وكالات
أكد أستاذ القانون العام بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية السويسي-الرباط، العباس الوردي، أن المشهد السياسي المغربي يعرف ميلاد منعطف جديد في مسار تدبير مسألة مواصلة البناء الديمقراطي.
وأوضح الوردي، في مقال تحليلي، أنه على الرغم من المجهودات التي تبذلها مجموع الأطياف السياسية والحزبية المغربية إلا أن المشهد السياسي المغربي يعرف أسوة بجملة من النماذج السياسية الدولية المقارنة، ميلاد منعطف جديد في مسار تدبير مسألة مواصلة البناء الديمقراطي، وخاصة في الشق المرتبط بتنمية الديمقراطية التمثيلية، وذلك اعتبارا من كونها المدخل الأساسي والمباشر للتعبير عن انشغالات المواطنين والمواطنات، وذلك عبر بوابة المؤسسة التشريعية من جهة، والسلطة التنفيذية من جهة أخرى.
وأضاف أن التجربة السياسية المغربية تعبر عن جملة من التوجهات والتي تتوخى في مجموعها الإجابة عن سؤال الديمقراطية، وذلك في إطار نمط حزبي تعددي، مرهون بضرورة التعبير عن انشغالات المواطنات والمواطنين من خلال المشاركة في القرار العمومي، وذلك عبر نافذة إقرار سياسات عمومية تتماشى والخيار الديمقراطي الذي انخرطت فيه المملكة المغربية منذ حصولها على الاستقلال.
وتابع قائلا « إن المتتبع للمشهدين السياسي والحزبي المغربي لتستوقفه جملة من المؤشرات الطامحة إلى ترسيخ ورش الديمقراطية على أرض الواقع ومن ثمة الاستمرار في تحري تجلياتها وبلوغ نتائجها، وذلك عبر منظومتي الإصلاح الدستوري والقانوني، وهي مؤشرات انطلقت مع أول دستور للمملكة لسنة 1962 مرورا بالتعديلات الدستورية لسنوات 1972 و 1992و 1996 ووصولا إلى دستور سنة 2011».
ولفت الأستاذ الجامعي إلى أن هذه المؤشرات تتجلى من خلال جملة من الأوراش تتمثل في اعتماد المغرب للعديد من الإصلاحات الحقوقية والمؤسساتية، وذلك من قبيل مغربة الإدارة، وهيئة الإنصاف والمصالحة وورش الجهوية المتقدمة وغيرها من الإصلاحات الجذرية والتي لازالت تساهم في ارتقاء المغرب في معدلات المؤشرات الدولية، والتي أعطت للمملكة علامات متقدمة بالمقارنة مع دول المغرب العربي وشمال إفريقيا.
كما تتمثل في اعتماد المغرب لخطة إقلاع اقتصادي انطلقت منذ سياسة المخططات وتطورت عبر سلوك نهج الاستراتيجية، ما مكن المملكة من الظفر باستثمارات كبيرة وخاصة في مجالات الصناعة، والخدمات، والطاقات المتجددة، والفلاحة وغيرها، ومن ثمة ضمن المغرب مقعدا له ضمن منظومة الدول التي أصبحت ذات باع كبير وخاصة في مجال النماء الاقتصادي الجذاب والمبني على النجاعة، والمرونة والاستدامة.
وتشمل أيضا الانخراط في مسلسل إصلاحي اجتماعي كبير قوامه التنمية البشرية، وهو ما أشرت على نجاعته مجموعة من المؤسسات الدولية، والتي دللت على نتائج حقيقية بلغتها المملكة وخاصة في ما يرتبط بمحاربة الفقر والهشاشة والهدر المدرسي وتكريس معطى الاقتصاد الاجتماعي والتضامني، وذلك من خلال مشاريع المبادرة الوطنية للتنمية البشرية وكذا الإعلان عن ورش السجل الاجتماعي الذي يؤرخ لبناء حلقة جديدة من حلقات التنمية الاجتماعية المستدامة.
وتجاوبا مع منسوب هذه الدينامية العالمية، واعتبارا من أن المغرب يشكل جزءا لا يتجزأ من المنظومة الدولية، ومساهمة من جميع الأطياف السياسية المكونة للمنظومة الحزبية بالمغرب، وبالتزامن مع قرب الاستحقاقات الانتخابية في بحر السنة الجارية، قال الوردي إن المشهد السياسي المغربي عرف جملة من المستجدات توجت بانطلاق مشاورات موسعة شملت جميع الأحزاب السياسية، سواء منها الممثلة أو غير الممثلة في المؤسسة التشريعية، وذلك في ما يتعلق بإعادة النظر في الأسس القانونية للعملية الانتخابية.
ولفت إلى أن خصوصية هذه المرحلة، واعتبارا لمجموعة من الرهانات التي انخرط فيها المغرب من أجل الاستمرار في تشييد مقومات دولة الحق والقانون، فرضت على الفاعلين السياسيين الجلوس على طاولة واحدة عنوانها ماهية الارتقاء بالآليات القانونية الكفيلة بالتجاوب مع مغرب العهد الجديد، أمر تمخضت عنه مذكرات حزبية وازنة أبانت بالفعل عن حضور الحس الوطني لدى مختلف الأطياف الحزبية السياسية، مما تم وضع الأصبع على الإشكالات القانونية التي لاتزال تفرمل ميزان المشاركة الحزبية التعددية في تدبير قضايا الشأن العام، وذلك من قبيل العتبة، واللائحة الوطنية، وتقييم التمثيلية النسائية طبقا لمقتضيات الفصل 19 من دستور 2011، والقاسم الانتخابي.
وأضاف الأستاذ الجامعي أن هذه النقاط شهدت نقاشا مستفيضا من الأخذ والرد بين جميع مكونات المنظومة الحزبية وبكل مسؤولية، تعديلات همت القانون التنظيمي رقم 27.11 المتعلق بمجلس النواب والذي تضمن مستجدات استراتيجية، تمثلت بالأساس على سبيل المثال لا الحصر في تحديد حالات التنافي في ما يتعلق بجمع العضوية بين مجلس النواب مع رئاسة مجلس الجهة ومجلس الجماعة، وحالات التجريد من عضوية مجلس النواب، والحالات التي لا يؤهل فيها الترشح لعضوية مجلس النواب، وتعويض اللائحة الوطنية بلائحة جهوية، وتخصيص المرتبتين الأولى والثانية في كل لائحة ترشيح حصريا للنساء، وكذا حالات التجريد من العضوية وخاصة في الشق المتعلق بالانتماء السياسي، وغيرها.
وتابع قائلا «غير أن التعديل المتعلق بالقاسم الانتخابي الذي أدخل على المادة 84 من مشروع القانون التنظيمي 04.21 القاضي بتعديل وتتميم القانون التنظيمي 27.11 كما صادق عليه مجلس النواب في جلسته المنعقدة في 05 مارس 2021، حاز الحيز العريض من النقاش بين مختلف الفرق البرلمانية، إذ تم التنصيص فيه على أنه +لا يمكن أن يعلن عن انتخاب مترشحي لائحة فريدة أو مترشح فريد إذا لم تحصل اللائحة المعنية أو المترشح المعني على عدد من الأصوات يعادل على الأقل خمس أصوات الناخبين المقيدين بالدائرة الانتخابية المعنية+».
وبالتالي، وطبقا لهذه الصيغة المعدلة، يضيف صاحب المقال، فإن عملية احتساب القاسم الانتخابي ستتم من خلال القيام بقسمة عدد المسجلين في اللوائح الانتخابية في دائرة معينة على عدد المقاعد المتبارى بشأنها في الدائرة الانتخابية، غير أن السؤال العريض الذي يطرح في هذا الباب هو مدى انسجام هذا الإجراء الجديد لروح دستور سنة 2011، وما هو يا ترى موقف المحكمة الدستورية المحتمل في ما يتعلق بمدى مطابقته لأحكام الدستور.
وللإجابة عن هذين السؤالين الاستراتيجيين، ذكر الوردي بأحكام الفقرة الثانية من الفصل 62 من الدستور الذي ينص على أنه «يبين قانون تنظيمي عدد أعضاء مجلس النواب ونظام انتخابهم ومبادئ التقسيم الانتخابي والشروط القابلة للانتخاب وحالات التنافي وقواعد الحد من الجمع بين انتدابات ونظام المنازعة الانتخابية».
وقال في هذا الصدد، إن التعاطي مع مبدأ التقسيم الإنتخابي يتماشى مع ما نص عليه الدستور، وهذا ليس بحكم قيمة من قبل الكاتب، ذلك أن أساس تحليل هذا المستجد يتوخى قياس مدى احترامه للدستور أم لا، وذلك اعتبارا من أن الدستور يعتبر أسمى وثيقة بالدولة.
وأضاف أن «هذا القانون التنظيمي سيتم عرضه لزاما على أنظار المحكمة الدستورية، الأمر الذي يدخل في باب المراقبة القبلية لدستورية القوانين، بحيث تكون هذه المراقبة إلزامية فيما يتعلق بالقوانين التنظيمية التي تحال إلى المحكمة الدستورية بعد مصادقة البرلمان عليها وقبل إصدار الأمر بتنفيذها».
وتأسيسا على كل ما سبق ذكره، أشار الكاتب إلى أن اختيار الحديث عن القاسم الانتخابي في هذه الظرفية بالذات، دفعه للخوض في أغوار التعديل الذي أدخل عليه، والحرص على تناوله من الزاوية الدستورية، الأمر الذي يستخلص من خلاله بأن المؤسسة التشريعية قامت بتنزيل مقتضيات مكفولة بنص الدستور، وذلك بغض النظر عمن يتفق أو لا يتفق مع مسألة احتساب القاسم الانتخابي على أساس عدد المسجلين، مذكرا في هذا الباب بالدور المحوري الذي تقوم به المحكمة الدستورية وذلك إعمالا لمبدأ دستورية القوانين.
وأكد الوردي أن رهان الإصلاح السياسي والمؤسساتي هو مطلب لجميع دول العالم، كما أن الأحزاب السياسية لتعد فاعلا رئيسيا في مسلسل الإصلاح هذا، وذلك من خلال تمثيلها للمواطنات والمواطنين والتعبير عن طموحاتهم عبر تنزيل سياسات عمومية قادرة على الارتقاء بمنسوب الشأن العام.
وأضاف أنه اعتبارا من أن نسبة المشاركة السياسية للمغاربة لا تزال ضعيفة، وذلك استنادا إلى مجموعة من الإحصاءات التي همت نتائج المسلسل الانتخابي المغربي منذ الاستقلال، فإن اعتماد مثل هذه الآلية وإذا ما أقرناها بطموحات المغاربة، ستكون لها لا محالة جملة من الإيجابيات، أبرزها التخفيف من طامة العزوف السياسي وخاصة في فئة الشباب الذين يشكلون أعلى نسبة من الهرم السكاني المغربي، وتوسيع رقعة التسجيل في اللوائح الانتخابية لدى جميع المغاربة، وذلك من خلال تنمية المسؤولية الوطنية لديهم بأنه لا مناص من المشاركة السياسية لمواصلة البناء الديمقراطي والتنموي المغربي.
كما تشمل هذه الإيجابيات الرفع من تمثيلية المرأة في المشهد الانتخابي، وذلك في أفق بلوغ المناصفة، وتمكين مختلف الأحزاب السياسية، التي تكون المشهد السياسي المغربي ذي الصبغة التعددية، من خوض غمار الممارسة السياسية وعبرها تدبير قضايا الشأن العام من داخل المؤسسات الدستورية وعلى رأسها المؤسسة التشريعية، وبلوغ حكومات ذات تلاوين سياسية مختلفة ستمكن لا محالة من لم حالة التشرذم واللوم الحزبي الذي كل الجميع ومل منه، والزيادة من منسوب التنافسية المبنية على أساس الظفر بالمقعد الانتخابي لمن أقنع وخاصة مع حذف ?باراج ? العتبة، وكذا محاربة آفة ?مالين الشكارة ?، وذلك في أفق القطع معها نهائيا.
ولأجل ذلك، خلص الوردي إلى أن إصلاح المنظومة القانونية هي مسألة صحية ومرغوب فيها من أجل بلوغ أهداف الديمقراطية الحقة، ناهيك على أن المعترك الانتخابي سوف يكون هو الفيصل بين جميع الأحزاب السياسية، وذلك من أجل الوصول جميعا إلى البناء الديمقراطي والمقترن لزاما بضرورة الإصلاح السياسي المؤسس على التنافسية الحزبية المبنية على البرامج الواقعية والمستدامة.
تحقيق العدالة الانتخابية
ومن جهته، أكد الباحث في العلوم القانونية، يونس أيوبي، السبت، أن القاسم الانتخابي سيمكن من الرفع من نسبة المشاركة في الانتخابات وتحقيق العدالة الانتخابية.
وأوضح أيوبي، في مقال تحليلي، أن نمط الاقتراع الذي يستخرج عن طريق قسمة عدد الناخبين المقيدين في الدائرة الانتخابية المعنية على عدد المقاعد المخصصة لها، سيمكن من تحقيق العديد من النتائج والآثار الايجابية، منها دفع الناخبات والناخبين المقيدين في اللوائح الانتخابية إلى المشاركة في التصويت مادام أن تسجيلهم فيها له أثر.-
وأضاف في هذا الصدد، أن من شأن ذلك أن يضع الناخبين أيضا أمام مسؤولياتهم، مما سيساهم في الرفع من نسبة المشاركة، وتحقيق العدالة الانتخابية، حيث سيمكن القاسم الانتخابي الأحزاب من الحصول على عدد من المقاعد في إطار الاستحقاق.
وأضاف أن القاسم الانتخابي سيمكن أيضا من تعزيز التمثيلية والتعددية، حيث سيمكن مجموعة من الأحزاب بغض النظر عن حجمها من إمكانية الحصول على عدد من المقاعد ملائم مع حجمها الحقيقي، وهذا ما من شأنه حماية التعددية وضمان حقوق الأقلية.
وفي هذا الصدد، أبرز الباحث أن ?اختيار نمط معين من أنماط الاقتراع، لا يتم اعتمادا على اعتبارات تقنية وحسب، وإنما تؤثر وتتحكم فيه عدة اعتبارات وحسابات سياسية ?، مضيفا أن ?كل أنماط الاقتراع تفرز نوعا من العلاقة بين الناخب والمنتخب من جهة، كما تؤثر في النظام الحزبي من جهة ثانية، وتتحكم في تشكيل الحكومات وفي استقرارها من جهة ثالثة .?
ولفت إلى أنه غالبا ما تعرف الأنظمة الانتخابية تعديلات ومراجعات في العديد من الدول، وذلك كلما تبين بأن نمط الاقتراع المعمول به لا يفي بالأهداف المتوخاة منه، ويبقى الهدف من هذه المراجعات هو ترجمة المبادئ والأهداف الدستورية بما تسعى إليه من غايات وأهداف سياسية وأساسا منها تطوير الممارسة الديمقراطية».
وذكر أيوبي أن المغرب جرب أيضا مجموعة من أنماط الاقتراع، وذلك منذ بداية المسار السياسي والانتخابي بالمملكة المغربية، مشيرا كذلك إلى أن السياق والبيئة تشكل عوامل مؤثرة في تحديد نمط الاقتراع.
وأضاف أنه ?دون الخوض في تفاصيل الاعتبارات التي تحكمت في اعتماد نمط الاقتراع في القوانين الانتخابية السابقة، ينبغي التأكيد على أن أي نمط اقتراع كيفما كان يجب أن يستهدف تشجيع المشاركة السياسية والرفع من نسبة المشاركين فيها، والعدالة الانتخابية من خلال ضمان مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص بين كافة الأحزاب السياسية، وحماية مبدأ حرية الانتخاب ونزاهة العمليات الانتخابية، وحماية مبدأ التعددية والتمثيلية، وإفراز مؤسسات منتخبة تشكل تجسيدا للإرادة العامة . ?
وتابع قائلا إن ?مجموع هذه الأهداف أقرها المشرع الدستوري المغربي في دستور 2011، حيث تضمن الدستور العديد من الأحكام والمبادئ المؤطرة للعملية الانتخابية ? ، مشيرا إلى أن ?الدستور وإن كان يحدد المبادئ العامة والأهداف الدستورية، فهو لا يخوض في التفاصيل التقنية المتعلقة بتنظيم العمليات الانتخابية، حيث يحيل في هذا الخصوص على قوانين تنظيمية أو قوانين عادية .?
وفي هذا الصدد، ذكر أيوبي بأن الفقرة الثانية من الفصل 62 من الدستور تنص على أن ?يبين قانون تنظيمي عدد أعضاء مجلس النواب، ونظام انتخابهم، ومبادئ التقسيم الانتخابي، وشروط القابلية للانتخاب، وحالات التنافي، وقواعد الحد من الجمع بين الانتدابات، ونظام المنازعات الانتخابية .?
وطبقا لهذه المقتضيات الدستورية - يضيف الباحث- فكل ما يتعلق بنظام الانتخاب، بما فيه القاسم الانتخابي، يجب أن يتم بمقتضى القانون التنظيمي المتعلق بمجلس النواب، مبرزا أن المشرع له سلطة تقديرية في اختيار نمط الاقتراع الذي يراه ملائما، والقضاء الدستوري ليس له التعقيب على السلطة التقديرية للمشرع.
وأبرز أنه ما دام الدستور لا يتضمن تحديدا لنمط الاقتراع الواجب اعتماده في انتخاب أعضاء مجلس النواب، ولا يوجد في الدستور ما يمنع من اعتماد نمط معين، فإن القاسم الانتخابي الذي يستخرج عن طريق قسمة عدد الناخبين المقيدين في الدائرة الانتخابية المعنية على عدد المقاعد المخصصة لها، ليس فيه ما يخالف الدستور.
وزيادة على ما سبق، يضيف الباحث، فالقاسم الذي يستخرج عن طريق قسمة عدد الناخبين المقيدين في الدائرة الانتخابية المعنية على عدد المقاعد المخصصة لها والذي تضمنه مشروع القانون التنظيمي رقم 04.21 المتعلق بمجلس النواب، تمت المصادقة عليه بالأغلبية في مجلسي البرلمان، مؤكدا أن الديمقراطية تفرض احترام نتيجة التصويت.
وانطلاقا مما سبق، أشار أيوبي إلى كون العديد من النقاشات التي تناولت موضوع القاسم الانتخابي المشار إليه أعلاه، هي نقاشات سياسية وتبقى مشروعة، ومن حق جميع الأحزاب السياسية، كما هو من حق جميع المواطنات والمواطنين التعبير عن رأيهم بكل حرية، ولكن الآراء المعبر عنها يجب أن لا تصل إلى درجة التشكيك في دستورية نمط الاقتراع هذا أو الجزم بذلك، فالمحكمة الدستورية هي التي لها ولوحدها الحق في القضاء إما بدستورية أو عدم دستورية قانون ما طبقا لأحكام الدستور ومقتضيات القانون التنظيمي المتعلق بالمحكمة الدستورية.
وأكد على أنه « لا يوجد نظام انتخابي جيد بشكل كلي أو سلبي ورديء بشكل كلي، فالنظام الانتخابي ينبغي أن يكون موضوع نقاش عمومي واسع بمشاركة كل المعنيين من دولة وأحزاب سياسية وجمعيات مدنية ومواطنين… كما ينبغي أن يكون رافعة أساسية للتنمية السياسية، وأداة لتحقيق الديمقراطية، وآلية لتفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، فضلا عن ضرورة استحضار مصلحة الشعب في اختيار نمط الاقتراع، وتجاوز المصالح والحسابات السياسية الضيقة .»
وخلص أيوبي إلى أن الأهم بالنسبه له هو حرص جميع الفاعلين والمتدخلين على ضمان نزاهة العملية الانتخابية، والعمل على الرفع من نسبة المشاركة، وإعادة الثقة للعملية الانتخابية وللمؤسسات المنتخبة، والمساهمة في تعزيز المسار الديمقراطي والتنموي بالمملكة.
القاسم الانتخابي: فتح المجال أمام جميع القوى السياسية للمشاركة في صياغة واتخاذ القرار
أكد محمد يحيا، أستاذ القانون العام بكلية الحقوق بطنجة وعميد سابق لها، أن أهمية تعديل القاسم الانتخابي تندرج في سياق فتح المجال أمام جميع القوى السياسية للمشاركة في صياغة واتخاذ القرار من خلال المؤسسة التشريعية، وباقي الهيئات التمثيلية الترابية، للانتقال من الديمقراطية التمثيلية (d?mocratie repr?sentative) إلى ديمقراطية الانخراط (d?mocratie d›adh?sion).
وأوضح يحيا، في مقال تحليلي بعنوان «الأبعاد الموضوعية للقاسم الانتخابي بين فحوى الدستور والممارسة الانتخابية»، أن هذا سيؤدي بالإضافة إلى المساهمة الواسعة في تحقيق المشاركة في القرار داخل المؤسسة التشريعية، إلى تجسيد الإجماع والتوافق في تبني القوانين بين الأغلبية والمعارضة.
وسجل أن البعض قد يقول إن «المسألة قد تؤدي إلى بلقنة المشهد السياسي ما سيصبح معه صعبا تشكيل تحالفات حكومية قوية بعد الانتخابات وانعكاساتها سلبا على الانسجام الحكومي»، مضيفا أن «هذا الأمر يعتبر في الوضع الراهن من باب تحصيل الحاصل، وبالتالي لا يمكن إثارته كسبب منطقي لانتقاد اعتماد قاسم انتخابي جديد، أو القول بأنه يؤدي إلى الإجهاز على انتظارات وتطلعات المواطنين».
وتابع أن القاسم الانتخابي يعتبر من النقاشات التي استأثرت باهتمام الرأي العام قبل الانتخابات التشريعية المقبلة، إذ أن النقاش بهذا الصدد لا يمكن أن يكون مقتصرا على الإشكاليات التي تطرحها ضرورة اعتماد قاسم انتخابي جديد، بل يتعداه إلى تحليل واقع الساحة السياسية الوطنية بما تحمله من إيجابيات وسلبيات، ليشكل مجالا خصبا للتحليل والقراءة بالنسبة للذاكرة الجماعية الوطنية لمختلف الفرقاء والتنظيمات السياسية بما فيها تلك التي غالبا ما كانت تدعو لمقاطعة الاستحقاق.
وأوضح أن السبب الأساسي وراء النقاش الواسع للتعديل الذي قدمته 7 أحزاب مغربية على القاسم الانتخابي، يجد مرتكزاته في النتائج المتوخاة من هذا التغيير لتحقيق تمثيلية موسعة للناخبين برسم الدوائر الانتخابية الوطنية والمحلية، تجسيدا لانتخابات حرة ونزيهة وتكريسا لمسلسل الخيار الديمقراطي وفق المعايير المتعارف عليها دوليا، مضيفا أن «التعددية السياسية وحدها تبقى الضامن لتجويد الهندسة الانتخابية لدولة تؤمن بالتعددية السياسية، لأن نظام الحزب الوحيد يعتبر غير مشروع وذلك ما أكدته الدساتير المغربية المتعاقبة منذ أول دستور للمملكة سنة 1962».
وأشار الأستاذ الجامعي إلى أن القوانين الانتخابية هي جزء لا يتجزأ من اللعبة السياسية المعتمدة في الأنظمة الديمقراطية للتعبير عن انتظارات وتطلعات الناخبين (جميع المواطنين) الذين لهم الحق في التصويت، واختيار من سيمثلهم ومن سيزاول السلطة باسمهم. ومن هذا المنطق تختار كل دولة ما يلائم خصوصياتها بالنظر إلى واقع وحجم التمثيلية داخل المؤسسات والمردودية المحققة في أفق الإجابة على سؤال: هل يجب تقليص عدد الأحزاب داخل المؤسسات ؟ من خلال مثلا اعتماد نظام أكبر معدل، أو وضع عتبة انتخابية تشترط فقط الحصول على نسبة معينة من الأصوات، وبالتالي توسيع دائرة التمثيل الحزبية داخل المؤسسات المنتخبة لتشمل جميع الأحزاب، حيث جميع التيارات السياسية يجب أن يكون لها حضور يوضح وجهة نظرها والمساهمة في جميع القضايا ذات الصلة بالشأن العام … كما أن واقع المغرب اليوم، يضيف يحيا، يؤكد وجود كتلة ناخبة هامة عازفة عن الإدلاء بأصواتها في مختلف المحطات الانتخابية (الطبقة المتوسطة والنخب المثقفة) ما يعطي صورة غير واضحة عن توجهات ومآل الرأي العام، واستحالة تقييم المشهد السياسي، مشيرا إلى أن «هذه الفئة هي التي توجه الانتقادات لأداء ومردودية عمل الحكومة والبرلمان وأداء الهيئات الترابية المنتخبة وباقي الهيئات الدستورية…إلخ، هو واقع تتبناه بقوة في كل ما تدونه وتغرد به بمواقع التواصل الاجتماعي، من خلال رفضها هيمنة تيارات سياسية تحكمت في العملية الانتخابية بواقع مجتمع مدني مزيف مؤسس على العمل الخيري، أو الخطاب الديني، أو المقاربة التضليلية، ما أصبح معه بالنتيجة والضرورة أن الأحزاب السياسية المستفيدة من نمط الاقتراع الحالي لا تهمها ظاهرة العزوف الانتخابي ما دامت هي أكبر مستفيد، مكرسة معاناة المؤسسات و طريقة اشتغالها».
وعليه، يعتبر الجامعي المغربي، أن «تغيير القاسم الانتخابي ديمقراطيا مقبول بالمملكة، والدستور إذا كان لم يحدد نمطا للاقتراع، فإنه أيضا لم يبين أي تصور أو قواعد متصلة تحديدا بالقاسم الانتخابي اللازم أخذه بعين الاعتبار أو تجسيده على أرض الواقع».
ومضى محمد يحيا قائلا إنه «إذا كان تصويت البرلمان على القواعد المتصلة بانتخاب أعضاء مجلس النواب بما فيها القاسم الانتخابي، هو جزء لا يتجزأ من صلب اختصاص البرلمان، فإن اختصاص المحكمة الدستورية لفحصه مسألة غير قابلة للنقاش لأنه يصدر في شكل قانون تنظيمي، والمحكمة الدستورية حينما تقوم بفحص دستورية قانون تنظيمي، فإنها تعمل على التأكد من: (وجود من عدمه) مخالفات لمضمون القانون التنظيمي مع أحكام وفصول دستورية أخرى، بحثا عن انسجامه مع الدستور باعتباره قانونا صادرا عن ممثلي الأمة».
وسجل يحيا أن الاحتفاظ بنفس القاسم الانتخابي المعمول به سابقا، «لا يمكن أن يحقق الغايات المتوخاة من العملية الانتخابية التي يجب أن تكون مرآة صادقة ومحفزة للرأي العام وتوجهاته، ووسيلة للتداول على السلطة بين جميع القوى السياسية الحية المؤمنة بنبل العمل السياسي الصادق، لاحتواء انعدام الثقة بين الناخب والمنتخبين وكذا لوضع حد للاحتجاجات الشعبية المواطنة في ظل ضبابية العمل والمشهد السياسي اللذين أصبحا غير قادرين على التمييز السياسي بين اليمين واليسار ، وارتكاز النخب السياسية الحالية الموجودة في مواقع المسؤولية على ما هو انتخابي، ظرفي وآني وتغييب كلي للبرامج السياسية، حيث الأحزاب في قطيعة مستمرة مع الديناميكية الوطنية في غياب كلي لأي مبادرة لمعالجة القضايا الاقتصادية والسياسية والاجتماعية الآنية، فاسحة المجال لنخبة من التقنوقراط لتحل محلها في تدبير الشأن العام الوطني والمحلي، من باب ما أصبح يطلق عليه :(تحصيل الحاصل)».
واعتبر أن التأثير الذي سيحدثه القاسم الانتخابي على أساس المسجلين على نتائج الانتخابات المقبلة يتمثل في استبعاد هيمنة حزب أو حزبين على المشهد السياسي الوطني، كما كان عليه الحال بعد الانتخابات التشريعية لسنة 2011 و2016، موضحا أن اعتماد القاسم الانتخابي على أساس المسجلين، يقلص حظوظ الفوز بمقعدين في نفس الدائرة، وسيقلص الفارق في عدد المقاعد بين الأحزاب، كما أن المقعد الثاني الذي سيخسره الحزب الأول سيذهب في أغلب الحالات إلى لائحة لم تكن لها حظوظ للفوز بمقعد لو تم اعتماد القاسم الانتخابي على أساس التصويت. و»عليه مقارنة مع الانتخابات التشريعية الأخيرة مثلا سيفتقد الحزب الذي تصدر المشهد السياسي إبان الاستحقاقات التشريعية لسنة 2016، 44 مقعدا أي أن مجموع المقاعد التي سيحصل عليها ستكون ما بين 83 و88 إذا حافظ الحزب بطبيعة الحال على كتلته الناخبة».
كما ستكون هناك، يوضح يحيا، زيادة في عدد الأحزاب السياسية الممثلة في البرلمان خصوصا الأحزاب السياسية الصغرى والمتوسطة، «بمعنى توسيع دائرة التمثيلية الحزبية، وإعطاء جميع التيارات السياسية الحق في المساهمة والمشاركة في بلورة السياسات العمومية، واحتواء ظاهرة العزوف السياسي والانتخابي، واسترجاع الثقة المفقودة بين الناخبين والمنتخبين، ولو نسبيا». وأضاف أن «هذه المحطة الجديدة من شأنها أن تكون ضمانة حقيقية للاستجابة لمتطلبات المواطنين وأمالهم، والتجسيد الفعلي على أرض الواقع لمؤسسات منتخبة ذات مصداقية وفعالة، بالتصويت على نخب مؤهلة تحظى بثقة وشرعية هذا النظام التمثيلي الجديد الذي من شأنه أن يؤدي بالجميع إلى تحمل مسؤولياته للعب الأدوار المنتظرة منه».
وتابع أنه على مستوى التجارب المقارنة، «لا توجد في أي دولة من دول العالم تجربة مشابهة للتعديل الذي قدمته أحزاب المعارضة والأغلبية باستثناء البيجيدي، هذا التعديل تم تبنيه لأسباب متصلة بخصوصية النموذج السياسي والدستوري المغربيين، فقبول ولاية حكومية ثالثة لنفس الحزب، مسألة سريالية (2011-2026)، كما أن الثقافة الدستورية في مختلف بقاع العالم لا يمكن أن تقبل بوجود حزب يقود حكومة (غير منسجمة) على مدى 15 سنة. وفرضا في ظل الأوضاع الراهنة واحتراما لمنطوق الفصل 47 من الدستور، فإن حزب العدالة والتنمية في حالة تصدره نتائج الانتخابات المقبلة سيصبح في وضعية شبه مستحيلة، وإن تبوأ المرتبة الأولى، لتشكيل الحكومة».
وسجل أنه «من غرائب المشهد السياسي الوطني أن تقبل الحكومة التي يقودها حزب العدالة والتنمية التعديلات الجوهرية المتصلة بالنظام الانتخابي، المقترحة من طرف الوزارة الوصية، ويصادق عليها في مجلس الوزراء والحكومة، ويصوت عليها بالأغلبية في مجلس النواب (162 مع) (104ضد)، ثم بعد ذلك يتم التصدي لها إعلاميا واتهام المؤسسة التشريعية بعدم الاستقلالية؟ بل ذهب رئيس الحكومة إلى حد التأكيد أن القوانين الانتخابية تضمنت تراجعات خطيرة مست بجوهر الاختيار الديمقراطي؟ «، وأكد أن مجموع التعديلات التي عرفتها المنظومة الانتخابية بالمغرب من الأهمية بمكان، استدراكا لبعض الاختلالات والنواقص التي أكدتها الممارسة وتدبير الشأن العام للهيئات المنتخبة، حيث تم التصويت على التعديلات بنعم من طرف 162 نائبا ومعارضة 104، وهي تعديلات همت أساسا القاسم الانتخابي الذي يستخرج عن طريق قسمة عدد الناخبين المقيدين في الدائرة الانتخابية المعنية على عدد المقاعد المخصصة لها، وتوسيع حالة تنافي العضوية في مجلس النواب مع رئاسة مجلس عمالة أو إقليم.
وأشار إلى أنه تم أيضا تبني تصور بديل بالنسبة للدائرة الانتخابية الوطنية التي عوضت بدوائر جهوية، انطلاقا من المكانة الدستورية للجهة في التنظيم الترابي للمملكة مع أخذ بعين الاعتبار معيارين أساسيين: عدد السكان القانونيين بالجهة، وتمثيلية الجهة اعتبارا لمكانتها الدستورية في التنظيم الترابي.
وخلص إلى أن التعديلات همت أيضا إجراءات التخليق في مجال الحملات الانتخابية وإضفاء الشفافية وتحقيق المنافسة المنصفة والشريفة، وضرورة إعداد حساب الحملات الانتخابية، ودعم وضعية المرأة في المشهد الانتخابي تجسيدا لمبادئ المناصفة والتمييز الايجابي التي جاء بها دستور 2011. وهي لحظة متميزة في تاريخ المغرب الحديث لتثمين ودعم التحولات الاجتماعية الكبرى من خلال التغييرات التي تم إدخالها على المنظومة الانتخابية الوطنية من أجل تمثيلية أوسع للشباب والمرأة باعتبارهما مدخلا أساسيا لكل تنمية سياسية، اقتصادية واجتماعية شاملة، وكذا لاحتواء ظاهرة تخاذل الفاعلين السياسيين بعد 10سنوات من التطبيق النسبي لدستور 2011، في أفق تجسيد أمثل، مؤكدا أنه لذلك «يعتبر إصلاح منظومة الانتخابات (لاسيما اعتماد قاسم انتخابي جديد) بداية البدايات».