في خطوة تدعو للاستهجان، استدعت رئيسة اللجنة الجمهورية في الكونغرس الأمريكي فيرجينيا فوكس كلا من رئيسة جامعة هارفارد، كلودين جاي، ورئيسة جامعة بنسلفانيا ليز ماجيل، ورئيسة معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا سالي كورنبلوث يوم الثلاثاء في 5 دجنبر2023، أمام لجنة في مجلس النواب الأمريكي، للإدلاء بشهاداتهن في مسألة الاحتجاجات المعادية للسامية، عبر الإجابة عن سؤال موحد :هل يعتبر الحرم الجامعي الدعوة لإبادة اليهود، انتهاكا للسلوك في ما يتعلق بالتنمر والمضايقات نعم أو لا؟
هذا الاستدعاء يأتي بعد أن وجّه بعض أعضاء المجلس، اتهامات إلى هذه الجامعات بسوء التعامل مع الاحتجاجات العنيفة والمعادية للسامية
في حرمها الجامعي.
وقد خضعت رئيسات الجامعات لاستجواب حول معاداة السامية بعد مظاهرات داعمة لفلسطين
داخل هذه الجامعات.
رئيسة جامعة هارفارد «كلودين غاي» أجابت عن سؤال: «هل الدعوة إلى الإبادة الجماعية لليهود تنتهك مدونة قواعد السلوك في الولايات الأمريكية؟»، بالتالي: «قد يكون الأمر كذلك، اعتمادا على السياق المطروح»، مما أثار احتجاجات وجدلا واسعا في المجتمع الأكاديمي والجامعي الأمريكي.
وبلغة لا تخلو من استفزاز واضح لرئيسات الجامعات، اعتبرت النائبة الجمهورية «إليز ستيفانيك» التي تولت الاستجواب أن: «هذا لا يعتمد على السياق، لكون الجواب عليه أن سيكون «نعم»، ولهذا السبب يجب عليك الاستقالة لكون ردودك غير مقبولة». كانت هذه الملاحظة، موجهة إلى رئيسة جامعة هارفارد «كلودين غاي»، وهي نفس الملاحظة التي توجهت بها أيضا إلى «سالي كورنبلوث» من معهد «ماساتشوستس» للتكنولوجيا، ولـ»إليزابيث ماجيل» رئيسة جامعة «بنسلفانيا».
طلب من النساء الثلاث، اللاتي يشغلن مناصبهن منذ أقل من 18 شهرا، شرح الأحداث التي وقعت في جامعاتهن في أعقاب هجوم 7 أكتوبر. والسؤال الذي تم طرحه (عدة مرات) كان يبدوا بسيطا في طياته: «هل الدعوة إلى إبادة اليهود تنتهك قواعد السلوك»، هل الجامعات معنية بأمور التحرش والترهيب؟. لترد «كلودين جاي»: «قد يكون هذا هو الحال، اعتمادا على السياق، مثل استهداف الأفراد». ولتجيب «إليزابيث ماجيل»: «إذا تحول الخطاب إلى سلوك، فقد يكون ذلك بمثابة مضايقة»، موضحة أيضا أن قرار التأهيل «يعتمد على السياق».
في نفس السياق، بدأت «سالي كورنبلوث» بشرحها: «لم أسمع عن أي دعوة للإبادة الجماعية لليهود في حرمنا الجامعي، قبل أن تقاطعها رئيسة اللجنة بأن سماع «هتافات» عن الانتفاضة ، هو في حد ذاته إقرار بالدعوة الى الإبادة.
يعود أصل المشكلة، إلى إحدى جلسات للاستماع، حيث قامت «سالي كورنبلوث» بإعطاء تعريفها الشخصي لـ»الإنتفاضة» قائلة: «يمكن أن نعتبر أن هذه الدعوة (الهتافات) للانتفاضة، معادية للسامية، إذا كانت مندرجة في سياق الدعوة للقضاء على اليهود أو لارتكاب إبادة جماعية ضد اليهود في إسرائيل والعالم»، مما حول النقاش من دعم بعض المتظاهرين للانتفاضة إلى قضية الإبادة الجماعية. وردا على سؤال حول «ما إذا كانت هذه الدعوة تنتهك مدونة قواعد السلوك في بنسلفانيا»، أجابت: «سيتم التحقيق في المضايقات إذا كانت منتشرة وشديدة».
مطالبات بالاستقالة واحتجاجات واسعة النطاق
من بين المحتجين على هذه التعليقات، كان الملياردير اليهودي «بيل أكمان» مؤسس الصندوق الإستثماري «بيرشينج»، حيث أعرب عن غضبه من جامعته السابقة بالقول: «عليهم جميعا الاستقالة بسبب العار» ويعقب «إذا أعطى الرئيس التنفيذي لإحدى شركاتنا إجابة مماثلة، فسوف أفصله في غضون ساعة. لا أعلم لماذا انفجرت معاداة السامية في الجامعات وحول العالم؟ هل بسبب شخصيات مثل «غاي» و»ماغيل وكورنبلوث»، المعتقدين أن الإبادة الجماعية تعتمد على السياق فقط»، كما كتب على منصة «X» يوم الثلاثاء.
وفي اليوم التالي، «تبرأ» البيت الأبيض من رؤساء الجامعات المرموقة الثلاث دون تسميتهن. وقال المتحدث باسم البيت الأبيض «أندرو بيتس» أنه «من غير المعقول أن يقال هذا. هذه الدعوات للإبادة الجماعية، وحشية وتتعارض مع كل ما نمثله كدولة». وقال «ياد فاشيم»، القائم بالنصب التذكاري للهولوكوست في إسرائيل، إنه: «يشعر بالفزع لأن قادة المؤسسات الأكاديمية النخبوية يستخدمون السياق المضلل للتقليل من شأن الدعوات للإبادة الجماعية ضد اليهود وتبرير هذه الدعوات».
وقد حاولت «كلودين غاي» رئيسة جامعة «هارفارد» الحد من الضرر في بيان، قالت فيه: «لقد خلط البعض بين الحق في حرية التعبير وفكرة أن جامعة ‹هارفارد› ستتسامح مع دعوات العنف ضد الطلاب اليهود»، ولتعقب «لنكن واضحين: إن الدعوات إلى العنف أو الإبادة الجماعية ضد الجالية اليهودية، أو ضد أي مجموعة دينية أو عرقية هي «دعوات حقيرة» ولا مكان لها في الجامعة، وأولئك الذين يهددون طلابنا اليهود سيخضعون للمساءلة».
للجميع حرية التعبير، حتى للآراء التي لا تطاق..
جاءت جلسة الاستماع المتوترة، والتي لم تخل من استفز
از ومحاولة التأثير على إاجابات المستجوبات، في أعقاب مواقف مؤيدة للفلسطينيين ومعادية لإسرائيل من قبل بعض الطلاب والجمعيات الطلابية في أعقاب أحداث ال7 من أكتوبر، حيث اتهمت إدارة الجامعات المعنية بعدم الرد بالشكل الملائم، لاسيما مع انتشار مقاطع فيديو للاحتجاجات في جميع الجامعات الثلاثة، حيث هتف الطلاب فيها بالرغبة في «الانتفاضة».
وقالت رئيسة جامعة هارفارد إن الخطاب «بغيض» بالنسبة لها، مؤكدة أن «الدعوات إلى الإبادة الجماعية تتعارض مع قيم هارفارد، لكننا نصر على الإلتزام باحترام حرية التعبير في جامعتنا، حتى بالنسبة للآراء التي لا تطاق ولو كانت تشعرنا بالبغض ونراها غير مقبولة». واتخذت السيدة «كورنبلوث» موقفا مماثلا، إذ قالت: «الحق في حرية التعبير لا يمتد إلى المضايقة أو التمييز أو التحريض على العنف في مجتمعنا»، أما رئيسة معهد «ماساتشوستس» للتكنولوجيا، فذكرت (بشكل قاطع) بأن: «هذه الحرية تكاد تكون مطلقة، ومكفولة بموجب التعديل الأول لدستور الولايات المتحدة – لا يجوز للكونغرس تمرير أي قانون للحد من حرية التعبير – على عكس أوروبا حيث حرية التعبير محدودة».
وبدا أن جلسة الاستماع في الكونغرس، سوف تتحول أيضا إلى محاكمة لهذه المؤسسات بما في ذلك جامعة «هارفارد»، التي يعتبرها الجمهوريون «معبدا» لليسارية. استشهد النائب الجمهوري «آرون بين» عن ولاية «فلوريدا» باستطلاع أجرته صحيفة «هارفارد» وجد «أن 80% من موظفي الجامعة، يعتبرون أنفسهم تقدميين، وأن 1% منهم فقط محافظون»، وفقا للتصنيف الذي أجرته الجمعيات المحافظة «College Pulse» و»FIRE» «مؤسسة الحقوق الفردية والتعبير» (The Foundation for Individual Rights and Expression)، التي استطلعت آراء حوالي 55 ألف طالب، تحتل معه الجامعة المرتبة 248 (الأخيرة) في حرية التعبير.
تهمة معاداة السامية والحصار الاعلامي
يدفعنا هذا الانحياز السافر ومحاولة محاصرة الآراء الرافضة لسياسة إسرائيل في حربها ضد غزة وضد الفلسلطينيين في كامل التراب الفلسطيني، إلى التأكيد على أن تهمة معاداة السامية عادت اليوم إلى الانتشار وأصبحت جاهزة ضد المثقفين والسياسيين على حد سواء ، كما تدل على ذلك الحرب الإعلامية التي تشن منذ بداية الحرب، في فرنسا، ضد كل من جون لوك ميلونشون زعيم حزب «فرنسا الأبية» الذي اعتبر أن ما يجري في قطاع غزة بمثابة مجزرة.وكذا وزير الخارجية السابق في حكومة الرئيس جاك شيراك، دومينيك دوفيلبان، المتهمين علناً بمعاداة السامية أو حتى بالعنصرية تجاه اليهود!خاصة بعد الانحراف الحاصل في الموقف الرسمي الفرنسي وابتعاده عن تقاليد السياسة الخارجية الفرنسية التي ظلت تلتزم «الحياد الإيجابي» في الصراع العربي – الإسرائيلي.
فمنذ اندلاع النزاع الفلسطيني-الإسرائيلي في قطاع غزة، تميز ميلونشون بمواقفه الجريئة، فهو لم يتردد في اتهام إسرائيل بارتكاب المجازر. واعتبر أن قطع إسرائيل الضوء والإنترنت على القطاع «هذه اللحظة من التاريخ هي عار إلى الأبد للمجرمين الذين يرتكبون المجزرة، ولأولئك الذين يدعمونهم دون قيد أو شرط، ولأولئك الذين سمحوا بحدوث ذلك، ولأولئك الذين يخافون من ذلك».
كما انبرى وزير الخارجية سابقا دومينيك دوفيلبان، مؤكدا أن الحل العسكري الانتقامي الذي ينتهجه نتنياهو لن يضمن أمن إسرائيل، وأن القوة غير المتكافئة التي يروح ضحيتها الآلاف من المدنيين الأبرياء والعزل، لن تحل الصراع التاريخي بين الإسرائيليين والفلسطينيين، ووحده الحل السياسي الذي يضمن حقوق الفلسطينيين غير منقوصة بما فيها حقهم في القدس الشرقية، كفيل بوضع حد لمأساة حقيقية.
هذا الحصار الإعلامي ضد هذين الزعيمين يبرز حجم التضليل الذي يمارسه مثقفو الشاشات عبر كل وسائل الإعلام من دون استثناء، ويفعلون ذلك في شكل مكارتية جديدة تشن في فرنسا ضد كل من تسول له نفسه تعريف الإرهاب بالشكل الذي ينطبق على إسرائيل، وليس فقط على حركة حماس، وحتى ضد الذي يتجرأ على المقارنة بين إرهابهما على أقل تقدير.
ويشن يهود فرنسا حملة ضد حزب «فرنسا الأبية»، فقد دعا النائب البرلماني من أصول يهوزدية مايير حبيب إلى ملاحقة ميلونشون بتهمة معاداة السامية، ولم يتردد المغني الفرنسي الشهير وهو من أصول يهودية- جزائرية إنريكو ماسياس في المطالبة بطرد هذا الحزب من البرلمان الفرنسي.