الفنانة سامية أحمد تنتقد مفارقات المشهد الفني في حوار مع الاتحاد الاشتراكي: كيف يمكن أن ننتقد الرداءة، ونحن لا نساند الجمال حين يطل؟

المطربة سامية أحمد، فنانة مغربية بصوت رخيم وحضور راق، ارتبط اسمها بالأغنية الملتزمة والشعرية، حيث جمعت في تجربتها بين الحس الصوفي والعمق الإنساني، متجاوزة منطق السوق ومتاهات الشهرة السريعة. اختارت مسارا فنيا متزنا، بعيدا عن التنازلات، وراكمت تجربة نقية أغنتها بنصوص شعراء كبار وأنغام مستلهمة من روح التراث المغربي والعربي دون أن تفقد خصوصيتها المعاصرة.
جاء هذا الحوار في سياق تصاعد النقاش حول دور الفنان في الارتقاء بالذوق العام، والهوة العميقة بين ما ينتج من فن راق، ومايستهلك جماهيريا من محتوى سطحي أو تجاري. وبينما ترتفع الأصوات منددة بالرداءة الفنية، تغيب في المقابل مبادرات فعلية لدعم التجارب الجادة والمتميزة.
في هذا المناخ، اختارت الفنانة سامية أحمد أن تضع كلماتها في عمق النقاش، لتعيد طرح الأسئلة الضرورية حول مسؤولية النخبة، الإعلام، والجمهور تجاه الجمال حين يطل
في حديث خصت به الاتحاد الاشتراكي، تسائل سامية أحمد بمرارة الواقع الثقافي والفني الراهن، منتقدة ما وصفته بالمفارقة السوسيولوجية التي تنخر العلاقة بين النخبة والجمهور والفن الراقي. وبينما يُستنكر صعود أسماء بلا رصيد فني، مدعومة بجمهور واسع، يظل الصمت مريبا حين يتعلق الأمر بمساندة من يشتغلون في الظل، بوفاء للمضمون والرسالة، وبأقل الإمكانيات.
تقول سامية أحمد إن بعض المثقفين يتعاملون مع الفن الجيد وكأنه قدر مكتوب، لا يحتاج إلى دعم أو ترويج. يعتبرونه قائما بذاته، دون أن يسعوا إلى تسليط الضوء عليه أو إلى مؤازرة من يصنعونه بصبر وعزلة.
في المقابل، لا يتردد كثيرون – تضيف سامية – في إطلاق أحكام قاسية تجاه ما يعتبرونه انحدارا في الذوق العام، وكأن الإدانة كافية لتغيير الواقع الفني.
وتوضح أن الإشكال أعمق من انفعال عابر تجاه عمل معين، بل هو انعكاس لانفصام في الفعل الثقافي. نحن نمارس النقد من أبراج عالية، تقول سامية، لكننا لا ننزل إلى الميدان، حيث يخوض الفنانون الحقيقيون معركتهم اليومية.
نطمح إلى مجتمع راق، تقول، لكننا لا نشارك في تربية الذوق، ولا نوجّه اختيارات الجمهور، بل نكتفي بلوم ما يُعرض علينا، دون أن نلتفت إلى البدائل الممكنة.
والأسوأ – تتابع – أننا ننتقد الفنان الذي وصل، ونصمت عن الفنان الذي يتعثر، رغم أنه يحمل مشروعا فنيا عميقا، لا يجد نفس الحظوة الإعلامية ولا المؤسسية.
وترى سامية أحمد أن ما نعيشه اليوم ليس فقط أزمة وعي، بل أيضا أزمة موقف، وربما أزمة نزاهة فكرية. فالفن الرفيع لا يعيش في العزلة، ولا يكفي أن نشيد به في الجلسات المغلقة. لا بد من إرادة جماعية حقيقية لحمايته، والاحتفاء به، وتمكينه من أدوات الاستمرار.
وتختم سامية حديثها بالتأكيد على أنه لا يحق لنا أن نشتكي من تدهور الذوق العام، ما دمنا نعامل الفن الراقي كأنه تحصيل حاصل. نحن شعب لا ينقصه الذكاء، تقول، لكننا في أمس الحاجة إلى الشجاعة… الشجاعة في اختيار من ندعم، ومن نصفق له، ومن نثق في رسالته.


الكاتب : جلال كندالي

  

بتاريخ : 08/07/2025