المحكمة تدقق في حسابات الناصري البنكية وتواجهه بتصريحات إسكوبار حولها

9 ملايير في حساب الناصري و1.8 مليار في حساب نجله… والأجوبة تثير مزيدا من الشبهات

 

 

وسط إجراءات تدقيق صارمة ومرافعات متشعبة، مثل سعيد الناصري، الرئيس السابق لنادي الوداد البيضاوي والبرلماني عن حزب الأصالة والمعاصرة، من جديد، أمام غرفة الجنايات بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء، في واحدة من أكثر الملفات القضائية إثارة للجدل، والتي يتقاطع فيها عالم السياسة بالرياضة، وتنسحب ظلالها الثقيلة على شبكة دولية للاتجار بالمخدرات، يقودها البارون المالي الحاج أحمد بن إبراهيم، الملقب إعلاميا بـ»إسكوبار الصحراء».
وبلغة واثقة، حاول الناصري تبرير تدفقات مالية ضخمة رُصدت في حساباته البنكية، مؤكدًا أن كل ما تسلمه من مبالغ، سواء في حسابه الشخصي أو في حساب نجله الذي لم يكن يتجاوز الثامنة عشرة سنة 2014، صُرف بالكامل على نادي الوداد، الذي تولى رئاسته آنذاك. واستعرض المتهم سلسلة تحويلات مالية وأوجه صرفها، مشيرًا إلى أن الحساب الخاص به ضخ منذ سنة 2014 إلى غاية 2023 مبلغًا ناهز 89.91 مليون درهم، تم توجيه معظمه لتمويل أنشطة النادي، سواء من خلال جمعية الوداد أو شركة النادي، التي تلقت بدورها ما مجموعه 32 مليون درهم بين 2020 و2023.
وسعى الناصري إلى إبراز الطابع «الرياضي» لتلك المبالغ من خلال تقديم وثائق وعقود تفيد أداء مستحقات مجموعة من اللاعبين، من بينهم بلال أصوفي الذي تم التعاقد معه من النادي القنيطري مقابل 200 مليون سنتيم، إلى جانب أسماء أخرى كعبد اللطيف نصير، ياسين لكحل، وبرابح. كما أوضح أن الحساب البنكي الخاص بنجله شهد إيداع مبلغ يقارب 1.8 مليار سنتيم، تولى من خلاله تغطية نفقات الفريق المتراكمة بصفته وكيلاً على الحساب.
لكن في الجانب الآخر من الجلسة، كانت المحكمة تعرض على المتهم مضامين محاضر الضابطة القضائية، التي تضمنت تصريحات خطيرة أدلى بها «إسكوبار الصحراء»، أكد فيها أنه سلّم الناصري 350 ألف يورو في إطار الترتيب لعملية تهريب 15 طنا من الشيرا نحو إفريقيا، وهي العملية التي قال إنها نُفذت بنجاح. ولم يتوقف الأمر عند ذلك، إذ تحدث البارون المالي عن عملية ثانية ضخ فيها 4 ملايين درهم إضافية لتأمين مرور شحنة أخرى.
الناصري، من جانبه، نفى بشكل قاطع كل تلك الاتهامات، مشددًا على أنه لا يعرف الشخصيات التي وردت أسماؤها في تلك التصريحات، ولا تربطه بها أي علاقة مالية أو لوجستية. ورفض الرواية التي قدمها أحمد بن إبراهيم، مشككًا في مصداقيتها، لاسيما أن الأخير مدان بعشر سنوات سجنا نافذا على خلفية حجز 40 طنا من الحشيش سنة 2015، قبل أن يفر إلى موريتانيا ثم يُعاد توقيفه في المغرب سنة 2019 لتنفيذ الحكم الصادر ضده.
وتمتد تشعبات الملف إلى أوساط أخرى، بعد أن تطرق المتهم، في معرض رده على بعض الاتهامات، إلى تصريحات الفنانة لطيفة رأفت التي ورد اسمها في محاضر الضابطة القضائية، متهمة إياه بمحاولة إهدائها طقم خواتم قبيل زواجها، وهو ما نفاه بشدة قائلا أمام الهيئة: «واش أنا ذهايبي تانبيع الخواتم باش نجيبهم ليها؟». وأكد أن ما صرحت به الفنانة لدى الشرطة القضائية يتناقض مع إفادتها أمام قاضي التحقيق، طالبًا إحضار المحضر كاملاً لتبيان التناقضات.
وحاول دفاع المتهم من جهته الطعن في حجية بعض المحاضر، مبرزًا الفوارق في أقوال الشهود بين الضابطة القضائية والنيابة العامة، والتمس من المحكمة توجيه طلب رسمي لقاضي التحقيق من أجل تضمين محاضر الاستماع الكاملة ضمن وثائق الملف.
وتتجاوز تبعات هذا الملف شخص الناصري لتشمل شخصية بارزة أخرى من حزب الأصالة والمعاصرة، ويتعلق الأمر بعبد النبي بعيوي، رئيس جهة الشرق، والذي يواجه بدوره تهمًا ثقيلة ضمن هذا الملف المعقد. ويُحاكم الرجلان، إلى جانب 23 متهمًا آخر، في قضية ما زالت تفاصيلها تتفجر تباعًا، وسط إنكار جماعي من قبل غالبية المتهمين، في حين يصر الطرف المالي على سرد روايته التي تهز أركان السياسة والرياضة والمال في المملكة.
وتعود خيوط القضية إلى أواخر سنة 2023 حين تفجرت إثر شكاية تقدم بها المواطن المالي المسجون ضد شركائه المفترضين، متهمًا إياهم بالتورط في تهريب كميات ضخمة من القنب الهندي إلى دول إفريقية متعددة منذ سنة 2013، في شبكة يصفها المتابعون بأنها الأخطر من نوعها خلال العقد الأخير. وبينما تتواصل جلسات المحاكمة وسط اهتمام إعلامي واسع، يبقى السؤال مفتوحًا حول مصير المتهمين وعمق الترابط بين عوالم السياسة ودوائر الجريمة المنظمة.


الكاتب : مصطفى الناسي

  

بتاريخ : 26/05/2025