المرأة المغربية بين مأزق الهوية والحاجة للدمقرطة

المرأة، ذاك الموجود الذي حبته الطبيعة كغيره من الموجودات الأخرى بحقوق طبيعية، فكان نصيبها الحق في الحياة، الحرية، الكرامة، المساواة، وكذلك الرجل في ظل «حالة الطبيعة « التي غادرها الأفراد الإنسانيون الى حالة الثقافة، ليتم تأسيس المجتمع، وتوضع التشريعات التي تباينت مصادرها وغاياتها وقيمتها عبر التاريخ.
والمرأة في كل هذا، نجدها لا تزال رغم مرور الزمن لا تزال تبحث لها عن موطئ وجود كريم يليق بطبيعتها الانسانية الأولى، بعد أن فقدتها عبر مراحل التاريخ، وأقصد هنا ظهور المجتمع الابيسي، لتتراجع سلطتها تدريجيا، وأصبحت تعيش تحت سلطة الرجل، الذي هو الآخر عانى من القهر والاستغلال في ظل أنظمة اقتصادية-اجتماعية حولته إلى (عبد، قن، عامل) ومارست عليه كل ضروب الاستغلال.
هي رحلة عبر التاريخ الذي يضج بأحداث كثيرة ،ومحددة كانت وراء دخولهما في علاقات معقدة طبعها في أغلب الأحيان التسلط، وعدم المساواة والانصاف ،ليعود التاريخ ويسجل هذه المرة، أن المرأة لم تتمتع في أغلب المجتمعات الإنسانية بحصتها من الحقوق التي وهبتها لها الطبيعة .
من هنا بدأت المعركة من أجل الكرامة ومن أجل تصحيح مسارات التاريخ والمجتمعات غير العادلة، لكنها معركة لم يكن خوضها أمرا هينا ولا متيسرا، لأنها كانت تصطدم بواقع يختزن فيه عوائق خفية وظاهرة، كان لابد من مجابهتها والكشف عنها رغبة في الانتصار عليها، وفي ذلك مساهمة في بناء مجتمع منصف وعادل.
ولعل ما يدعو إلى التأمل والتفكير، والمساءلة أيضا، هو أن الرجل الذي عانى من بعض أنواع القهر كما ذكرت ، يعود بدوره ليمارس عنفه على المرأة، ويسهم في كبح جماح إنسانيتها من خلال ماهو ثقافي (قوانين وتشريعات، تمثلات ذات عمق ذكوري، مؤسسات،…)، تختزن في طياتها تصورا حول» هوية» المرأة ،كمجرد «أداة»، حيث يتم تشييؤها ونزع كل قيمة عنها بوصفها ذاتا مفكرة، وحرة الإرادة، لتتحول العلاقة بين الطرفين إلى صراع خفي أو ظاهر، بدل أن يكونا معا في صراع مع كل ما يحد من إنسانيتهما معا، ويعترف كلاهما للآخر بالحق في وجود رفيع وكريم ، في ظل مجتمع يقر ويضمن لهما حقوقهما كاملة في مساواة وإنصاف.
من هنا نتساءل عن علاقة دمقرطة المجتمع والدولة، بالنهوض بوضعية النساء؟
هل لتحقق ذلك يكفي سن القوانين والتشريعات أم لا بد من ثورة ثقافية تؤسس لتحديد جديد لهوية المرأة ولأدوارها داخل المجتمع؟
ألا يستدعي هذا أيضا ضرورة تمكينها الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، حتى تخرج من هذا المأزق التاريخي؟
هنا، يطرح إشكال ٱخر، يخص مسألة الأسبقية، أعني بذلك هل التمكين الاقتصادي والاجتماعي هو المدخل لتغيير أوضاع النساء أم تملك مشروع مجتمعي ثقافي جديد متقدم حول هو المدخل الأساس لذلك؟
يصعب أن أجازف بالقول، وأمنح الأسبقية لأحد المدخلين على الآخر، نظرا لمدى التداخل والتعقد الذي تعرفه هذه القضية الشائكة، ذلك أننا إذا نحن ٱمنا بضرورة دمقرطة المجتمع بشكل فعلي وحقيقي، يخول لأفراده جميعا المساواة في الحقوق والأفراد، نساء ورجالا، فهذا يعني أننا ننطلق من تصور جديد ومتقدم للمجتمع وللإنسان في ظله، ومن داخل ثقافة جديدة تحمل تصورا إيجابيا عنه، على اعتبار أنه يملك حق قرار صنع مصيره، والتحكم في اختياراته، وهكذا ستحظى النساء بكامل التقدير والاحترام، وسيكون التمكين أمرا بديهيا ومشروعا، وفي شكله القويم، مادام الاعتراف بها كإنسانة ذات (فكر، حرية إرادة وكرامة) وأنها متساوية مع الرجل، اعتراف يستدمجه الجميع ،أي كل المؤسسات: (الأسرة، المدرسة، الإعلام…) ويتشبع به واضعو السياسات العامة، بحيث يصبح عنصرا ثابتا في بنية الذهنية المغربية، ساعتها يمكن أن نتحدث عن تراجع العوائق أمام تحسين أوضاع النساء وبالتالي تقدم المجتمع.
أما إذا نحن اعتبرنا أن التمكين الاقتصادي والاجتماعي، والذي لا يمكن لأحد أن ينكر ضرورته وجدواه، مدخلا لتصحيح أوضاع النساء، ويتحول إلى مجرد شعارات تتردد في الخطابات، دون الوعي بأن القول بالتمكين، له ارتباط وثيق بتصورنا الذي نحمله بخصوص المرأة، (الهوية)، لأنه إذا نظر إليها على أنها مكمل للرجل، وأنها أقل منه قدرة وذكاء سيقلص ذلك من حظوظها، وسيعرضها إلى الإقصاء وعدم المساواة (في الأجر ،في بلوغ بعض المناصب، في التمثيلية السياسية…)، أي أن التمكين هنا لم يرفع عنها الحيف، وهذا مرجعه إلى رسوخ تمثلات غير صحيحة ومجحفة في حقها، والتي تؤثر في رؤية قراءة وضعية النساء من زاوية التكرم عليهن ببعض المنح والعطاء، كما يسري بشكل سلبي على طبيعة اقتراح الحلول المقترحة والكفيلة بالنهوض بها.
هذا التداخل الكبير بين المدخلين، لا يعني أننا أمام طريق مسدود، بل فقط هو يستدعي منا أن نعيد التفكير والوعي بأنه لا يمكن أن يتحقق النهوض المنشود بوضعية النساء، إلا إذا تم القطع مع كل التصورات الحاطة من المرأة، ذات المرجعيات التقليدية المحافظة، والعمل على تبني مواقف أكثر جرأة بخصوص كل ما يتعلق بالمرأة من منطلق أنها شريكة للرجل وند له، مما يتيح لها التمكين الفعلي في كل الواجهات، وهذا هو ما سوف يجعل التنمية واقعا يعاش ولن تظل مجرد حبر على ورق.


الكاتب : فريدة بوفتاس

  

بتاريخ : 07/10/2022