اللعين يعود

قبل انعطاف بصري بنصف التفاتة في الاتجاه الذي كنت أقصد إليه، سمعتُ حشرجة صدر، تلاها سعال حاد، لكني قبل أن أرى الشخص رأيت جسمًا أخضر، وقد ارتمى على الأرض، حجمه لا يزيد عن أربعة سنتيمترات، ليس صغيرًا بالفعل، فلم أكد ألتفت في شبه احتجاج صارخ، على من ألقاه من فمه، حتى كان الفاعل قد اختفى كالطيف هاربًا من مواجهتي، أو موجهة أي محتج، تاركا كل الإشارات في أفواه أصحابها خلفه بلا معنى. كنت قريبا من داري التي تركتها قبل لحظات، لقضاء غرض قريب لدى بائع صحف، لم أستبدل حتى حذاء منزلي، فلم أكد أنقل عيني إلى الجسم الملقى قريبا من قدمي حتى رأيته يكبر ويتطاول، فينهض منتفخا هائلا، ليسد عليّ وعلى العابرين كل فضاء، إنه هو بالذات فيروس كورونا، كما تصوره لنا المنشورات الطبية لتقريبه من أفهامنا البسيطة، وتحذيرنا من ثم ، وقد عرف الآن طريقه إلى مطاردة كل من يراه، وهو يقترب منا، مما جعل الناس يفرون مبتعدين عنه ، في غير نظام، مما أحدث بلبلة في حركة مرور السيارات، واضطرابا في اتجاهات السائرين من المارة.
مع خطواته الأولى وقد استوى جسدًا بشريا كان قد غطى المدينة ، كل المدينة من حولنا، لونٌ ترابيُّ أحمَرُ في هدوء، امتد ليكسو حتى وجه البحر الذي كان ذلك الصباح هائج الأمواج، الأمر الذي أشاع مزيدا من الخوف لاعتقاد القريبين من رمال الشاطئ ، أن الأمر يتعلق بمدٍّ دمويٍّ هادئ الأنفاس، وصل إلى هذه الجهة في غرب المتوسط ، من ناحية في الشرق ، حيث نشبت حرب حديثة أصلت المتحاربون فيها، على بعضهم البعض، أسلحة غير تقليدية، وها هو البحر الذي يتوسط ديارًا قد غطته ألوان دماء المتقاتلين فيها، هذا الأحمر الذي يعلو الأجواء الآن يذكرنا بحقيقة لم تكن يوما موضوع جدل : وهي أن الدم أحمر في كل العالم، وإن اختلف الناس في حصر دلالات اللون، الذي لم يبتعد عن مجال الثورة والهياج ، والاضطراب والبعد عن الهدوء.
الرجل الذي كان يسرع وهو يعبر حاملا الفيروس، وقد ألقاه قريبًا مني على مشارف ساحة دائرية هي ملتقى طرق سيارات، ومفترق ممرات راجلين ، ذاب في الزحام ليقيئ في مكان آخر غير بعيد ، مزيدا من الأجسام الخضراء التي لا يزيد حجمها على أربعة سنتيمترات، والتي بلغ تعفنها في صدره مبلغَــه، دون أن يترك اثرا دالا عليه، إلا هذا السعال الذي لا يرحم أيَّ عابر صادف عبوره.
أنا عدت مسرعا إلى داري، ممتلئًا فرقًا ورعبًأ، بصدر لا يتوقف عن الزفير والخفقان غير العادي. فقد كنت ذلك الرجل الذي عانى من لسعة هذا الداء التاجي ، وما رأيته لم يكن شبح أفعى أو مجرد حبل، بل كان حجم الفيروس اللعين الذي كاد يفتك بي وبكثير من أقاربي، قبل عام لولا رحمة الطب. وعناية على غير عادة الأجهزة المسؤولة.
فقد اعادني المشهد الذي عشته إلى معاناة قادتني إلى سرير تحت عيون فريق من الأطباء حين كنت ضيفًا على مستشفى عام ببرنامج علاج قاسٍ.
وأخشى ما يخشاه الشيخ في أعماقي اللحظة، أن يقع اعتقاله من جديد، فيساق عنوة ليُجبر على اتباع برنامج علاج غير رحيم ، ولو من داخل بيته. حيث لا قدرة له على إسماع صوته.

وادي مرتين ـ ناحية تطوان في 25/03/2022


الكاتب : أحمد بنميمون

  

بتاريخ : 02/09/2022