المخيمات الصيفية تاريخ «منسي» وحاضر في حاجة إلى اهتمام تشريعي أكبر

خمس مراحل على امتداد 58 يوما انطلقت في 6 من الشهر الجاري وتنتهي يوم 4 شتنبر

 

 

انطلقت أول أمس الخميس 6 يوليوز 2023 فصول موسم جديد من المخيمات الصيفية التي ستمتد إلى غاية 4 شتنبر، والتي تنظمها الوزارة الوصية بشراكة مع الجامعية الوطنية للتخييم، الموجّهة لفائدة جمعيات ومنظمات الشباب والطفولة العاملة في مجال التخييم والقطاعات والمؤسسات الاجتماعية والعمل المباشر ونزلاء مراكز حماية الطفولة وأطفال المهاجرين المقيمين بالمغرب والأطفال ذوي الهمم. وتترقب الكثير من الأسر هذا الموعد السنوي بكل اهتمام، الفقيرة منها والمتوسطة على حد سواء، لكي تدفع بفلذات أكبادها لخوض شوط آخر من أشواط الحياة، يكون فضاء للتكوين والتأطير واكتساب مهارات جديدة، التي من شأنها تطور من القدرات الذاتية للأطفال واليافعين وتساهم في صقل شخصياتهم وتعزز من رصيدهم في التدبير الجماعي والمواطناتي طيلة مراحل الفترة التخييمية التي تمتد لـ 58 يوما، بمعدل 12 يوما للمراحل الأربعة الأولى و 10 أيام للمرحلة الأخيرة.
وإذا كانت المخيمات تختلف في أصنافها ما بين الحضرية منها والقارة والقرب والموضوعاتية … وطبيعتها ما بين الشاطئية والجبلية، فإن الهدف المركزي يبقى هو نفسه، وهو المساهمة في تنشئة الأطفال واليافعين في إطار تربوي متكامل يكون مدعّما لعمل الأسرة والمدرسة. ويعود ظهور المخيمات لأول مرّة إلى سنة 1850 بكل من إيطاليا وبريطانيا وألمانيا، ثم في 1870 في سويسرا، وفقا لما تشير إليه عدد من التقارير، التي تؤكد على أنه في فرنسا بدأ الأمر بمخيمات الأوساط الدينية سنة 1876، ثم الحضرية في 1889، ليتم الانتقال إلى مرحلة تعميم الرخص وتشجيع الجمعيات على التخييم انطلاقا من سنة 1935، وهو ما جعل مسار هندسة التخييم تشريعيا وإداريا تنطلق في 1947.
أما في المغرب، وبالعودة إلى بعض ما كتب في هذا الإطار، والذي يعتبر قليلا مقارنة بتاريخ المخيمات وما راكمته من تجارب، فإن أولى خطوات التخييم انطلقت في عهد الحماية الفرنسية سنة 1940 حيث تم إحداث مخيمات في معسكرات الجيش. وتشير بعض الكتابات إلى تعدد دوافع هاته الخطوة، ومن بينها الدافع الديني، إذ عمل عدد من الرهبان من خلال هذا الأمر على التأطير الديني لأبناء الفرنسيين في كل من مخيم سيدي فارس بمراكش ومخيم تافوغالت ببركان وكذا مخيم تيومليلين بإفران. وبالرجوع لوثائق تتعلق بنفس الموضوع، نجد بأن عددا منها أشار إلى أن مسألة التخييم في المغرب انطلقت قبل هذا التاريخ، مع تحديد أن أول مخيم صيفي رأى النور في المغرب كان في 1918 من تنظيم اتحاد نساء فرنسا تحت إشراف زوجة المارشال ليوطي في مازاغان، حيث تم اعتماد نفس المعايير المعمول بها في المخيمات في فرنسا، وتم فتح باب الاستفادة في وجه الأطفال الذكور الذين تتراوح أعمارهم ما بين 4 و 12 سنة والإناث ما بين 4 و 13 سنة. وتتحدث تقارير مختلفة عن أن الأطفال كانوا يستفيدون من تأطير المدربين لهم بألعاب تناسب سنهم، مع تحديد زمن للقيلولة، فالأنشطة الشاطئية حتى المساء، إضافة إلى حصص للقراءة الحرة، وبرمجة مجموعة من الأنشطة المتنوعة من حصص للأناشيد والمسرحيات والعروض الترفيهية والسينما الخ. ومنذ ذلك الوقت بدأت أنشطة المخيمات الصيفية تتصاعد بارتفاع أعداد الأطفال المستفيدين وببرمجة مخيمات في مراكز مختلفة كمنطقة الأطلس وغيرها، لتصل اليوم إلى 47 مركزا للتخييم وفقا لما يؤكده موقع الوزارة الوصية.
هذا التأسيس للمخيمات في المغرب الذي كان على يد الفرنسيين، يؤكده كذلك الدكتور سعيد طواف في مقال له، مشيرا إلى أن المستعمر الفرنسي ساهم في مأسسة عملية التخييم بالمغرب من خلال مجموعة من التشريعات مثل الظهير الشريف الخاص بتنظيم إدارة الشبيبة والرياضات المؤرخ في 28 شتنبر 1940، والمنشور بالجريدة الرسمية عدد 1481 بتاريخ 14 مارس 1941، والموقع من طرف محمد المقري وأذن بنشره القوميسير المقيم العام نوكيس، حيث جاء في فصله التاسع «تشتمل الأقسام الخارجية المكلفة بالشبيبة و الرياضات على مراكز لتهذيب أبدان الشبيبة وعلى محلات مستمرة أو مؤقتة وبوجه عام على جميع المنظمات التي تهم الشبيبة والرياضات»، وكذلك الظهير الشريف المتعلق ببعض مؤسسات المخصصة بالشبيبة والمنشور بالجريدة الرسمية عدد 1492 بتاريخ 30 ماي 1941، والموقع من طرف محمد المقري وأذن بنشره المعتمد بالإقامة العامة ميريي بتاريخ 8 أبريل 1941، ومما جاء في فصله الأول، «أن المؤسسات الخاصة بتهذيب الشبيبة مثل ميادين الألعاب في الهواء الطلق أو المراكز التي يأوي إليها الأولاد والفتيان المخصصة باستراحة الصبيان فيتوقف إحداثها أو توسيعها أو تحويلها من مكان إلى آخر على إذن مدير الصحة العمومية والشبيبة بعد استشارة مدير الأمور السياسية ومدير العلوم والمعارف»، إلى جانب الظهير الشريف المتعلق بإحداث مؤسسات ما يعرف بـ «منازل الشبيبة»، والمنشور بالجريدة الرسمية عدد 1498 بتاريخ 11 يوليوز 1941، والموقع من طرف محمد المقري وأذن بنشره القوميسير المقيم العام نوكيس بتاريخ 7 يونيو 1941، الذي جاء في فصله الأول، أنه يحدث بالرباط لدى إدارة الصحة العمومية والشبيبة، مؤسسات يطلق عليها اسم «منازل الشبيبة» ويكون الغرض منها جميع المسائل المتعلقة بتهيئة المنازل بالبادية ومآوى المراحل وديار الاستقبال والتنزه والملاجئ..إلخ، المعدة للشبيبة أو بتعيين كيفية استعمالها». هذا الاستحضار الذي ربط من خلاله الدكتور طواف مسارات التخييم وتطوراته في بلادنا جعله يصل إلى نقطة أساسية تبين على أنه رغم خروج الاستعمار الغاشم سنة 1956، فإنه لم تتم مأسسة قطاع التخييم عبر تشريعات مغربية خالصة، معتبرا أنه ما بين أولى الظهائر الشريفة في عهد الحماية وما بين أول مرسوم وزاري يخص المخيمات، أهدرت 80 سنة من الزمن التربوي والقانوني، كان بالإمكان خلالها إنتاج تشريعات قوية تمأسس لأهم نشاط ينظمه قطاع الشباب بالمغرب.
ونبّه الدكتور طواف، من خلال الدراسة الذي توصلت به «الاتحاد الاشتراكي» إلى أن المرجعية القانونية لوزارة الشباب لا تتعدى 3 مراسيم و 3 قرارات وزارية تم نشرها بالجريدة الرسمية لحد الآن. فبالنسبة للمراسيم، يتعلق الأول بتنظيم مراكز التخييم التابعة للسلطة الحكومية المكلفة بالشباب والصادر يوم 08 شتنبر 2021، وثاني مرسوم يهم تنظيم مؤسسات الشباب التابعة للسلطة الحكومية المكلفة بالشباب والصادر في 3 غشت 2022، وثالثها المرسوم المتعلق بتحديد اختصاصات وتنظيم قطاع الشباب والصادر في 12 يناير 2023 (جاء بتعديلات لمرسوم 21 ماي 2013). أما القرارات الوزارية الصادرة بالجريدة الرسمية، فيتعلق الأول بتحديد النظام الداخلي لمراكز التخييم التابعة للسلطة الحكومية المكلفة بالشباب الذي صدر يوم 5 يوليوز 2022، وآخر يحدد المعايير التقنية وشروط الصحة والسلامة الواجب توفرها في مراكز التخييم التابعة للسلطة الحكومية المكلفة بالشباب والذي صدر في نفس اليوم أي 5 يوليوز 2022، وثالث القرارات يهم تحديد وتنظيم واختصاصات الأقسام والمصالح التابعة للإدارة المركزية لقطاع الشباب والصادر في 13 يناير 2023. مشيرا إلى أن مشروع قانون المتعلق بالتخييم الذي تم وأده في المهد قبل سنتين حسب تعبيره، أهم تشريع كاد أن يكون باكورة الاحتفال بمئوية المخيمات بالمغرب، إلا أنه لم يكتب له النجاح.
وخلصت الدراسة إلى أن المدخل الرئيسي لتطوير مجالات التخييم يمر بإعادة فتح ورش التشريع، وتحديث الترسانة القانونية والإدارية والتنظيمية للقطاع، فإذا كان المرسوم المتعلق بتنظيم مراكز التخييم التابعة لوزارة الشباب خطوة أولى في خلخلة ملف هذا الورش التشريعي، فإن الرجوع إلى إحياء مشروع القانون الذي تم الاستغناء عنه قبل سنتين، سيكون، حسب المتحدث، فرصة لجميع المتدخلين بأن يدلوا بدلوهم للدفاع عن تقنين أهم نشاط تنظمه وزارة الشباب بشراكة مع الجمعيات، عبر الاهتمام بأدق التفاصيل التي تهم العملية التخييمية وتكوين الأطر وتطوير المناهج وتجويد المراقبة على مخيمات القطاع الخاص، لتكون وزارة الشباب القطاع الوصي على مجال التخييم في شموليته.


الكاتب : وحيد مبارك

  

بتاريخ : 08/07/2023