المغاربة في مصر خلال القرن الثامن عشر  – 35 – المغاربة شكلوا العمود الفقري للطبقة البرجوازية  وتعاملوا مع الحكام كمجموعة لها شخصيتها المستقلة

 “المغاربة في مصر خلال القرن الثامن عشر» ،كتاب يتناول دراسة العائلات المغربية في مصر خلال هذه الفترة، وذلك من خلال إبراز دراسة هذه العائلات كخلية اجتماعية اقتصادية متحركة.
هذه الدراسة  سلطت الضوء على عائلات النخبة التجارية المغربية ودورها في الاقتصاد المصري إبان تلك الفترة التاريخية، و كذلك تطرقت إلى المدى الجغرافي الذي اتخذته معاملاتهم بمختلف أنواعها، والرخاء الاقتصادي الذي تمتعوا به.
 الكتاب أصدرته مكتبة الإسكندرية سنة 2015، وهو كما يقول مديرها الدكتور إسماعيل سراج الدين،  ترجمة للعلاقات بين مصر والمغرب العربي، التي هي من الصفحات المشرقة في تاريح الأمم، وأوضح الدكتور إسماعيل سراج الدين ، أن هذا التاريخ الممتد من العلاقات إلى العصور القديمة،  كان من نتيجتها ،العديد من الأسفار والرحلات من بلاد المغرب إلى مصر ومن مصر إلى المغرب، بل يكشف مدير مكتبة الإسكندرية، أن الروح المغربية موجودة في مدينة الإسكندرية في أوليائها الصالحين وأسماء أحيائها وشوارعها، بل امتد الوجود المغربي إلى مدن أخرى، وفي القاهرة عد ابن طولون مركزا للمغاربة، وما زلنا إلى اليوم نرى في هذا الحي أثرا في بقايا العائلات المغربية القاطنة .
كتاب «المغاربة في مصر خلال القرن الثامن عشر، هو دراسة للمؤرخ الدكتور حسام محمد  عبدالمعطي، أنجزها بمناسبة اختيار المملكة المغربية ضيف شرف معرض مكتب الإسكندرية  الدولي للكتاب سنة 2012. ولأهمية هذه الكتاب/الدراسة، نسلط الضوء على ما جاءت به هذه الدراسة من معطيات التي استندت في إنجازها إلى  العديد من الوثائق التي تبرز حياة ودور المغاربة في مصر،  في العديد من المجالات خلال القرن الثامن عشر .

خلال رحلة قافلة الحج كان التجار المغاربة دائما مسلحين حماية لأنفسهم وأموالهم؛ وقد دفعت قدرتهم العسكرية عددا من أمراء الحج على تكوين قوة عسكرية منهم للدفاع عن قافلة الحج، ونتيجة لهذه المخاطر البالغة ولعدم وجود وسائل تأمينيةضد هذه الأخطار يقول الدكتور حسام محمد عبدالمعطي ، فقد حرص التجار عل تنويع تجارتهم وعدم شحن كميات كبيرة من بضائعهم وأمتعتهم في سفينة واحدة أو قافلة واحدة،وعملوا على تقسيم رؤوس أموالهم في  عدد كبير من الشركات والصفقات وتنويع أصول رؤوس أموالهم بصورة واسعة؛ للحد من هذه الأخطار.
يرى المؤلف  أن نجاح التجار المغاربة كان يرجع في جزء كبير منه إلى فهمهم العميق للأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية في مصر إبان العصر العثماني؛ فكان لإجادتهم
فن التعامل مع الحكام ورجال الحكم والعلماء أثر كبير في هذا المجال ،أما عن شكل العلاقة بين التجار المغاربة والسلطة السياسية الحاكمة ،يقول الكتاب ،فقد اتخذت أشكالا وأطوارا مختلفة كانت تتناسب مع شخصية القابضين عل زمام السلطة في الولاية المصرية. على مدار القرن الثامن عشرء، فمنذ بداية القرن الثامن عشر كان النفوذ السياسي الأكبر للفرق والأوجاقات العسكرية. وقد شهد  أحد الأعوام  أزمة إفرنج أحمد والصراع العنيف بين الأوجاقات العسكرية الذي أفضى في النهاية إلى تآكل قواها، فقد سيطرت الأوجاقات العسكرية وقادتها على مجريات الأمور السياسية في مصر خلال هذه الفترة،ورغم أن قواها أخذت في التراجع أمام البيوت المملوكية فإن ذلك مر برحلة طويلة نسبيا حتى منتصف القرن الثامن عشر،كما بدأ ظهور البيوت المملوكية؛ وتمتد المرحلة التالية إلى  وصول
الفرنسيين إلى مصر. وقد سيطرت على مصر خلالها البيوت المملوكية التي استطاعت إحكام قبضتها عل أدوات الحكم، وخلال كل مرحلة من هذه المراحل كان التجار المغاربة وفق ذات الدراسة ،يتخذون مواقع جديدة وعلاقات متجددة مع قوى السلطة الفاعلة في الولاية المصرية.
لقد استطاعت عائلات النخبة التجارية المغربية من أمثال عائلات الشرايبي والمنجور
وجسوس والبناني والعشوبي وجلون وغيرها أن تكون ثروات طائلة من نشاطها التجاري
جعلت منها قوة اقتصادية مهمة داخل بناء المجتمع، ونتيجة لذلك الثراء العريض الذي حازه هؤلاء التجار فقد شكلوا العمود الفقري للطبقة البرجوازية الوسطى في مصر خاصة خلال القرن الثامن عشر؛ وكانت السلطة السياسية تعرف ذلك جيدا فكانت تسارع إليها لطلب الأموال لسد أي عجز أو أزمة مالية لديها، وقد ترتب عل ذلك وجود علاقة خاصة بين السلطة في مصر والتجار المغاربة تقوم على ارتباط المصالح بين الطرفين؛ وأنه طالما كان التجار المغاربة مصدرا من مصادر تمويل السلطة فقد كانت هذه الأخيرة تقدم لهم ألوان الرعاية والحماية، وقد دخل التجار المغاربة في علاقات مختلفة مع جماعات السلطة من
خلال معاملاتهم التجارية وغير التجارية فأدخلوهم شركاء في بعض أعمالهم  وأقرضوهم المال، وتنافسوا معهم في بعض المشروعات التجارية الأخرى, فنجدهم يتعاونون معا أحيانا في مسألة تتصل  بالمصالح المشتركة؛ وأحيانا أخرى نجدهم على طرفي نقيض؛ وبعبارة أخرى يقول الدكتور حسام محمد عبدالمعطي شارحا،
لم يقتصر دور التجار المغاربة على تلبية حاجات الحكام بالأموال بل تعاملوا معهم كجماعة لها شخصيتها المستقلة.


الكاتب : إعداد:  جلال كندالي

  

بتاريخ : 09/06/2021