اللجنة الوطنية للاستثمارات تصادق على 17 مشروعا استثماريا بقيمة إجمالية تقارب 4.3 مليار درهم .. سؤال النجاعة يبقى مطروحا في ظل ضعف مردودية الاستثمارات العمومية على النمو الاقتصادي

 

ترأس رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، يوم الأربعاء 29 يناير 2025 بالرباط، الاجتماع السابع للجنة الوطنية للاستثمارات، التي تم إحداثها بموجب الميثاق الجديد للاستثمار، والذي دخل حيز التنفيذ منذ مارس 2023. وخلال هذا الاجتماع، تمت المصادقة على 17 مشروعا استثماريا بقيمة إجمالية تقارب 4.3 مليار درهم، مع توقع خلق حوالي 5500 وظيفة، منها 3900 منصب شغل مباشر و1600 منصب غير مباشر. كما تمت الموافقة على ثلاثة مشاريع استثمارية استراتيجية في قطاعات النسيج والمعادن والاتصالات، بقيمة 13 مليار درهم، مما سيساهم في توفير 21,500 فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة. وأكد رئيس الحكومة خلال الاجتماع أن المغرب يشهد ديناميكية استثمارية متواصلة في عدة قطاعات، بفضل الإصلاحات التي تم إطلاقها في إطار التوجيهات الملكية السامية.
ورغم هذه الجهود، فإن الاستثمار العمومي لا يزال يعاني من اختلالات هيكلية تحد من تأثيره الفعلي على النمو الاقتصادي. فالمغرب يخصص نسبة مرتفعة من الناتج الداخلي الإجمالي للاستثمار العمومي، حيث بلغت 32.2%، وهو مستوى يقارب ما تسجله الصين (34.8%) ويتجاوز دولا أوروبية كإسبانيا (25.3%) وإيطاليا (24.2%). ومع ذلك، لم تنعكس هذه الأرقام الكبيرة على معدلات النمو الاقتصادي بشكل ملموس، حيث ظل المعدل السنوي للنمو في حدود 3.5% بين 2010 و2019، وانخفض إلى 2.8% في عهد الحكومة الحالية. ويعزى هذا التباين بين حجم الاستثمار ونتائجه الاقتصادية إلى ضعف فعالية الإنفاق العمومي، الناتج عن غياب التنسيق بين القطاعات، وضعف تقييم المشاريع، وهيمنة نفقات التجهيز على حساب الاستثمار المنتج.
ويواجه الاستثمار العمومي تحديات جوهرية تؤثر على مردوديته، إذ تعاني المشاريع الاستثمارية من ضعف الالتقائية بين البرامج الحكومية، مما يؤدي إلى تبديد الموارد المالية وتأخير إنجاز المشاريع. كما أن البنية الحالية للميزانية العمومية لا تتيح ربط البرامج الاستثمارية بالأهداف الاقتصادية بوضوح، مما يضعف تقييم الأداء والقدرة على تصحيح المسارات عند الضرورة. إضافة إلى ذلك، تشير تقارير رسمية إلى أن تنفيذ الميزانية الاستثمارية لا يتجاوز في بعض السنوات 79%، مما يعكس وجود صعوبات إدارية وتقنية تحول دون التنفيذ الفعلي للمشاريع في الوقت المحدد.
ويبرز تقرير بنك المغرب حول الاستثمار أن مؤشر إنتاجية رأس المال “ICOR” في المغرب سجل 9.4 خلال الفترة 2000-2019، مقارنة بمصر (8.3) والصين (4.7)، مما يدل على ضعف المردودية الاقتصادية للمشاريع الاستثمارية. فكلما ارتفع هذا المؤشر، دل ذلك على تدني كفاءة الاستثمار في تحفيز الإنتاجية والنمو الاقتصادي. ويتطلب تحسين هذا الوضع إعادة النظر في توزيع الموارد الاستثمارية وتوجيهها نحو قطاعات ذات قيمة مضافة عالية مثل الصناعات التحويلية والتكنولوجيا الحديثة.
في ظل هذه التحديات، يتجه المغرب نحو تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص، مع هدف رفع مساهمة القطاع الخاص في الاستثمار إلى 65% بحلول 2035 بدل 35% حاليا. ويتطلب هذا التحول إصلاحات مؤسساتية، تشمل تحسين الحكامة المالية، وتبسيط الإجراءات الإدارية، ورقمنة المساطر، وتوفير تحفيزات أكثر جاذبية للمستثمرين المحليين والأجانب. كما أن تفعيل ميثاق الاستثمار الجديد يتطلب إجراءات عملية، تشمل تحسين ولوج المستثمرين إلى العقار والتمويل، وتعزيز استقرار الإطار القانوني والضريبي.
وقد كشف التقرير السنوي للمجلس الأعلى للحسابات برسم 2023-2024 عن مجموعة من النقائص التي تعيق تحقيق كفاءة الإنفاق العمومي في المغرب، مؤكدا الحاجة الملحة لإصلاحات جوهرية لتجاوز الاختلالات الحالية التي تحد من فعالية الاستثمارات العمومية.
وأوضح التقرير أن تدبير الاستثمار العمومي يعاني من إشكالات متعددة تبدأ من مراحل التخطيط والدراسات الأولية، حيث لوحظ غياب الدقة في تحديد الحاجيات وتصنيف الأولويات، إلى جانب عدم واقعية مخرجات الدراسات القبلية أو غيابها تماماً. هذه الثغرات، بحسب التقرير، تؤدي إلى برمجة مشاريع عمومية دون التأكد من توفر الأوعية العقارية المناسبة، ما ينتج عنه تأخر في التنفيذ وتعثر عدد من المشاريع.
وأشار المجلس إلى أن هذه الإشكالات تتفاقم بسبب ضعف الحكامة، خاصة فيما يتعلق بالقيادة والتنسيق بين الأطراف المعنية بتنفيذ البرامج والمشاريع العمومية. كما سجل التقرير محدودية القدرات التدبيرية للأجهزة العمومية، خصوصاً على المستوى الترابي، مما يؤدي إلى هدر الموارد وإضعاف أثر الاستثمارات على الاقتصاد والمجتمع.
ودعا التقرير إلى اعتماد منهجية جديدة قائمة على نتائج مدروسة مسبقا، وذلك عبر تحسين آليات الاستهداف وبرمجة المشاريع وفق مؤشرات دقيقة وموضوعية. كما شدد على ضرورة تعزيز التنسيق بين مختلف الفاعلين، مع تنظيم وتتبع عمليات التنفيذ بانتظام لضمان تحقيق الأهداف المرجوة من هذه الاستثمارات.

 


الكاتب : عماد عادل

  

بتاريخ : 01/02/2025