إن المتأمل في واقع غالبية فضاءات المؤسسات التعليمية على الصعيد الوطني لا يمكنه إلا أن يستخلص أنها أصبحت في السنوات الأخيرة مجالا خصبا لمجموعة من الظواهر السلبية والآفاق الخطيرة، وتحديدا التعاطي للمخدرات والعنف المدرسي الذي تسرب للأسف إلى مؤسساتنا وأثر بشكل سلبي على العلاقة من مختلف مكوناتها، ويرجع ذلك إلى مجموعة من العوامل الاجتماعية والاقتصادية والنفسية ناهيك عن تراجع دور الأسرة التي تعتبر النواة الأولى لتربية وتنشئة أبنائها.
وفي هذا الصدد عرف الأسبوع الأخير من السنة الماضية إعطاء الانطلاقة الرسمية للنسخة الرابعة للحملة التحسيسية لمناهضة العنف بالوسط المدرسي، برسم الموسم الدراسي 2019/2020، من خلال تنظيم ندوات علمية حول العنف بالوسط المدرسي بجل المديريات الإقليمية التابعة للأكاديمية الجهوية لجهة الدار البيضاء-سطات، من أجل إغناء النقاش الوطني حول هذه الظاهرة التي أضحت تؤثر سلبا على المناخ التربوي والسير الطبيعي للدراسة، وذلك من خلال تبني مقاربة شمولية تربوية واجتماعية ونفسية وشرعية، وهي أيضا مناسبة أصبحت تقليدا سنويا يلتزم به الجميع، أخلاقيا ومهنيا، كفاعلين ومؤطرين للعملية التربوية من أجل ترسيخ روح المواطنة والقيم الكونية في المنظومة التربوية في ظل تنامي ظاهرة العنف بالمؤسسات التعليمية ومحيطها، وفي إطار تنزيل الاستراتيجية القطاعية المندمجة التي أعدتها وزارة الداخلية، الدرك الملكي – وزارة العدل ومؤسسة «CLAIRE FONTAINE» في مجال الوقاية ومناهضة العنف بالوسط المدرسي، والتي تهدف إلى تخليق المؤسسات التعليمية ونشر ثقافة السلم والتسامح بالإضافة إلى الوقاية من العنف داخلها وخارجها، في انسجام تام مع مضامين الرؤية الاستراتيجية للإصلاح 2015/2030 خاصة في شقه المتعلق بترسيخ قيم المواطنة والديمقراطية والمساواة بين الجنسين في المنظومة التربوية الذي يهدف إرساء مدرسة مواطنة دامجة، وهو الشعار الذي رفعته الوزارة للسنة الدراسية الحالية.
وفي هذا السياق، واصلت المديرية الإقليمية لوزارة التربية الوطنية بعمالة مقاطعة عين الشق تنزيل الحملات التحسيسية لمناهضة العنف بمعية كافة الأطراف المعنية والشركاء من ممثلي المؤسسات التعليمية وجمعيات أمهات وآباء وأولياء التلاميذ والنقابات التعليمية الأكثر تمثيلية والقطاعات الحكومية الشريكة وفعاليات المجتمع المدني والقطاع الخاص وباقي المتدخلين، باعتبار أن الجميع له دور في التنشئة الاجتماعية والمساهمة في إعداد أجيال صاعدة متشبثة بالثوابت الدينية والوطنية لبلادها في احترام تام لرموزها ومتمسكة بهويتها بشتى روافدها ومتشبعة بقيم التسامح والتضامن والتعايش، كما جاء على لسان الأستاذة بوشرى أعرف، المديرة الإقليمية لوزارة التربية الوطنية بعمالة مقاطعة عين الشق، التي اعتبرت الندوة التي نظمتها بالثانوية الإعدادية لحسن وإيدار محطة لإعطاء الانطلاقة الرسمية للحملة التحسيسية لنبذ العنف بالمؤسسات التعليمية والتي اختير لها هذه السنة شعار «بدون عنف نبني مدرسة مواطنة دامجة»، والتي ستدوم عشرين يوما وتستهدف مختلف الأسلاك التعليمية وكذا أقسام التعليم الأولي مع إشراك جميع الأطفال في وضعيات خاصة وبتنسيق مع الجمعيات الشريكة في المجال، على أمل أن تساهم في الرفع من مستوى الوعي بثقافة حقوق الإنسان وإشعاع روح التسامح والإخاء داخل المؤسسات التعليمية ومنها إلى الأسر والمجتمع، وهو رهان يتطلب تضافر جهود كافة المعنيين، من فاعلين تربويين وجمعيات أمهات وآباء وأولياء التلاميذ والمصالح الأمنية والمجلس العلمي المحلي ومندوبية وزارة الصحة واللجنة الجهوية لحقوق الإنسان بجهة الدار البيضاء- سطات، والتضامن الجامعي والمغربي والنقابات التعليمية الأكثر تمثيلية بتراب المديرية وكافة الشركاء من فعاليات المجتمع المدني، ذات الصلة بالموضوع، دون إغفال الدور الهام لوسائل الإعلام مذكرة بالدور الكبير الذي تقوم به المؤسسات التعليمية التي ما فتئت تلعب دورا طلائعيا في تأصيل التربية والأخلاق السامية والقيم والمواطنة الحقة التي تخول للتلميذ الانخراط الإيجابي في مسيرة التنمية. فلم يقتصر دور المؤسسة يوميا على التعليم والتكوين الدراسي فقط بل كان دورها تهذيبيا أخلاقيا، وإن اعتزازنا بالمدرسة العمومية وأدوارها التربوية والتعليمية، كان ولا يزال، قائما، خاصة إذا ما واصلنا ثقتنا بدور القائمين عليها نساء ورجال التعليم وأطر الإدارة التربوية.
هذا وقد عرفت هذه الندوة خمسة عروض حول «المقاربة التربوية مدخل أساسي لمناهضة العنف بالوسط المدرسي» للدكتورة بشرى أعرف، المديرة الإقليمية لوزارة التربية الوطنية بعمالة مقاطعة عين الشق، «العنف داخل المدرسة من الكتابة على الجدران إلى الممارسة على الآخر» للأستاذ أحمد الرياضي، أستاذ علم النفس بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بعين الشق، و«العنف بالوسط المدرسي» للدكتور عبد القادر أزداد، أستاذ علم النفس المعرفي ورئيس قسم علم النفس بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بعين الشق- و «الفن كرافعة لتنزيل مشروع APT2C» لسعيد لهنا، أستاذ مادة الفلسفة ومنسق مشروع APT2C على مستوى الثانوية التأهيلية المصلى بعين الشق، و«العنف وعلاقته بالوعي الديني» للدكتور محمد خرشافي، ممثل المجلس العلمي المحلي وأستاذ بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بعين الشق، وتخلل هذه العروض كورال غنائي بعنوان «لا للعنف» من تقديم المجموعة الصوتية «صدى لحسن وإيدار» المتكونة من تلميذات وتلاميذ إعدادية لحسن وإيدار.