنيفات، ما يهمني حقا هو أن أكون كما أنا ، صادقا في عملي، لأن المدارس والاتجاهات أتت من بعد، المهم بالدرجة الأولى بالنسبة لي، هو أن يكون العمل الفني صادقا ونابعا من القلب، وأترجم ما أحس به إلى لوحات، يستطيع من خلاله الفنان أن يمس شعور المتلقي وإحساسه، بعد ذلك يبقى للناقد والمهتم أن يصنفك من خلال أعمالك في المدارس والاتجاهات الموجودة في هذا المجال، وهذا عمله وحقه على أية حال، وهذا ما حدث تماما في تاريخ الفن، إذ نجد الفنان دائما يشتغل ويبدع ويراكم تجاربه الإبداعية، وبعد ذلك يأتي الناقد ليشتغل هو الآخر على هذه الأعمال.
نقطة أخيرة مهمة من وجهة نظري، لابد من تسليط الضوء عليها، وهي أن الفنان التشكيلي، هو الآخر، عانى لمدة طويلة بدعوى أن هذا الفن حرام، لكن في نهاية المطاف، أصبح الفنان التشكيلي له الحق في أن يبدع كما وكيفما شاء، أتمنى أن تصل هذه الصرخة وهذا النداء إلى من يهمه الأمر، من أجل إعادة الاعتبار لفن «العيطة» ولرواده، ولكل المشتغلين في هذا الصنف الإبداعي الجميل، الذي عرفه المغرب منذ أكثر من ثمانية قرون.


الكاتب : حاوره جلال كندالي

  

بتاريخ : 17/07/2023