الكاتب الأول إدريس لشكر لـ «ماروك إيبدو» : أعتبر التهنئة الملكية وسام شرف لكل الاتحاديات والاتحاديين الذين عملوا بتفان خلال السنوات الأخيرة

 اتحاد اليوم مازال هو نفس اتحاد الأمس من حيث القيم النبيلة التي يدافع عنها

 

 

 تلقيتم رسالة «تهاني صادقة» بمناسبة إعادة انتخابكم على رأس الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، من قبل العاهل المغربي محمد السادس، والذي نوه «بخصالكم الإنسانية والسياسية» و»ارتباطكم الراسخ بالقيم المقدسة للأمة». ما الذي يلهمكم ذلك؟

لا يمكننا إلا الإحساس بالاعتزاز والامتنان تجاه جلالة الملك، الذي أحاط عبر تلك الرسالة حزبنا بعنايته السامية. وتعتبر تلك الرسالة في الآن نفسه، تكليفا قبل أن تكون تشريفا. مثلما أعتبرها وسام شرف لكل الاتحاديات والاتحاديين الذين عملوا بتفان خلال السنوات الأخيرة، ضمن جو من الاتهامات المجانية والشائعات ومحاولات الافتراء والاغتيال الرمزي. بالتالي، فقد تلقيناها بامتنان كبير بصفتها تقديرا ملكيا لكل جهودنا وتوجيها من أجل مزيد من العمل.

 لقد دعتكم الرسالة الملكية إلى «مواصلة انخراطكم على طريق الديمقراطية والتنمية»، التي يقودها جلالته، في إحالة واضحة على النموذج الجديد للتنمية. كيف ترون دور حزبكم، كحزب معارضة، لترجمة ذلك على أرض الواقع؟

+ حين تم نشر تقرير لجنة النموذج التنموي أعلنا أن هناك تقاطعا على مستويات متعددة بين التقرير وخطابنا الحزبي خاصة في ما يرتبط بفكرة الدولة الاجتماعية، المتقاطع مع الخط السياسي والإيديولوجي لحزبنا المتمثل في الديمقراطية الاجتماعية. ولو عدتم إلى برنامجنا الانتخابي ستجدون أنه الأقرب إلى خلاصات لجنة النموذج التنموي.

طبعا تواجدنا في المعارضة بعيدا عن تدبير الشأن العام منذ تعيين الحكومة، لن يساعدنا على ترجمة مثالية لبرنامجنا، وسنعمل على مواجهة وفضح كل سياسة تحيد عن النموذج التنموي الجديد، مقترحين مشاريع قوانين تغني السياسات الاجتماعية. وسنصدر تعليماتنا إلى رؤساء ومستشاري الجماعات الترابية من حزبنا أن يعززوا ويمنحوا الأولوية للتوازنات الاجتماعية. مثلما سنقوم بأنشطة للتكوين والتأطير والبحث والدراسة في هذا الإتجاه.

 هل تلكم هي أولويات السنوات الخمس القادمة التي ستغطيها ولايتكم الجديدة؟

ثمة التزامات قدمتها في ورقة الترشيح قبل المؤتمر وهي تلزمني. واعتبارا لكونها التزامات متعددة، فإن ذلك يستلزم ترتيبها حسب الأولويات. أستطيع أن ألخص الأولويات عبر محورين. محور تنظيمي يتضمن مواصلة تقوية الحزب عن طريق تقوية وتطوير أجهزة القاعدة والقيادة عبر ثلاثة اتجاهات : الأول مرتبط بالتكوين، الثاني له علاقة بالرقمنة، والثالث وهو الأهم، مرتبط بانفتاح كبير للفروع والتنظيمات الحزبية على المجتمع.
بالإضافة إلى المحور التنظيمي، هناك محور سياسي، والذي يتضمن مواكبة الفريقين البرلمانيين من أجل معارضة قوية خصوصا للسياسات التي من شأنها أن تؤثر على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للطبقات المتوسطة والفقيرة، ومرافقة منتخبي الحزب في الجماعات الترابية والغرف المهنية من أجل نضال للقرب أكثر نجاعة. كل هذا بهدف تمكين الحزب من احتلال المرتبة الأولى في انتخابات 2026.

كيف تفسرون أنكم لستم حاليا جزءا من الأغلبية ؟ خصوصا أنه كان واضحا بعد لقائكم يوم 13 شتنبر 2021 مع رئيس الحكومة المعين ورئيس الحكومة الحالي عزيز أخنوش، أنكم تريدون البقاء ضمن الأغلبية بعد أن انضممتم إليها خلال الولاية السابقة. ألا تشعرون أنه تم استعمالكم لإضعاف حزب العدالة والتنمية قبل أن يتم التخلي عنكم عند أول مناسبة؟

لنبدأ بالجزء الأول من السؤال المتعلق بغيابنا عن الحكومة ورغبتنا في أن نكون جزءا منها. إن أي حزب يشارك في الانتخابات لديه هدف وهو أن يكون جزءا من السلطة التنفيذية، وعلى هذا الأساس يتقدم أمام الناخبين. لقد قدمنا برنامجا من أجل تسيير الشأن العام وليس من أجل المعارضة. لذلك فمن الطبيعي أنه كان لنا طموح في أن نكون جزءا من مكونات الحكومة، خصوصا أننا ضاعفنا من عدد مقاعدنا، وأن برنامجنا هو الأقرب لما أشار إليه تقرير اللجنة الخاصة بمشروع النموذج التنموي من حيث الدفاع عن دولة اجتماعية. لكن هذه المشاركة مرتبطة بوجود مقترح جدي وواضح، وأن تكون نتيجة مشاورات مرتبطة بالتوافق حول العناصر الأساسية للبرنامج الحكومي.
طالما أن رئيس الحكومة المعين لم يقدم لنا عرضا جادا وواضحا واختار حلفاءه في هذه المرحلة، فقد قررنا اختيار المعارضة. نحن لم نرفض أي عرض جدي وواضح لأنه في الأساس لم يقدم لنا. لكننا أيضا لم نترج أحدا، لقد أدركنا أنه كانت هناك إرادة لتشكيل أغلبية مهيمنة في البرلمان والمؤسسات الترابية من طرف الثلاثي الذي احتل المراتب الأولى في الانتخابات (التجمع الوطني للأحرار، حزب الأصالة والمعاصرة وحزب الاستقلال) ، وبالتالي فقد اخترنا المعارضة. لقد كنا واضحين بكون إحدى أولوياتنا في هذه المعارضة هي مواجهة هذا التغول الذي يهدد التعددية.
أما بالنسبة للجزء الثاني من سؤالكم، فلم يستعملنا أحد لمواجهة حزب العدالة والتنمية. أكثر من ذلك، فنحن الحزب الأكثر وضوحا في ما يخص موقفنا من العدالة والتنمية وجميع تعبيرات الإسلام السياسي بشكل عام.
نحن نعتبر حزب العدالة والتنمية حزبا شرعيا شاركنا معه في الحكومة، لكن ببرنامج واضح و ملائم لا يتناقض مع هويتنا التقدمية، وهذا يمكننا من التعاون معه في المعارضة وعلى نفس المنوال، أي، على منوال لا يتعارض مع قيمنا الحداثية والتقدمية. خلال مشاركتنا رفقتهم في حكومة «سعد الدين العثماني»، كان الاختلاف معهم مرتبطا بتوجهاتنا الحداثية، وأحيلكم إلى إنسحاب الأخ «محمد» بن عبد القادر، عندما كان وزيرا للعدل، وقائما على مشروع تعديل القانون الجنائي لسلفه «مصطفى راميد» (النابع من حزب العدالة و التنمية)، لاحتوائه على بنود لا تتماشى و دفاعنا عن الحريات الشخصية.
اليوم، أثناء محاسبتنا للحكومة الحالية، نستند إلى نفس المرجعية، لهذا لا ننفك نذكر أن سياستها ليست بالمغايرة لما سبقتها، خاصة في جوهرها المحافظ، المشابه للحزب الذي تولى زمام الحكومة السابقة. و للأسف، ليس في تشكيلة هذه الحكومة، من هو قادر على لعب الدور الذي نمارسه، نقصد هنا الدفاع عن قيم الحداثة والتحرر والحريات الشخصية والجماعية.

 في عددنا بتاريخ 21 يناير 2022، خصصنا مقالا كاملا عن المؤتمر 11 لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، والذي لم تروا فيه الهدف من إخراجه، لكوننا أخذنا بآراء ووجهات نظر بعض المناضلين، الذين وبدورهم يعتقدون وبشدة بأن كل ما جرى كان فقط كإعداد مسبق لتوليكم عهدة ثالثة، بيد أن أكثر من 94% من جملة نتائج التصويت صبت لمصلحتكم في مواجهة منافس واحد، وهذا ما كان أساسا لاستنتاجاتهم. لذا، وفي رأيك، ما الوسيلة الأكثر موضوعية لمناقشة ما حدث؟

أولا، عندما اعتبرت أن المقال لم يكن موضوعيا، لم يكن لهذا علاقة بتقديم وجهة نظر مغايرة لخاصتي، بيد أن وجهات النظر هذه تتموقع في الحزب، و يعبر عنها بكل حرية لدرجة أنها كانت حاضرة و بقوة أثناء المؤتمر الحزبي. ما أعتبره غير موضوعي البتة، عدم تقديم الآراء ووجهات النظر الأخرى، و تفضيلها على آراء أعضاء آخرين لا يمثلون إلا أنفسهم، بشكل يعطي انطباعا زائفا بأن ما ينطقون به يمثل الكل.
ثانيا، هل لك أن تفسر لي العلاقة ما بين نسبة التصويت المئوية وديمقراطية المؤتمر أو لا؟ استنادا لهذه القاعدة غير المنطقية، هل علينا أن نعتبر أيضا التصويت لدستور سنة 2011، كممارسة غير ديمقراطية استنادا إلى نسبة 90% ب»نعم»، بالرغم من أن التصويت لصالح الدستور لا يعتبر إلا مؤشرا قويا على التحول نحو الديمقراطية في بلدنا. هل كان ينبغي لنا أن نعدل من نتائج التصويت لنرضي بعض الأصوات وفهمها المحدود للديمقراطية؟ هل كان علينا أن نعيد من ألغوا ترشيحاتهم أو من قاطعوا المؤتمر بالقوة فقط ليبقى مترشحين فقط على العهدة الثانية؟ لا يمكنني حقا فهم هذه الافتراضات المتداولة.
«إن سياسة الحكومة الحالية، لا تختلف كثيرا في جوهرها المحافظ، عن تلك السابقة»
بالنسبة لي، فإن السؤال بسيط للغاية.. لقد شاركت مجموعة من المؤتمرين في المؤتمر بعد التصويت فيه كل من فرعه، ولم يعبر أحد ما على نتائج لجنة المؤتمرين، كما أن اللجنة المنظمة لم تتوصل بأي شكاية من هذا النحو. وعليه، فقد نشرت لوائح المؤتمرين، ليمارس نفس المؤتمرين حقهم في التصويت بشكل منفرد وسري بحضور وسائل الإعلام سواء في بوزنيقة أو في كامل جهات المغرب، على أن يتم بعدها فرز الأصوات و الإعلان عنها على الملأ و أمام الجميع. كنتيجة لذلك، وجب علينا و احتراما للقانون المنظم للحزب، تقديم كل ما جرى بشكل شفاف و صريح و كما حدث بطبيعة الحال، و لا نرى ضررا في الكشف عن كل وجهات النظر بهذا الخصوص، على أن نحدد مصادرها دون تعميم، لكوننا نظمنا مؤتمرا مفتوحا على وسائل الإعلام منذ بدايته و إلى غاية نهايته.

 إذن، أنتم تعترفون بأن الإجماع بخصوصكم كان ليتحول لمعضلة لكم. فعلى سبيل المثال، هل ترفضون الاعتراف بالتيارات بالرغم من أنها وتاريخيا تعتبرجزءا مكونا للحمض النووي لحزبكم، بالرغم من أنها قد لا تكون مثالية من حيث الديمقراطية الداخلية للحزب…

أولا، لا يوجد شيء من قبيل الإجماع حولي، لكوني لست برسول أو نبي، كما أن التصويت لي كان بالأغلبية وليس بالإجماع. ثانيا، لقد تحدثت في تصريحي الأول بعد المؤتمر، وفي رسالة للمناضلين والمناضلات بالحزب، بأنني الكاتب الأول لكل الاتحاديين، سواء أصوتوا لي أو للمرشح المنافس لي، و سواء أكانوا معي في الرأي أومخالفين لي. ثالثا، بخصوص الديمقراطية الداخلية، هناك ما يرتبط بها من تشريعات داخلية لدى جميع الأحزاب السياسية.
كل ما ذكرته مسبقا، هي مرجعيات تنطبق و أطبقها على نفسي، لكوني محاميا قبل أن أكون كاتبا أول للحزب، لهذا لا ينبغي الخوف على الديمقراطية الداخلية، و خاصة مع تواجد لجنة الأخلاقيات والتحكيم التي يلجأ إليها كل من يرى أن ثمة انحرافا عن الديمقراطية الداخلية، إذ بالإمكان الرجوع إلى لجنة الأخلاقيات والتحكيم، والكاتب الأول يخضع لقرارات هذه اللجنة. لذلك نحن حزب مؤسسات ولسنا حزبا محتكرا للقرارات.
إن مسألة التيارات ليست مرتبطة مطلقا بأي رفض مبدئي. بل إن هذه القضية مرتبطة أساسا بغياب التيارات داخل الحزب، لأنه من الضروري هنا التمييز بين التيارات واختلاف الرؤى.
في الماضي، كانت هناك داخل الاتحاد الوطني للقوات الشعبية (UNFP) ، على سبيل المثال ، تيارات تؤمن بالعنف الثوري والتيارات الإصلاحية وغيرها ، ولكن بعد المؤتمر الاستثنائي لعام 1975 ، كان نهج النضال الديموقراطي بمثابة خط واضح. وتم تبنيه كنهج للحزب ولذلك فإن الخلافات التي طرأت داخل الحزب بعد ذلك كانت تقتصر على خلافات في الرأي والتقدير ولكنها ظلت مؤطرة داخل تيار واحد يؤمن بالنضال الديمقراطي. لا يمكن اعتبار الاختلاف الذي حصل بين أنصار المشاركة في الانتخابات وأنصار مقاطعتها تعبيرا عن وجود التيارات بقدر ما هو تعبير عن اختلاف في التقدير.

 كما ذكرتكم، فإن حزبكم استطاع أن يضاعف تقريبا عدد نوابه في الانتخابات التشريعية الأخيرة، ويمكننا أيضًا أن نضيف أنه خلال الولاية التشريعية السابقة، تمكنتم كحزب من تقلد رئاسة مجلس النواب، ولكن في نفس الوقت هناك من يشير إلى أنه في العديد من الدوائر الانتخابية تم تمثيلكم من قبل أعيان وليس من قبل «مناضلين اتحاديين» بالمعنى «الكلاسيكي» المتعارف عليه، كما هو الشأن بالنسبة لك أنت شخصيا ، حيث تدرجت في المواقع النضالية وتقلبت في مناصب المسؤولية. داخل الحزب. فهل لا يزال الاتحاد حقا حزب القوات الشعبية؟

أولا، هناك كلام يطلقه بعض الخصوم دون أدنى تحقق. فالقلة القليلة من المعنيين بهذا الموضوع هم الذين لم يكونوا أعضاء من قبل وتجدهم إما كانوا مرتبطين بالحزب بطريقة أو بأخرى أو كانوا قريبين من توجهات الحزب بسبب قناعاتهم الديمقراطية والتقدمية. وتم قبول ترشيحاتهم على أساس التزامات واضحة، والتي يوجد على رأسها الدفاع عن الخيارات الديمقراطية والاجتماعية للحزب، وعلى أساس الانتماء للحزب، فهم جزء من الأطر التي ستشكل قيمة مضافة في كل من الحزب والبرلمان ومؤسساته الإقليمية.
ما يجب أن ندركه هو أن سياق سنوات السيطرة على الخريطة الانتخابية والقمع السياسي ليس هو سياق اليوم. إذا كنا في الماضي نلجأ إلى النضال والأقدمية. فلأنه في ظل ذلك السياق كان الأمر يتطلب مناضلين قادرين على مواجهة سلطة جائرة، أما اليوم فعلينا أن نقيم التزكيات وفق معيار الكفاءة المطلوبة وكذا معيار القوة الاقتراحية والقدرة على تفعيل نضال القرب داخل الدوائر والغرف.. وهذا التطور ينسجم طبعا مع التحولات التي تعرفها البلاد.
لهذا، فإن اتحاد اليوم مازال هو نفس اتحاد الأمس من حيث القيم النبيلة التي يدافع عنها، كما أن اتحاد اليوم ليس هو اتحاد الأمس من حيث البرامج وأشكال النضال والاستقطاب والتكوين والإشراف. وإلا سنكون حزبا راكدا…


بتاريخ : 16/02/2022