المشهد الصوفـي (1) : مشاهير من فرسان الزجل بالمغرب ، الشيخ عبد القادر العلمي نموذجا

إن القراء اليوم المولعين بـ «تراث فن الملحون» الأصيل يريدون أن يتعرفوا – بدورهم – على بعض الجوانب الخفية من حياة فرسان الزجل بالمغرب، وهي جوانب جد هامة ومفيدة، ظلت مخزونة بين ثانيا الصدور، ومحفوظة في الذاكرة الشعبية زمانا غير يسير، وعلى تعاقب الأجيال المغربية ؛ وقد رصدنا من أجل توثيقها مجموعة من اللقاءات والمهرجانات الفنية أزيد من خمسة عقود خلت.
نعم، إن هذه المرويات التي تروى حول بعض شعراء الملحون على اختلافها في بعض المدن المغربية لا يزال يحفظها أهل الملحون بالتواتر، جيلا عن جيل، مما يجري في كل منتدى من منتدياتهم، وفي كل محفل من محافلهم. إنها مرويات تكشف عن خفايا إنتاجات هؤلاء المبدعين، وعن ألغازها، ومعمياتها، بل من أجل العمل على تقريبها من الأذهان، والأذواق، فيحاول الدارسون، والباحثون، تقديم ذلك سهلا ومبسطا إلى جمهور عريض من القراء والمولعين بفن الملحون؛ في كل غرض من أغراض القصيدة الزجلية –على تعدد أشكالها الفنية، وأجناسها الأدبية -. ومن الأسماء اللامعة في هذا الفن، اسم قد ظل– في كل وقت وحين- تردده الشفاه وتستشهد بمعانيه العقول والأرواح، بل يرن صدى بدائعه وروائعه في كل وسط من الأوساط، في الغدو ، والرواح.

 

يتردد صدى شهرته منغوما وعذبا جميلا عند العامة وخاصة الخاصة ؛ إنه الشاعر الصوفي الكبير، شاعر مكناسة الزيتون، وفحل فحولها، وعربون زمانها وعهودها سيدي قدور العلمي – رحمه الله – ، إنها إطلالة على جانب من سيرته – من خلال شعره : (الجانب الاجتماعي، والصوفي).
وفي هذا الحلقات سنلقي الضوء الكاشف على جوانب شتى من أدبياته وأخباره، انطلاقا من بعض المراجع التي وقفت عليها بنفسي في مدونات الخاصة، وبعض الخزانات العامة، ومما جمعته – أيضا – من مرويات أهل الملحون، وحفاظ روائعه، مما ينظم في ربوع المغرب من لقاءات خاصة بفن الملحون.
منقبين عما قد أهله تأهيلا في طليعة شعراء عصره، حتى غدا علما من أعلامهم، وفارسا على جواد فنه من فرسان الزجل بالمغرب، شامخا في سمو، واستعلاء.
إن الاستمرارية في صناعة الزجل وقرض الشعر العامي بالمغرب، كانت تعني في كل زمان، ومكان ما تعني، وفي زمان سيدي قدور العلمي، جاءت تؤكد على ما هو واقع في عهود خلت، بداية من العهد المريني، وإلى اليوم، رغم ما قد غاب عنا من نصوص زجلية غميسة في عهد العلمي والذي تلاه، من إبداعات شعراء الملحون التي لم تصلنا بعد، أو التي لم يكتب لها الخلود، والاستمرار، كما كان لغيرها، ولم تشهدها أجيالنا، على تعاقبها كما شهدتها أجيال أخرى؛ أو مما ظل حبيس خزانات خصوصية لم ير النور بعد ؛ ومع ذلك، فقد تحقق لبعض إنتاج شاعرنا الخلود، فحظيت بعض أعماله الأدبية، والفنية بالتدوين، والبحث والدرس، لأن هذا الاهتمام الذي ناله شعره، قد طرزه البحث الجاد في شخصية العلمي، وفي التنقيب في أشعاره وأخباره…
ولقد وقفت بنفسي على بعض المخطوطات النادرة التي اعتنى الخزانة بتدوينها، والتعريف بها، ومنها الجانب الاجتماعي، والصوفي – على الخصوص- الذي نعمل على إدراجه في هاته السلسلة الأدبية بمناسبة هذا الشهر الكريم، وهذا الجانب الروحي جعله قريبا من العامة والخاصة ؛ فقد حظي في حياته بالعطف المولوي الكريم من أمير المومنين المولى عبد الرحمن – قدس الله روحه – الذي كان يستشيره في الملمات، ويأخذ برأيه في كثير من القضايا الدينية، والاجتماعية، والوطنية ؛ وقد ذكر بعض النقاد لشعره، أن قصيدة «الدار» عند العلمي، تعني، ما تعني من الرموز الصوفية، وهي في دلالة ألغازها، ترمي إلى ما قد آل إليه أمر أهل البيت – رضوان الله عليهم – من ظروف التهميش، على حساب آل العيساويين الذين استقطبوا العامة الجهلة، فانصرفوا أسرى عوائدهم، وطقوسهم، التي تجاوزوا بها عتبة التوحيد، فضلوا، وأضلوا. إذن، فالحركة الصوفية المغربية كان لها أثر كبير في مجتمع المدينة الإسماعيلية يومئذ، ويشهد على نشاط هذه الفترة بالضبط، ما بأيدينا من كنانيش، وكراسات، ودفاتر الملحون، وغير ذلك مما واكبته أجيال هذا العهد ، إلى حين.
وكم سررنا غاية السرور، بحضورنا في معظم اللقاءات التي كانت تنظم لهذا الشاعر الكبير. في مختلف ربوع المملكة العلوية الشريفة.
رحم الله أولئك الذين واصلوا تدوين شعر شاعرنا، وحافظوا عليه حتى لا تعبث به يد الإهمال والنسيان. إن هؤلاء كلهم قد عايشوا هذه الحركة الأدبية في رغوها وصريحها، دون أن تصرفهم عن الجادة توافه الأشياء، للعزوف عن مواصلة البحث والدرس، والكتابة والتدوين. وها هي الآن، هذه الأبحاث، والدراسات تمشي في كل خطوة من خطواتها في شجاعة وطموح، وهذا الطموح لازال – وإلى اليوم – يطلب منا مزيداً من العناية بدراسة ديوان العلمي . ولعل البحث الأجنبي الذي انصب على سيرة العلمي، والذي نالت منه شخصيته حظا كبيرا يدفعنا اليوم إلى المضي قدما لدراسته حتى نكشف عن بعض الحوائل التي لا تزال تحول بيننا وبين الوصول إلى المبتغى المنشود.
يتبع…


الكاتب : عبد الصمد الكباص

  

بتاريخ : 02/04/2022