أول ما يتبادر إلى الأذهان عندما نتحدث عن حدث ترك بصمة عميقة في نفوس المغاربة، هو الاحتفال بتحقيق نصر كبير في تاريخ المغرب، ألا وهو حدث المسيرة الخضراء. كانت بداية هذا الإنجاز الكبير مع الراحل المغفور له الملك الحسن الثاني، الذي يعتبر بإبداعه وعبقريته وفطنته من مؤسسي هذا المشروع الذي أعاد للمغرب كرامته وهيبته، خاصة عندما نظم مسيرة سلمية لاسترجاع الأراضي المغربية المستلبة، فكان انتصارا لهذه القضية بكل المقاييس. ثم اكتملت الفرحة في عهد الملك محمد السادس بالانتصار الدبلوماسي الحكيم لاسترجاع أراضينا ورجوع السيادة الكاملة للمغرب بعد قرار مجلس الأمن الأخير، نكاية في الكيان المزعوم (البوليساريو) ومدعميه، لتنتهي هذه المهزلة برجوع الحق لأصحابه وانتصار المغرب لحقوقه المشروعة.
وهنا لا يمكننا أن ننسى الدور الفعال الذي لعبته التعبيرات الفنية في مناصرة القضايا الوطنية، ومن بينها المسيرة الخضراء، ذلك الحدث الذي أشعل فتيل قوة الانتماء للوطن والدفاع عنه بكل الوسائل. فكان الفن التشكيلي من بين هذه الوسائل التعبيرية الرمزية، إذ كانت للفنان التشكيلي لغته الخاصة بالأشكال والألوان. قام هؤلاء الفنانون برسم معالم هذه المسيرة بطرق متعددة كثقافة موازية لنشر تفاصيلها خارج الوطن، كما حدث في نواحي مدينة ميامي الأمريكية سنة 2015، بمشاركة عدد من الفنانين المغاربة وهم النافي، الزكاري، الجعماطي، زخرف، الحداد وكردود، إلى جانب الفنانة الفلسطينية المقيمة بأمريكا جميلة الهيب. كانت الفكرة الأساسية بمناسبة المسيرة الخضراء إنجاز لوحة جماعية ساهم فيها كل هؤلاء الفنانين إلى جانب مطربة مغربية وعدد من الصحافيين المغاربة الذين رافقوا الوفد، في حضرة المستضيف الرئيسي للتظاهرة محمد الجامعي الملقب بـ(نهايضة) من مدينة القنيطرة.
تكاثفت الجهود لإنجاز لوحة تليق بمستوى الحدث، وكانت لحظة تفيض بمشاعر الانتماء لوطننا المغرب، فكان إنجازا ترسخ في الأذهان بصدق ينتمي إلى بيئة ومكان يختلفان عن مكاننا، بلغة تعبيرية عالمية كسرت حدود التواصل وجعلت من هذا العمل التاريخي رمزا للارتباط بالتربة والقضية الأساسية، قضية الوحدة الترابية.
إن الأمثلة على ذلك متعددة، انتقلت زمنيا عبر مساهمات مغربية كثيرة، من بينها معرض الفنان الراحل كمال بوطالب، الذي خصص معرضا متميزا عن المسيرة الخضراء قبل رحيله برواق (ألف باء) للمرحومة الشعيبية طلال بالدار البيضاء في الثمانينيات، والذي كان يشرف عليه ابنها المرحوم الحسين طلال. قام بعمل ملحمي فوق مساحات كبيرة، عبّر فيه عن المسيرة بطرق مختلفة جمعت بين الشكل واللون والمادة، واستخدم تقنيات صباغة تميل إلى ما هو كرافيكي، في مرحلة كانت المسيرة في أوجها وحداثتها.
كما قام الفنان أحمد بن يسف برسم ورقة نقدية من فئة مائة درهم، جعل فيها صورة للمسيرة الخضراء رمزا لهذا الحدث، فأصبح المغاربة يحملون هذه الذكرى في جيوبهم يوميا كتعبير عن الرخاء والانتماء. وهي صورة لمواطنين في مشهد بانورامي بالصحراء، كل واحد منهم يحمل قرآنا تشبثا بعقيدته وإيمانه بقضيته.
أما الفنان أحمد الهواري، فقد أنجز أعمالا متعددة مرتبطة بأسلوبه الخاص الذي يعتمد السهل الممتنع، بملون خصب وتعدد في الرؤى، معتمدا على زوايا حداثية تتوسل أسئلة تشكيلية مرتبطة بزمانها، في محاولة للقبض على أسلوب يتوفر على الشرط الإبداعي.
وبذلك تكون هذه التجارب وغيرها نموذجا لطرق اهتمام الفنانين التشكيليين المغاربة بالمسيرة الخضراء، تعبيرا عن انخراطهم التاريخي والفني في حدث وطني خالد.
المسيرة الخضراء بلغة العين
الكاتب : شفيق الزكاري
بتاريخ : 06/11/2025

