ظل المخزن المغربي وفيا، وراعيا لمغاربته اليهود، ويتضح ذلك من خلال الوثائق الرسمية، ووثائق العائلات اليهودية وبخاصة المراسلات الإخوانية منها. وتعتبر الوثائق الرسمية التي تحتفظ بها مديرية الوثائق الملكية دليلا دامغا على الروابط القوية، والمتينة بين المخزن ويهوديه؛ فبعضها يتضمن صراحة أمر سلاطين الدولة بالاحسان إليهم داخل المغرب وخارجه. فبالإضافة إلى السماح لهم بممارسة طقوسهم وشعائرهم الدينية، وأنشطتهم الاقتصادية، ووهب وعاءات عقارية لهم لانشاء ملاحاتهم أو بيعهم فإن العلاقة ظلت قوية على مر العصور، وتعتبر الدولة العلوية نموذج الراعي الأول لفئة اليهود مقارنة بوضعيتهم خلال فترات حكم السعديين و المرينين والموحدين حيث كانوا مميزين عن جيرانهم باعتبار الهندام أساس للتميز
يتعلق الأمر بمقتل يعقوب الدهان، (65سنة) من يهود قبيلة هْنْتِيفَة، على يد قائد هنتيفة الحاج عبد الله الزْنَاكي نتيجة الإفراط في ضربه بقسوة وقد اتخذت قضيته طابعا دوليا. وتعود أطوار الحادثة إلى أن الذمي ساهم بما لديه في مواجهة المجاعة التي ضربت القبيلة حيث كان يوزع الصدقات في بيته على المغاربة يهودا ومسلمين وضمنهم إمرأة مسلمة منقطعة السبيل حتى أنها أصبحت خادمة بمحض إرادتها في منزله اعترافا بجميله عليها، وهو ما أثار غضب القائد الذي خاطب الذمي كيف سمحت له نفسه أن تخدمه امرأة مسلمة فأعطى أوامره بضربه حتى تزهق روحه وعدم الترخيص بدفنه إلا بعد أن يضحي إخوانه ببضع رؤوس من الماشية وتأديتهم غرامة 80 ريالا. لقد أصيب يهود المغرب بعد هذه الحادثة بنوع من الرهاب والخوف الشديد لما يمكن أن يحصل لهم مستقبلا. مما دفع بكبار اليهود إلى مراسلة إخوانهم في الصويرة ليتدخلوا لدى السلطات الإنجليزية من أجل إنصاف اليهودي المقتول. ومن خلال الوثائق (الوثيقة 1258، مجلة الوثائق، مرجع سابق، ص379،380. مؤرخة بيوم الاحد 26 شتنبر1880.)المتوفر عليها يتضح أن جون دريموند هاي سبق وأن بعث بتقرير مفصل إلى وزير خارجية بلده “آرل كرانفيل” يخبره فيه بمقتل اليهودي المغربي “يعقوب الدهان”. ويفيد هذا التقرير أن الطرف الإنجليزي الذي نصب نفسه مدافعا على الذمي المقتول سبق وأن نبه إلى أن الحماية غير القانونية لليهود هي سبب مثل هذه المخاطر ذلك أن(199.000 ) يهودي مغربي لا تشملهم الحماية معرضين لمثل هذه الجرائم، مما يؤكد أنه لابد من وضع إطار قانوني لهذه الفئة التي اتفق على نزع الحماية عنهم يتماشى مع سوء التسيير الإداري المغربي السائد آنذاك، والملاحظ أنه تم تهويل هذه القضية من طرف البعثات الديبلوماسية إلى درجة أنها أصبحت حديث الساعة، وهو ما جعل محمد بركاش يراسل على وجه السرعة السلطان لإخباره بفحوى مراسلة “شارل إكار” خليفة القنصل العام الفرنسي بالمغرب منبها إياه إلى خطورة الوضع وأن فرنسا عازمة، بتزكية من الدول الأجنبية، على احتضان وحماية كل اليهود المغاربة وأن الخطير في الأمر هو أن اليهودي قتل على يد عامل قبيلة هنتيفة مما يسيء إلى المخزن والسلطان نفسه. ونظرا لخطورة الوضع فإن مولاي الحسن طلب من وزيره في الخارجية محمد بركاش (الوثيقة 1264، مجلة الوثائق، مرجع سابق ، ص404. مؤرخة ب26 شوال 1297.)بضرورة إحضار ابن اليهودي المقتول إلى البلاط للبحث معه في حل أنسب لطي صفحة الماضي؛ علما أن ابن اليهودي ظل يتردد على ممثلي الدول الأجنبية في مدينة طنجة من أجل الضغط على السلطان والحصول على امتيازات كحرية التدين وتأمين حياة اليهود وممتلكاتهم وهي المطالب التي أكد الوفد المغربي بأنها مضمونة على مر تاريخ الدولة العلوية الشريفة باسثتناء النقطة المتعلقة بحرية التدين والتي لا تتوافق مع الخصوصيات المغربية . وبالموازاة مع ذلك حاول كبير اليهود بالمغرب آنذاك الحزان «إِينِّيرْ» إسدال الستار على هذا الموضوع الذي أصبح يسيء للعلاقة التي ظلت تربط بين المخزن ويهوديه، كما عبر على أن تداولها على نطاق دولي لا يمكن أن يجدي نفعا ولن يشفي غليلا ذلك أن اليهود خلال هذه الفترة كانوا مهددين في أرواحهم وممتلكاتهم كما هو الحال بالنسبة للمسلمين أنفسهم، ومن خلال مراسلة هذا الأخير لوزير السلطان في الخارجية السيد محمد بن العريي الجامعي يتضح تنازل ابن اليهودي الهالك على هذه القضية مرجحين أن يكون سبب القتل مرتبط باليهودي نفسه، وأن القائد المتهم الحاج عبد الله بن الحسن الزناكي بريء مما نسب إليه. ويتضح من لغة المراسلة أن الحزان استخدم أسلوبا لبقا يليق بالمقام المرسل إليه حيث استخدم عبارات تظهره ذليلا متشفعا في الوزير مشيرا إلى أن عزل القائد فيه ضرر للمسلمين واليهود (الوثيقة 1268، مجلة الوثائق، مرجع سابق ، ص، 415،416،417. مراسلة مؤرخة في 28شوال 1297.).