أكد الممثل الفلسطيني صالح بكري أن «السينما الفلسطينية تطورت مع الوقت في القضايا التي طرحتها؛ السينما الفلسطينية بدأت مع الثورة الفلسطينية، وأول عمل روائي أعرفه تناول الحكم العسكري في عام 1948 وهو فيلم «عرس الجليل» المخرج ميشيل خليفي، ومن بعدها تطورت السينما الفلسطينية بحكم كل ممثل ومخرج له أسئلته، وقصته الشخصية وتجربته، فكل فنان قدم لغته وطرح المسألة التي تخصه بشكل شخصي، على سبيل المثال آن ماري جاسر عاشت أغلب عمرها خارج فلسطين فكان همها في أغلب أفلامها، خاصة في فيلمها الأول والثاني، تحدثت عن حق العودة، ولكن عندما عادت إلى فلسطين وعاشت في فلسطين تحدثت عن الأقلية الفلسطينية المتبقية في أراضي 1948، تحت مواطنة دولة الاحتلال، بحكم أنها عادت وعاشت في حيفا، هنا صار لدينا القصة التي هي جزءاً من حياتها الشخصية. التجربة الشخصية تضيف عمقاً للفنان، وهي جوهر في التغيير والاختلاف في السينما، مثلاً مها احاج أيضاً حكت تجربتها الشخصية، هي كيف تقرأ الحالة الاجتماعية الإنسانية تحت مواطنة دولة الاحتلال في فيلم «حمى البحر المتوسط».
وأضاف في حوار مع مجلة «رمان الثقافية»: «في السينما الفلسطينية لدينا أصوات متفردة، تناولت قصصنا بطريقة مختلفة ومبدعة، وصاغت تجربتنا الإنسانية بطريقة خلاقة، وهذا أقل ما يمكن أن نتوقعه ضمن التجارب التي نعيشها. استطاع إيليا سليمان أن يأتي بلغته ومعرفته وفلسفته العميقة وشاعريته إلى السينما، وعلى أساس تنوع التجارب تنوعت السينما الفلسطينية. وبالنهاية الاحتلال هو الاحتلال لم يتغير كثيراً عدا عن كونه مستمراً بالتوغل في الجريمة، ويطور نفسه على أجسادنا وأرواحنا، وعلى حساب حياتنا ومستقبلنا، ونحن نخوض تجاربنا المرة مع هذا الاحتلال وهذا تحديداً ما يدفعنا لإطلاق أصواتنا في السينما والمسرح والشعر والثقافية بشكل عام… لنضمن شيئاً واحداً أساسياً وهو الاستمرار في الوجود».
وتابع: «لا يمكنك إلا أن تستعيد الماضي في الحالة الفلسطينية الراهنة، الماضي هو الراهن، لذلك نقول أن النكبة مستمرة، الماضي مستمر، وكل هذا التاريخ والإرث الذي امتلكناه عبر آلاف السنين كشعب في هذه المنطقة، طُلب منا نسيانه لمجرد قدوم الاحتلال ومحاولته لمحو هذا الإرث، كيف يمكن محو شعب يعيش في هذه الأرض ويمتلك كل هذا التاريخ، أنا أشعر أن هذا المكان يشبهني، وأنا أشبههُ، لذلك من الصعب أن أتخيل نفسي ابن مكان آخر، أنا في هذا المكان أنتمي لطمأنينة بيتي الصغير، فلسطين هي بيتي الصغير في هذا العالم، لذلك لا يمكنك أن تفصلني عنه، لأنه فعلياً جزء من هويتي وتركيبتي».
ويرى صالح البكري أنه من الممكن جداً ترك البلد والعيش في أي مكان في العالم. لكنه يؤكد، دائماً، أن «فلسطين تبقى بتاريخها هي قصتي وقضيتي، عدا عن أني أمتلك قصتي الشخصية، القصة مع الاحتلال ليست فقط قضية شعبي وحرمانه من بلده، هي قضية شخصية تخص كل واحد منا، فعلياً أنا عشت شبابي دون أن أختبر شعور العيش في المدينة الفلسطينية، وعشت كممثل بلا جمهور، جمهوري غير مسموح له بمتابعتي، وغير مسموح لي بالتفاعل معه، أنا جمهوري في المخيمات، وفي الشتات، بدلاً من أن يكون معي في حيفا ويافا هو موزع على العالم، فأنا لم أعرض أعمالي، كيف يمكن أن أمارس مهنتي كممثل بلا جمهور؟ وفعلياً هنا نحن نسأل عن أشياء بسيطة، ونسبة المآسي الكبيرة التي حدثت للشعب الفلسطيني، لكن هذا الحرمان؛ حرماني شخصياً وحرماننا من المدينة وبناء الذاكرة، بمعناها الواسعة كونها لقاء. وبالتأكيد يوجد ذاكرة جديدة، ولكن عملية التشويه الذي قام به الاحتلال أصابنا، لأن الاحتلال لم يكن للأرض فقط، بل أيضاً للثقافة ومحو الهوية، لتدمير النسيج الاجتماعي الفلسطيني، لذلك ذاكرتنا بالتأكيد لها علاقة بالواقع ولكن تبقى هناك ذاكرة لم يستطع اختراقها هذا التشويه وهي لا تمت للاحتلال بأي صلة».
وفي حديثه عن الذاكرة افلسطينة، قال البكري «هذه الذاكرة لن ننساها وسنبقى نعيشها ونحاول استعادتها لأنها هي الأساس التي نرى من خلالها حلمنا. وكل ما نفعله في السينما والفن والثقافة بشكل عام بالنسبة لي هو فعل مقاومة وخصوصاً في الحالة التي تم فيها تعميم ثقافة الموت، لأن ما نحاول فعله هو مواجهة هذه الفكرة العميقة من الموت العنيف التي تصدرها دولة الاحتلال».
الممثل صالح بكري: فلسطين تبقى بتاريخها قصتي وقضيتي
بتاريخ : 06/01/2024