المخزن ورعاياه المغاربة اليهود من خلال محفوظات مديرية الوثائق الملكية -35- المخزن واليهود تاريخ مشترك والمغرب نموذج يحتذى به في مسألة التسامح والعيش في التنوع

ظل المخزن المغربي وفيا، وراعيا لمغاربته اليهود، ويتضح ذلك من خلال الوثائق الرسمية، ووثائق العائلات اليهودية وبخاصة المراسلات الإخوانية منها. وتعتبر الوثائق الرسمية التي تحتفظ بها مديرية الوثائق الملكية دليلا دامغا على الروابط القوية، والمتينة بين المخزن ويهوديه؛ فبعضها يتضمن صراحة أمر سلاطين الدولة بالاحسان إليهم داخل المغرب وخارجه. فبالإضافة إلى السماح لهم بممارسة طقوسهم وشعائرهم الدينية، وأنشطتهم الاقتصادية، ووهب وعاءات عقارية لهم لانشاء ملاحاتهم أو بيعهم فإن العلاقة ظلت قوية على مر العصور، وتعتبر الدولة العلوية نموذج الراعي الأول لفئة اليهود مقارنة بوضعيتهم خلال فترات حكم السعديين و المرينين والموحدين حيث كانوا مميزين عن جيرانهم باعتبار الهندام أساس للتميز

 

ختاما لما سبق يتضح أن موضوع التعايش بين الأديان لقي استحسانا من طرف الأجانب الذين نوهوا بالنموذج المغربي منذ القرن التاسع عشر وهي الشهادة التي سبق وأن أدلى بها القنصل العام البريطاني في المغرب السِّير جون دريموند هاي، في أشغال مؤتمر مدريد، كما أن الوثائق المخزنية ووثائق الأرشيفات الأجنبية وشهادات أحفاد اليهود المغاربة تجمع على أن المغرب كان ولايزال دولة السلم والتعايش والتسامح، وأن ما وقع في الماضي من شَنَآنْ بينهم وبين جيرانهم المسلمين مجرد لحظة عابرة لا يمكن أن تمحو تاريخا مشتركا عمر لأزيد من أَلْفَيْ سنة. وفيما يخص الحمايات القنصلية التي كانت سببا في خروج اليهود المغاربة عن طاعة المخزن فالشاذ لا يقاس عليه ذلك أن المغاربة المسلمين احتموا كذلك بالأجانب للحفاظ على مصالحهم؛ ولنا في نماذج بعينها مثالا عن ذلك كما هو الحال بالنسبة لشيخ الزاوية المصْلوحية الذي احتمى بالإنجليز، وشيخ الزاوية الوزانية الذي احتمى بالفرنسين، ومحمد بن الحسين أُهاشْمْ التازْرْوالْتي الذي احتمى بالألمان. إن الضغوط التي مارستها الدول الأجنبية على المغرب زادت من تفاقم الأوضاع وأسهمت بشكل كبير في خروج الرعية عن طاعة السلطان مما حدا بفرنسا إلى حماية المغرب شعبا وسلطانا اضطر معها مولاي عبد الحفيظ (1907/1912) إلى تبرير توقيعه لعقد الحماية بما ضمنه في مخطوطه “داء العطب قديم”. ولاشك أن المغرب يعد نموذج يحتذى به في مسألة التسامح والعيش في التنوع إلى يومنا هذا وبفعل الجهود التي يبدلها جلالة الملك محمد السادس والتي تأخذ شرعيتها من دستور المملكة المغربية والذي يعتبر المكون العبري جزء لا يتجزأ من الهوية المغربية والذاكرة الشعبية ومن المفروض أن يتيم التمييز بين المكون العبري كفاعل في تاريخ المغرب والذي لا علاقة له بما يقع اليوم في فلسطين ورموزها كالمسجد الأقصى أو ما يتعرض له إخواننا الفلسطنين من جرائم عنصرية. إن المغرب كان ولايزال الداعم الأساسي للقضية الفلسطينية. ومؤخرا تم تطبيع العلاقات مع إسرائيل لظروف تمليها التحولات الجيواستراتيجية التي يعرفها العالم، وهذا الحدث لا يعني إطلاقا استنجاد المغرب بإسرائيل ضد عدو محتمل فنحن أمام دولة مغربية عمرها 1200 سنة صامدة وقادرة على تدبير شؤونها بنفسها وأثبت ذلك في عز التحولات التي شهدتها المنطقة العربية.
انتهى


الكاتب : ذ.ربيع رشيدي

  

بتاريخ : 05/05/2023