قدمت الفيدرالية الديمقراطية للشغل، ملاحظاتها ومقترحاتها أمام الهيئة المكلفة بمراجعة مدونة الأسرة، أول أمس الخميس بالرباط، مسجلة اختلالات ومعيقات المدونة، بعد 20 عاما من الممارسة العملية، أبانت عن عدة أبعاد سواء على مستوى المدونة كإطار قانوني مرجعي أو على مستوى تطبيقها على أرض الواقع، الأمر لا يقتصر على فراغ قانوني بل تعداه على تباين في معالجة قضايا الأسرة بين محكمة وأخرى مما يجعل المراجعة حاجة مجتمعية كبرى خاصة أن التجربة العملية أبانت عن عدة مظاهر للمساواة والتمييز في تطبيق أحكامها بشكل لائق .
واستمعت الهيئة المكلفة بمراجعة مدونة الأسرة إلى وفد الفيدرالية الديمقراطية للشغل برئاسة كاتبها العام يوسف إيذي وعضوية عبد الصادق السعيدي، خديجة كنيان، مريم كروم، محمد ابرباش، حكيم العبايد، أعضاء المكتب المركزي .
وأكد الكاتب العام أمام الهيئة أن الإشكالات التي تعترض مسطرة النزاعات الأسرية أمام القضاء وتمتد على طول المسطرة للأسف الشديد، بدءا بالدفاع مرورا بالخبرة القضائية والتبليغ والنيابة العامة وقضاء الحكم وانتهاء بالتنفيذ، كلها مليئة بحلقات ضعف من شأنها أن تتسبب في هدر حقوق أحد أطراف القضية .
وقدمت الفيدرالية الديمقراطية للشغل أربعة فروع وهي الزواج، الطلاق، الولادة ونتائجها، الإرث الذي يحتوي على أربع عشرة نقطة، حيث أكد الفرع الأول على تبسيط مسطرة عقد الزواج، مع جعل عقد الزواج هو الوثيقة الوحيدة المعتمدة لإثبات قيام العلاقة الزوجية، وتحديد السن القانوني للزواج في 18 سنة وتجريم زواج القاصر، حيث أثبتت الممارسة وحسب الأرقام الصادرة عن السلطة القضائية أن الاستثناء الذي ورد في المدونة هو القاعدة مما أسفر عن آثار وخيمة للقاصرات اللواتي يجدن أنفسهن إما مطلقات أو أمهات في عمر لايزلن فيه هم أنفسهن بحاجة إلى رعاية الأم، ومنع تعدد الزوجات وإقران هذا المنع بعقوبات زجرية للمخالف دون المس بمصالح الأطفال الذين قد ينتجون عن زواج التعدد خارج الإطار القانوني .
أما الفرع الثاني فهو الطلاق فتقترح الفيدرالية الديمقراطية للشغل توحيد مساطر الطلاق القضائي مع الإبقاء فقط على الطلاق بالاتفاق والطلاق بطلب أحد الزوجين، وإلغاء المقتضيات المتعلقة بالعدة، واعتماد الوسائل العلمية والاستفادة من تطورها ودقتها في إثبات وجود أو عدم وجود حمل عند انتهاء العلاقة الزوجية، وتقييد الإذن بتوثيق الطلاق الاتفاقي بأجل معين وجعله نافذا بعد هذا الأجل ما عدا إذا تراجع الزوجان، والتنصيص على الوكالة في الطلاق والطلاق الاتفاقي.
أما الفرع الثالث وهو الولادة ونتائجها، فطالب الكاتب العام بإلغاء التمييز القائم في النيابة الشرعية بين الأب والأم، ذلك أن هذه الأخيرة حسب النص الحالي ليست نائبة شرعية على أبنائها، إلا على سبيل الاحتياط، أي في حالة عدم وجود الأب أو فقد أهليته، وجعل الحضانة مشتركة بين الزوجين من خلال المساواة بالاحتفاظ بالأطفال بعد الطلاق وتحقيق التوازن بين الزوجين فيما يخص الولاية على الأبناء بإلغاء جميع المقتضيات التي تجرد المرأة من حقها في الولاية القانونية على أبنائها القاصرين، وإلغاء التمييز القائم بين البنوة والنسب، وإقرار حق الطفل في النسب بغض النظر عن الحالة العائلية للزوجين وإلحاقه بنسبهما معا، اعتمادا على الخبرة الجينية كأداة لإثبات النسب، تعتمد في المنازعات القضائية، وعند ثبوت النسب يترتب عليه كل آثار البنوة الشرعية .
أما الفرع الرابع فهو الإرث ، فأكد يوسف أيذي، أن التنصيص على استحقاق الزوجة بلا أبناء لنصف الممتلكات التي حصلها الزوج خلال فترة الزواج، وذلك باعتراف بمساهمة الزوجين في البناء الأسري ، فالمرأة تكد كما الرجل، لذا وجب وضع إطار لضمان حقوق الطرفين بخلفية مبدأ المساواة، والتنصيص على استقلالية الذمة المالية للزوجين، وعدم تقييد الوصية، وإلغاء مقتضيات التعصيب.
وختمت المرافعة التي قدمتها الفيدرالية الديمقراطية للشغل أمام الهيئة المكلفة بمراجعة مدونة الأسرة، بإلغاء المادة 400 من مدونة الأسرة التي تدعو إلى الرجوع إلى ما نص عليه المذهب المالكي والاجتهاد في كل ما يرد بشأنه نص في المدونة، ذلك أن الانزياح القانوني يعطي للقاضي سلطة تشريعية في حين لا تتعدى سلطته تطبيق أحكام القانون ثم أن مفهوم الاجتهاد واسع قد يؤدي في بعض الأحيان إلى أحكام متضاربة .
ضرورة وضع قانون إجرائي خاص بقضايا الأسرة مع افتتاح الدعوى حتى نهايتها يراعي الطبيعة الإنسانية والاقتصادية والاجتماعية، والتنصيص على جعل النيابة العامة طرفا أصليا في قضاء مدونة الأسرة، ومعالجة خلو المدونة من أي جزاء جنائي عند مخالفة بعض أحكامها، وتجاوز استعمال مصطلحات مشتركة في اللفظ ومختلفة في المعنى مثل الولاية، وتنظيم نفقة الزوجة المسجونة ووضع مسطرة لاستيفائها، عدم الإشارة لمصير الإذن بتوثيق عقد الزواج في حالة عدول أحد الأطراف عن توثيق العقد، ومراجعة شرط التوصل الشخصي في مسطرة الطلاق نظرا لما يسببه هذا الشرط من تعطيل المسطرة، وتشديد العقوبات الزجرية على المتهربين من تنفيذ أحكام قضائية في قضايا الأسرة أو أحد المتحايلين عليها، وإحداث شرطة قضائية مختصة في قضايا الأسرة خاصة على مستوى التنفيذ، وتعديل المادة 57 من قانون المحاماة والمتعلقة بكيفية سحب المبالغ المنفذة بواسطة محام، وذلك بالتنصيص على آجال قانونية معقولة لتلك المبالغ كلما تعلق الأمر بمستحقات النساء والأطفال أو التنصيص على أحقية المرأة في قضايا الأسرة في سحبها من صندوق المحكمة مباشرة .