الكلمة الحرة مقابل قنابل الموت .. إسرائيل تواصل استهداف الصحفيين في غزة

في مشهد يعكس قسوة الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، ارتقى خمسة صحفيين فلسطينيين يوم الاثنين 25 غشت 2025 خلال غارات جوية على مجمع ناصر الطبي بخان يونس، لتصبح المهنة الإعلامية هنا واحدة من أخطر المهن في العالم.
القصف، الذي أسفر عن مقتل 20 فلسطينيا على الأقل، طال صحفيين كانوا يحملون الكاميرات والميكروفونات، فبدلا من نقل الحقيقة، وجدوا أنفسهم هدفا مباشرا للتصفية الإسرائيلية.
الصحفيون الخمسة الذين قضوا هم، معاذ أبو طه، ومحمد سلامة، ومريم أبو دقة، وأحمد أبو عزيز، وحسام المصري، فيما أصيب عدد آخر خلال الغارات.
هذه الحصيلة المأساوية رفعت عدد الصحفيين الفلسطينيين الذين قتلوا منذ اندلاع الحرب في أكتوبر 2023 إلى أكثر من 240، وفق بيانات نقابة الصحفيين الفلسطينيين ولجنة حماية الصحفيين.
محمد سلامة، مصور قناة “الجزيرة”، لم يكد يتهيأ للزفاف المرتقب قبل أيام، حتى سرقت الحرب فرحته، وحولت حلمه ومستقبله إلى قصة مأساوية تتكرر في كل قصف يستهدف المدنيين والإعلاميين. وقال محمد قبل رحيله في منشور له: “هذا هو صباح غزة اليوم صباح يثقل بالدموع والآهات، من سيمسح دموع الأمهات وهن يودعن أقمارهن الشهداء؟”
أما مريم أبو دقة، الصحفية المستقلة المتعاونة مع وكالة “أسوشييتد برس” و”إندبندنت عربية”، فقد جسدت التفاني المهني في نقل معاناة المدنيين وسط القصف، لتصبح رمزا للصحافة الحرة في غزة، حيث قالت قبل يوم من مقتلها: “الكلمة صارت تهمة، والكاميرا صارت سلاح… نحن ندفع دمنا من أجل حرية الصحافة”.
ردود الفعل الدولية كانت غاضبة وواسعة، إذ اعتبر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون القصف “غير مقبول”، ودعا إلى احترام القانون الدولي وحماية الصحفيين. وعبر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن أسفه الشديد، بينما وصف الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش عمليات القتل بأنها تتطلب “تحقيقا سريعا ونزيها”.
بدورها، أكدت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان أن الصحفيين والمدنيين ليسوا أهدافا عسكرية، وطالبت بوقف استهدافهم.
في المقابل، أبدى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو أسفه لـ”حادث مأسوي”، مؤكدا أن إسرائيل تولي أهمية لعمل الصحفيين والطواقم الطبية، فيما أعلن الجيش الإسرائيلي عن فتح تحقيق، رغم استمرار استهداف الإعلاميين في القطاع.
تاريخيا، لم تكن غزة يوما أرضا آمنة للصحافة، لكن تصاعد العنف الممنهج ضد الإعلاميين في الأشهر الأخيرة، جعل من مهنة نقل الحقيقة مغامرة شبه مستحيلة. فقد أظهرت البيانات أن أكثر من 240 صحفياً فلسطينيا قتلوا منذ بداية الحرب، بينما دمرت عشرات المكاتب الصحافية، وما زالت السلطات الإسرائيلية تمنع دخول الصحفيين الأجانب إلى القطاع.
المأساة تتجاوز الأرقام لتصل إلى قلب كل صحفي أو إنسان يؤمن بحرية الإعلام. في ساحة مستشفى ناصر، شهد المئات مراسم التشييع وسط بكاء النساء، وكان شعار “صحافة” على السترات الواقية فوق جثامين القتلى تحية لهم على شجاعتهم. وأوضح محمود المصري، شقيق حسام المصري، أحد القتلى: “لن نتوقف عن إكمال المسيرة، ستخرج الصورة”.
في غزة، حيث يصبح التقاط صورة أو كتابة تقرير جريمة محتملة، يثبت الصحفيون أن الكلمة الحرة أثمن من الخوف، وأن نقل الحقيقة رغم الدم والدمار، واجب إنساني لا يتوقف، حتى لو كلف الحياة.
ما يحدث في قطاع غزة، خصوصا استهداف الصحفيين في مجمع ناصر الطبي، يمثل اعتداء صارخا على حرية الإعلام وحق الرأي العام في الوصول إلى الحقيقة.
قتل خمسة صحافيين دفعة واحدة، بينهم مراسلون مستقلون ومتعاقدون مع وكالات دولية، يظهر أن استهداف الإعلام أصبح أداة ممنهجة ضمن عمليات الحرب، ما يضع إسرائيل في مواجهة مباشرة مع القانون الدولي ومواثيق حماية الصحفيين المدنيين.
التقارير والصور والشهادات من قلب الميدان تؤكد أن الصحفيين هم فعلا حاملون لشهادة حية عن الواقع الإنساني في غزة. …
هذه الأحداث تحمل رسالة قوية للعالم تؤكد أن حرية الصحافة، هي خط الدفاع الأول عن الحقيقة، والاعتداء على الصحفيين يعني اعتداء على الحق في المعرفة والوعي الإنساني.


الكاتب : جلال كندالي

  

بتاريخ : 28/08/2025