المخزن والمغاربة اليهود من خلال محفوظات مديرية الوثائق الملكية 1

ظل المخزن المغربي وفيا، وراعيا لمغاربته اليهود، ويتضح ذلك من خلال الوثائق الرسمية، ووثائق العائلات اليهودية وبخاصة المراسلات الإخوانية منها. وتعتبر الوثائق الرسمية التي تحتفظ بها مديرية الوثائق الملكية دليلا دامغا على الروابط القوية، والمتينة بين المخزن ويهوديه؛ فبعضها يتضمن صراحة أمر سلاطين الدولة بالاحسان إليهم داخل المغرب وخارجه. فبالإضافة إلى السماح لهم بممارسة طقوسهم وشعائرهم الدينية، وأنشطتهم الاقتصادية، ووهب وعاءات عقارية لهم لانشاء ملاحاتهم أو بيعهم فإن العلاقة ظلت قوية على مر العصور، وتعتبر الدولة العلوية نموذج الراعي الأول لفئة اليهود مقارنة بوضعيتهم خلال فترات حكم السعديين و المرينين والموحدين حيث كانوا مميزين عن جيرانهم باعتبار الهندام أساس للتميز

 

. رغم ما تعرض له المغاربة اليهود من نهب وقتل خلال فترات الفراغ السياسي فإن المسلمين كذلك تعرضوا لما تعرض لهه جيرانهم اليهود؛ إن أمن الرعية يهودا ومسلمين رهين بقوة المخزن والدولة واقتصادها، وأن انكسار شوكته تعرض البلاد والعباد للتفرقة والتشردم والفوضى، وقد اتضح هذا جليا خلال فترات الفراغ السياسي كما هو الحال بالنسبة لأزمة الثلاثين سنة التي تلت وفاة مولاي اسماعيل (1727م) وفترة الصراع الأخوي الذي اندلع بعيد وفاة سيدي محمد بن عبد الله (1790م) وفترة استبداد الحاجب السلطاني أحمد بن موسى التي تلت وفاة الحسن الأول (1894م) وأثناء الصراع الأخوي بين مولاي عبد العزيز وأخوه مولاي عبد الحفيظ خلال العشرية الأولى من القرن العشربن. كما لعب كل من المغفور لهما محمد الخامس والحسن الثاني طيب الله ثراهما دورا محوريا في رعاية اليهود المغاربة وتوجت هذه الرعاية المولوية على عهد الملك محمد السادس نصر الله من خلال نص دستور المملكة 2011 الذي نص صراحة بكون اليهود المغاربة جزء لا يتجزأ من المكونات الثقافية المغربية وهويتها.
مديرية الوثائق الملكية تصدر كتاب فريد يتعقب أحوال الجالية اليهودية المغربية الصويرية:
أصدرت مديرية الوثائق الملكية السنة الماضية، العدد 23 من المجموعة الدورية «الوثائق»؛ وهي مجلة تصدر في عدة مناسبات. والعدد الذي نحن بصدد تقديم قراءة حوله خاص بمدينة الصويرة. يقع الكتاب في حوالي ستمائة وسبعة صفحات من الحجم المتوسط، ويتشكل الغلاف ذو اللون الأخضر من شعار دولة المغرب؛ ولهذا اللون دلالة رمزية لتركيبة العلم المغربي، أما اللون الأصفر فهو رمز لماء الذهب الذي تزين به الوثائق الملكية في حين أن المنمنمة التي تتوسط الغلاف توحي بفن التوريق لحضارتنا، أما ضفيرة الحاشية فهي تستحضر فنون الحواشي في الوثائق المخزنية.
يضم الكتاب حاولي 216 وثيقة أصيلة تغطي الفترة الممتدة من حكم السلطان سيدي محمد بن عبد الله (1757/1790)إلى حكم الملك محمد الخامس (1927/1961)، وعدة فهارس خاصة بأسماء الأعلام البشرية، وملخصات حول الوثائق، وفهارس الموضوعات، والأعلام المكانية، وفهرس الصور والمحتويات، وفهرس خاص بالمصطلحات التقنية والحضارية .وقد شارك في إعداد هذا العدد ثلة من الأساتذة الباحثين وهم أعضاء اللجنة العلمية وفي مقدمتهم مديرة المديرية بهيجة سيمو وحسن الفيكيكي وعبد العزيز تيلاني.
يذكر أن مديرية الوثائق الملكية خطت خطوات ناجحة لتخريج العديد من الوثائق التي تغطي أحداث ربوع المملكة المغربية وفي هذا الصدد أصدرت سنة 2012 كتاب «البيعة ميثاق مستمر بين الملك والشعب» في ثلاثة أجزاء والذي يعكس سيادة المغرب على صحرائه عبر العصور بحجة الوثائق المنشورة، وفي سنة 2015 تم نشر كتاب «العلاقات المغربية الفرنسية، تاريخ ممتد عبر العصور « في ثلاثة أجزاء وعلى هذا المنوال تم إصدار كتاب جامع لوثائق مدينة الصويرة والذي توضح الوثائق المتضمنة فيه عناية سلاطين الدولة العلوية بهذه المدينة منذ تأسيسها على يد السلطان سيدي محمد بن عبد الله سنة 1765م، وتغطي هذه الوثائق كرونولوجيا تمتد من سنة 1765 إلى 1961 أي منذ حكم السلطان السالف الذكر إلى وفاة الملك محمد الخامس. وهنا يحق لنا التساؤل لماذا تخصيص مدينة الصويرة بهذا العدد الفريد؛ أولا لشهرتها ودورها الرائد في القطع مع تجارة التهريب التي كانت تنشط في السواحل الجنوبية، وكذا لقطع دابر الزعامات المحلية التي ظلت تتعاون مع الأنجليز في وقت مبكر؛ إنها بهذا المعنى مدينة اقتصادية تسعى لترجمة سياسة الباب المفتوح التي نهجها مؤسسها سيدي محمد بن عبد الله .
حظيت مدينة الصويرة منذ تأسيسها بموقع أمجدول التاريخي بنصيب الأسد من سلسلة الإصلاحات التي باشرها سلاطين الدولة العلوية، وقد اتخذت مدينة استراتيجية لمجابهة المخططات الامبريالية المحتملة وقد تم تعمير المدينة حسب الوثائق، المتضمنة بين دفتي هذا الكتاب، بعائلات يهودية ذاع صيتها في المغرب حيث قٌدمت لها امتيازات من أجل الاستقرار وتنشيط عجلة الاقتصاد، وهي أنوية سوف تفرخ رجالات أعمال ووسطاء تجاريين سيعتمدهم سلاطين الدولة وفق منظومة «تجار السلطان» وهذه العائلات ممتعة بظهائر التوقير والاحترام، وقد أسندت إلى بعض أفرادها المرموقين مهام سامية مثل الاشراف على أبواب المدينة، ومستفاد المرسى وهو ما انعكس إيجابا على إعمار المدينة ونشط الحركة في ملاًحاتها .
تبرز الوثائق التي وقع عليها الاختيار من طرف معدي هذا العدد الشكل الهندسي للمدينة، وأسوارها وقصباتها الدفاعية وأبراجها الأربعة وهو ما تكشفه مراسلة كاتب السلطان «محمد بن المهدي غزال» حيث أن المدينة منفتحة على واجهتين غربية وأخرى شرقية وأضيفت إليها في ما بعد ثلاثة أبواب هي باب الاخضر وباب محمد أومسعود وباب القصبة.

باحث في التاريخ الديني


الكاتب : ذ.ربيع رشيدي

  

بتاريخ : 23/03/2023