الفيلم البريطاني « الهدير الصامت» اسكشاف ساخر لأسئلة الدين و الموت والجنس

تتميز الدورة العشرون من مهرجان مراكش الدولي للفيلم بتنوع استثنائي للرؤى السينمائية المقترحة سواء في إطار المسابقة الرسمية أو في قائمة العروض الموازية، مشكلة بذلك حوارية جمالية تستحق الانتباه من قبل عشاق الفن السابع، و لاسيما محترفي هذه الصناعة. و يشكل فيلم « الهدير الصامت»، و هو الفيلم الطويل الأول في مسار المخرج البرطاني جوني بارينغتون الذي برز في عام 2012 بفيلمه القصير السريالي( اضطراب)، واحدا من لحظات هذا التنوع القوية والواثقة التي عمل مخرجها على تقويض مبادئ الواقعية الاجتماعية مع تلميحات من السحر والغموض.
تدور قصة الفيلم حول شخصية «دوندو» التي يؤديها الممثل لويس مكارتني ، و هو مراهق يعيش في بلدة صغيرة ولا يزال يعاني من وفاة والده – الذي فقد في البحر – قبل عام. يقضي دوندو، المهووس بركوب الأمواج، مقتنعًا بأنه سيتمكن من العثور على والده.  و يشكل لقاؤه بقس منعطفا في حياته، حيث يجد دوندو نفسه مشحونا بوعود الإله، وبقدرته على إعادة والده بأمان، ليقع تحت تأثير الكنيسة.
وصف النقاد قصة الفيلم بالخطيرة ظاهريًا، تحمل في تفاصيلها عددًا لا يحصى من القضايا، من بينها حياة البلدة الصغيرة، والتظلم، والمعتقد، والجنس، والنفاق، وهي قضايا يتم تقويضها باستمرار بروح الدعابة الساخرة، مثل استكشاف الأعضاء التناسلية للإله، أو الظهور اللاحق لـ «يسوع السويسري» (وهو أيضًا أسود وأنثى).
يقول أحد النقاد «يقدم الفيلم المناخ الاسكتلندي النموذجي، حيث كل السماء رمادية اللون والتلال الخضراء المورقة ولكنها تنذر بالسوء قليلاً، مثلما هناك أيضًا إحساس بالجمال والسحر.  فبينما يتسارع الفيلم نحو نهايته، مع تكثيف بارينغتون للجانب الغريب، فإنه ينجز شيئًا – فيما يتعلق بصناعة الأفلام البريطانية، يتعلق بتمكنه من تجاوز الخط الفاصل بين الألفة المريحة والمجازفة الجريئة. .»
يجسد الفيلم موجة الشباب المضطربة التي تنجرف بين اليقين والشك، المأخوذة برحلة بحث عن الأشياء المفقودة في الماضي و استكشاف تلك التي يعد بها المستقبل.
تقول الناقدة كاترين براي عن الفيلم : «تجنب بارينغتون أسلوب استخدام البطاقة البريدية المصورة للسائح – وهو أمر صعب، نظرًا لأن هذه المناظر الطبيعية الاسكتلندية النائية تبدو وكأنها نوع من الأشياء التي تجدها في تقويم تذكاري جميل. بدلاً من ذلك، فهو يركز على كيفية تشكيل عناصر المكان: المحيط الذي ينحت كهوفًا بحرية، والرياح التي تصفر فوق المساحات المفتوحة، مما يضمن أن الحياة النباتية الأكثر صعوبة فقط هي التي ستنجح. يتمسك الدين بشدة بمثل هذه المواقع النائية، ويشق طريقه إلى الشقوق العميقة مثل الزاحف القوي على قمة الجرف. تلوح أعمدة التلغراف الداكنة على شكل حرف T فوق المناظر الطبيعية مثل الصلبان.»
و تضيف « تعتبر المساهمات الحرفية الاستثنائية هي المفتاح لهذا الإحساس الكبير بالجو. من خلال التصوير باستخدام عدسة 16 ملم، يحدد مدير التصوير نعومة جميلة في التراكيب التي يمكن أن تبدو محظورة تمامًا، في حين تستذكر اللقطات المذهلة لركوب الأمواج وتحت الماء التي التقطها جون فرانك، عملَ راكب الأمواج الشهير ومخرج الأفلام من منظور شخصي جورج غرينو. من الواضح أن بارينغتون، الذي عمل مصورًا للسفينة لبضع سنوات قبل أن يدرس في مدرسة جلاسكو للفنون، يدرك مدى أهمية صناعة الصور في تحقيق سرد خفيف ومحتمل.»
نشأ جوني بارينكتون في جزيرة سكاي باسكتلندا. عمل على مدى سنتين كمصور للقوارب في المحيط الهادئ والبحر الكاريبي، قبل أن يدرس التصوير الفوتوغرافي في مدرسة غلاسكو للفنون. تم اختيار اثنين من أفلامه القصيرة، «سمك السلمون المرقط» (2007) و» اضطراب» (2012)، من أجل عرض عالمي أول في صندانس، كما ترشحا لنيل جوائز الأكاديمية البريطانية للأفلام (بافتا) .» الهدير الصامت» هو أول فيلم روائي طويل من إخراجه، وقد صوره في الجزر الغربية لاسكتلندا. يعمل حاليا على كتابة سيناريو فيلمه الطويل الثاني.


الكاتب : عبد الصمد الكباص

  

بتاريخ : 29/11/2023