المجلس الاقتصادي يفضح اختلالات الدعم العمومي : «المغرب الأخضر» وزع 99 مليار درهم على كبار الفلاحين مقابل 14.5 مليار للفلاحين الصغار

كشف المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي عن أرقام صادمة بخصوص توزيع الدعم العمومي في إطار مخطط المغرب الأخضر، حيث لم يتجاوز ما تم تخصيصه للفلاحة التضامنية أي لصغار الفلاحين سوى 14.5 مليار درهم، في مقابل حوالي 99مليار درهم وجهت إلى الفلاحة ذات القيمة المضافة العالية (أي الى المشاريع التي تقودها إقطاعيات كبرى). هذه الأرقام، التي وردت في تقرير/ رأي رسمي للمجلس، تضع موضع تساؤل جدي السياسات العمومية الموجهة للفلاحين الصغار، وتؤكد تركيز التمويل العمومي في يد المشاريع الاستثمارية الكبرى.
هذا التفاوت، حسب المجلس، ساهم في تفاقم الإكراهات التي تواجهها الفلاحة العائلية الصغيرة والمتوسطة، لا سيما بسبب التغيرات المناخية، وارتفاع أسعار مدخلات الإنتاج، واضطراب سلاسل التوريد، فضلاً عن الطابع المجزأ للأراضي وصعوبة تعبئتها وتثمينها. وأدى هذا الخلل في التوزيع إلى تعزيز الفوارق في الاستفادة من التمويل العمومي، وهو ما انعكس على محدودية قدرة الفلاحين الصغار على مواجهة التقلبات الاقتصادية والمناخية المتزايدة.
ويذكر أن الاستغلاليات الفلاحية الصغيرة والمتوسطة تمثل حوالي 70 % من مجموع الاستغلاليات الفلاحية ببلادنا، غير أن السياسات العمومية في مجالات التنمية الفلاحية والقروية لَم تستهدف بالقدر الكافي والناجع فاعلي هذا النمط الإنتاجي، وذلك بما يعزز مساهمَتَهم في القيمة المضافة الفلاحية، وانخراطَهُم في جاذبية الوسط القروي.
وسجل المجلس أيضا أن ضعف انتظام الاستغلاليات العائلية في إطار هياكل منظمة، يحد من فعاليتها الإنتاجية والتسويقية، خصوصا في سياق مشاريع التجميع الفلاحي التي راهن عليها المخطط. وقد تفاقم هذا الوضع بفعل الحجم المفرط للوسطاء، مما يفضي إلى ممارسات مضاربية تضر بمصالح صغار المنتجين، خصوصا عند تسويق الفائض الموسمي من إنتاجهم.
وانطلاقا من هذا التشخيص، أوصى المجلس بضرورة جعل الفلاحة العائلية الصغيرة والمتوسطة أولوية استراتيجية ضمن السياسات الفلاحية والقروية الوطنية، بالنظر إلى الوظائف الاقتصادية والاجتماعية والبيئية التي تضطلع بها، والتي يمكن تطويرها والرفع من مردوديتها إذا ما تم تمكينها من شروط الاندماج.
وأكد المجلس أن الطموح المنشود يتمثل في تحويل الفلاحة العائلية إلى قطاع أكثر إنتاجية وإدماجا واستدامة، من خلال تحسين اندماجها في سلاسل القيمة، وتعزيز قدرتها التفاوضية داخل الأسواق، ودعم مساهمتها في استقرار الساكنة القروية وتحسين دخلها، إلى جانب دورها المحوري في الحفاظ على النظم البيئية المحلية.
ولبلوغ هذه الأهداف، شدد المجلس على أهمية بلورة خطة عمل خاصة بهذا النمط الفلاحي، تأخذ بعين الاعتبار خصوصيات كل مجال ترابي، وتستند إلى تشخيص دقيق لموارد وإكراهات كل منطقة، مع ضمان تنسيق فعلي بين مختلف السياسات العمومية ذات الصلة.
وتسلط الأرقام الصادرة عن المجلس الضوء على مفارقة جوهرية بين الخطاب والممارسة في السياسات الفلاحية. فبينما رُوّج لمخطط المغرب الأخضر كأداة لإدماج الفلاحين الصغار وتمكينهم، تكشف الحصيلة أن الفلاحة العائلية لم تحظ سوى بنسبة هامشية من التمويلات، ما يؤكد الحاجة إلى إعادة النظر في أولويات التدخل العمومي، وضمان عدالة الإنفاق العمومي داخل المجال القروي.


الكاتب : عماد عادل

  

بتاريخ : 15/05/2025