ينتظر المزارعون في المغرب، بكثير من القلق والترقب، الانطلاق الرسمي للموسم الفلاحي 2023 منتصف شهر أكتوبر الجاري، بعد أن عاشوا العام الماضي موسما فلاحيا صعبا، اتسم على الخصوص بشح التساقطات وهزالة المحصول، ما يجعل سكان القرى والبوادي هذا العام يتوجسون خيفة من تدهور أوضاعهم، خصوصا في ظل غلاء المعيشة وارتفاع الأسعار.
وبينما أخذ الفلاحون الصغار الذين يعولون على الزراعات البورية التقليدية، وعلى رأسها القمح والشعير، يقلبون التربة، أياديهم على قلوبهم وأعينهم على السماء، في انتظار أولى التساقطات عساها تعوضهم عن خسائر الموسم الفلاحي الماضي، يترقب مزارعو الفلاحة المسقية أمطار الخريف، خصوصا مع تراجع نسبة الملء بحقينة السدود إلى أقل من 24 في المئة عوض 40 في المئة خلال نفس الفترة من السنة الماضية، والهبوط الحاد في فرشاة المياه الجوفية.
في غضون ذلك بدأت أسعار البذور تشتعل في العالم القروي، في وقت كان مفترضا أن تنزل إلى أدنى مستوياتها بعد إعلان الحكومة تعبئة 1.1 مليون قنطار من البذور المختارة للحبوب الرئيسية الثلاث، (القمح اللين، والقمح الصلب، والشعير).
غير أن أثمان البذور التي وقفت عليها جريدة «الاتحاد الاشتراكي» في الأسواق، لا علاقة لها بالأثمان التي حددتها وزارة الفلاحة لبيع بذورها المدعمة والتي تتراوح بين 300 و 350 درهما للقنطار ، حيث وصل سعر بذور القمح الصلب في معظم الأسواق أمس إلى 5 دراهم للكيلوغرام (500 درهم للقنطار) بدل 3 إلى 4 دراهم المسجلة خلال نفس الفترة من الموسم الماضي .
وتراوح سعر بذور القمح اللين (الفارينا) بين 300 و 400 درهم للقنطار، وهي البذور التي نادرا ما كانت تتجاوز 100 درهم للقنطا.
أما بذور الشعير، فقد حطمت أسعارها كل الحواجز، وتراوحت بين 400 و 500 درهم للقنطار في حين أن هذا الثمن لم يكن يتعدى في الفترة ذاتها من العام الماضي 200 درهم للقنطار، وذلك بسبب اعتماد 40 في المائة من زراعة الشعير على الإنتاج المحلي ، وهو الإنتاج الذي كان هزيلا خلال الموسم السابق.
إلى ذلك شهدت بذور الخرطال المستعمل في الأعلاف، زيادة صاروخية هذا العام، حيث تتراوح أسعارها بين 500 و600 درهم للقنطار الواحد، في حين قفز سعر مكعب التبن ( البالة) إلى 25 درهما، بل أصبح يباع في عدد من المناطق ب 30 درهما، بعد أن كان ثمنه لا يتعدى 10 دراهم في المواسم العادية.
وتفيد التصريحات التي استقتها «الاتحاد الاشتراكي» من بعض المزارعين في منطقة الشاوية، أن أسعار البذور والأعلاف مرشحة لمزيد من الارتفاع طالما تأخرت الأمطار، بل إن جفاف بعض السدود أصبح يهدد زراعات أخرى دون الحبوب، كما هو الشأن بالنسبة لزراعة الشمندر في دكالة والتي تعتمد كثيرا على السقي من مياه سد المسيرة، ثاني أكبر سد في البلاد، والذي أصبح اليوم أرضا جرداء.
غير أن الحكومة في الرباط، وعلى رأسها وزارة الفلاحة، لم تظهر بعد أي علامة للقلق، بل تبدو غير منشغلة بتدهور الأوضاع الناجم عن الجفاف وعن أثر التضخم في العالم القروي، وما زالت حتى اليوم تتردد في إطلاق مخطط استعجالي لإنقاذ ما يمكن إنقاذه و تنفيذ تدابير لتخفيف ما نزل، بالتركيز على حماية الثروة الحيوانية عبر توفير الكلأ والمياه للمواشي، بالموازاة مع تدابير لحماية الموارد النباتية .
وفي وقت ينتظر الفلاحون الصغار إعادة جدولة ديونهم مع القرض الفلاحي، وإطلاق حزمة من المساعدات غير المباشرة للفلاحة المعيشية، وعد وزير الفلاحة محمد الصديقي مؤخرا بأنه سيتم توفير جميع الحاجيات من بذور الشمندر، وحوالي 70 ألف وحدة من البذور الأحادية النبتة، والعمل من أجل تزويد السوق بحوالي 500 ألف طن من الأسمدة الفوسفاطية (أسمدة العمق)، مع الحفاظ على نفس مستويات الأثمنة المسجلة خلال الموسم الفارط. وعلاوة على ذلك، يضيف الوزير، تمت برمجة توسيع المساحات المؤمنة بحوالي 200 ألف هكتار، تنزيلا لمقتضيات استراتيجية الجيل الأخضر التي تستهدف بلوغ 2,5 مليون هكتار من المساحات المؤمنة، في أفق 2030.
وسجل أنه سيتم خلال هذا الموسم تأمين 1,2 مليون هكتار من الحبوب والقطاني والزراعات الزيتية، و50 ألف هكتار من الأشجار المثمرة، مبرزا أن كل مصالح الوزارة المعنية معبئة على الصعيد الوطني لمواكبة الفلاحين ومواصلة تنزيل مشاريع استراتيجية الجيل الأخضر.